استعمالات اللغة العربية الجديدة إلى أين؟ 14-  الاستعمالات الخاطئة تفقد اللغة قيمتها التعبيرية :


إشكال جهل كثير من المثقفين العرب لغتهم:

الأخطاء اللغوية بين سَقَطات العلماء وتقصير المثقفين(4)

ناقشنا في العدد الماضي(المحجة 374) آخر كلمة من الكلمات المصنفة تحت رقم 1 والمفصل ترقيمها ب (أ – ب – ج- – د. في العدد 371 ص 15).

وكان آخرها هي كلمة (استخدام) التي نرى أن كلمة(استعمال) أولى منها في السياقات التي وردت فيها. وفي هذه المقالة نناقش ما صنف تحت رقم 2 من تلك الكلمات المفردة. التي قلنا عنها في العدد أعلاه إنها استعمال ممكن ومقبول بوجه ضعيف، لكن قصد المتكلم الذي يدرك الحالة المعبر عنها يفرض أن تتغير بنيتها مع الاحتفاظ بمادتها. ومن تلك الكلمات (تعبيرات)، و(مشكلات). وقد سبق أن أثبتنا النص الذي وردت فيه هذه الكلمات ضمن النصوص التي جردناها من كتاب اللغة العربية الصحيحة في العدد 366 من المحجة. ونعيد تسجيله هنا حتى تتضح دلالات الكلمات التي نناقشها في سياقاتها التي أوردها فيها المؤلف. وفي هذا يقول : “وإذا كان للغة الموضوع (مشكلات) يعرفها ويتفرغ لحلها اللغويون المتخصصون، فإن للغة الأداة (مشكلات) أخرى لا تقل في تنوعها وخطورتها عن هذه (المشكلات) وهي (مشكلات) لا ترتبط كثيرا بمادة اللغة، وإنما بمنهاج تدريسها وطرق عرضها.. وقد كانت مشكلات اللغة الأداة هي هدف قسم اللغة العربية في جامعة الكويت من الندوة التي أقامتها تحت اسم (مشكلات) اللغة العربية على مستوى الجامعة في دول الخليج والجزيرة العربية”. العربية الصحيحة 28- 29.

هكذا نلاحظ أن كلمة (مشكلات) تكررت عند المؤلف ست مرات في بضعة أسطر. وقد أوردها بصيغة جمع المؤنث السالم الذي يفيد الدلالة على القلة، في حين أن سياق النص يدل على تفاقم حالة المفهوم الذي يتحدث عنه المؤلف من مثل قوله : “وإذا كان للغة الموضوع مشكلات”. وقوله : “وقد كانت مشكلات اللغة الأداة…” والذي يبدو أن المؤلف المحترم لا يعير اهتمامه لدلالتي جمع القلة وجمع الكثرة بخصوص هذه الكلمة (مشكلات). ولذا تكرر احتياجه إلى استعمالها، دون الانتباه ولو مرة واحدة إلى جمع التكسير الذي يفيد الدلالة على الكثرة. ذلك أن نظام اللغة العربية مضبوط بحيث يحدد لكل شكل من أشكال الكلمات وظيفته الدلالية في مجاله الذي يصنف فيه أولا، ثم دلالته الخاصة التي تدل عليها مادته، أو نوع شكله بحركة دون غيرها. فالكلمة من حيث هي أي أنواع الكلمات التي تستعمل في الكلام مثل اللبنات في الجدار أنواع ثلاثة :  اسم، وفعل، وحرف، لكن الاسم أنواع كثيرة مثل اسم عين، وهو الذي نشاهده بحاسة البصر مثلا، واسم معنى، وهو الذي ندركه بعقولنا ولا نراه بأعيننا، وكذلك الفعل والحرف فكل واحد منهما أنواع كثيرة، ولا نطيل بهذا الوصف العام لأنواع الكلمة في اللغة العربية، وإنما أوردنا أمثلة منه لنقيس عليها الحالة التي نحن بصدد مناقشتها من أحوال تصريف هذه الكلمة، وما ينتج عن ذلك من اختلاف المعنى حسب قصد المتكلم الذي يفهم  دلالة الكلمات في اللغة العربية. وفي هذا السياق نقول : إن للاسم أحوال فهو أي الاسم إما أن يكون مفردا، أو مثنى، أو جمعا. ولكل نوع مجاله الذي يستعمل فيه ووظيفته الدلالية. وفي هذا المجال يقول ابن يعيش :(1) والغرض من الجمع : الإيجاز والاختصار، كما كان في التثنية كذلك. إذا كان التعبير باسم واحد أخف من الإتيان بأسماء متعددة”.

هكذا يلاحظ من خلال النص أعلاه أن كل نوع من أنواع الكلمات الواردة فيه له دلالته العامة التي تصنفه في خانة خاصة من خانات الاسم، فثمة الاسم المفرد، ثم المثنى، ثم الجمع، ووظيفة كل واحد منها غير وظيفة الآخر في الكلام، فالمفرد أخف، والمثنى والجمع للاختصار، ولا شك أن دلالة الجمع على الاختصار أكثر من دلالة المثنى. فالمتكلم يستعمل الاسم المفرد مثل محمد، وإذا اقتضى الأمر أن يعبر عن اثنين (محمد+ محمد) فإنه يكتفي بزيادة ألف ونون فيقول محمدان في حالة الرفع، أو يزيد ياء ونون في حالة النصب، فيقول محمديْن بدلا من محمد محمد، وكذلك الأمر في الجمع فلو اقتضى الأمر أن يذكر ثلاثة أسماء فأكثر كل واحد منها يسمى محمداً فإنه يكتفي بزيادة واو ونون في حالة الرفع، أو ياء ونون في حالتي الجر والنصب فيقول محمدون أو محمدين.

وعلى هذا الأساس الوظيفي، أي أن لكل شكل من الكلمات دلالته ومعناه، قسم الجمع في اللغة العربية إلى قسمين كبيرين : أولهما جمع التكسير، وثانيهما جمع السلامة، ولا تسلم التسميتين (السلامة) و(التكسير) من الإسهام في تحديد شكل بنية الكلمة في هذا الجمع أو ذاك، ذلك الشكل الذي يحدد دلالة الكلمة العامة : أي القلة، أو الكثرة، ثم الدلالة الخاصة، التي يحددها الشكل الخاص للكلمة المؤلف من حروف معينة. وبالمثال يتضح المقال كما يقال. مجموع السلامة : مثل (مسلمون) و(مومنون) و(خاشعين)، تشترك في دلالة جمع السلامة على  القلة. لكن كل جمع له مجاله الخاص الذي يدل فيه على القلة باعتبار دلالة حروف الكلمة. فدلالة (س- ل – م) غير دلالة (خ – ش – ع) وهكذا.. أما جمع التكسير مثل رُسُلْ – ورجال، وقطط.. فإنها تشترك في الدلالة على الكثرة لكن كل شكل من بين هذه الأشكال له دلالته الخاصة بالإضافة إلى دلالة حروفه التي يتألف منها. فرُسُلْ على وزن فُعُلْ، ورجال على وزن فعال، وقطط على وزن فِعَلْ. ولكل صيغة من بين هذه الصيغ وما يشبهها دلالته العامة التي يشترك فيها مع ما يشبهه من الكلمات في صيغة الجمع كرجال، وجبال، وحبال، وله دلالته الخاصة التي تنفرد بها حروفه.

وقد أجمل بن يعيش الكلام فيما حاولنا تبسيط الكلام فيه أعلاه بقوله (2) : “اعلم أن الجمع  ضم شيء إلى أكثر منه، فالتثنية والجمع شريكان من جهة الجمع، والضم، والضم، وإنما يفترقان في المقدار والكمية. والغرض من الجمع الإيجاز والاختصار كما كان في التثنية كذلك.

إذا كان التعبير باسم واحد أخف من الإتيان بأسماء متعددة وربما تعذر في إحصاء آحاد جميع ذلك الجمع وعطف أحدها على الآخر، وهو على ضربين جمع تصحيح وجمع تكسير، فجمع الصحة ما سلم فيه واحده من التغيير، وإنما تأتي بلفظه البتة من غير تغيير، ثم تزيد عليه زيادة تدل على الجمع (مثل مسلم ومسلم ومسلم +ون= مسلمون) و(مسلمة ومسلمة ومسلمة + ات = مسلمات) ويقال له جمع سالم لسلامة لفظ واحده من التغيير… والثاني من أنواع الجموع جمع تكسير، وإنما قيل له مكسر لتغير بنيته عما كان عليها واحده…”(مثل رجل، ورُجُل ورجل = رجال) وكل جمع على هذا الشكل من حيث مخالفة صيغة جمعه لمفرده يقال له جمع تكسير. وهو نوعان ما يدل على القلة وهو أبينة محصورة وما يدل على الكثرة وهو أبنية كثيرة. وقد أجمل بن يعيش القول في دلالة الجمع بصفة عامة. وأبنية دلالة القلة بصفة خاصة بقوله(3) : “كان القياس أن يجعل لكل مقدار من الجمع مثال يمتاز به من غيره كما جعلوا للواحد والاثنين والجمع، فلما تعذر ذلك إذ كانت الأعداد  غير متناهية  الكثرة اقتصروا على الفصل بين القليل والكثير، فجعلوا للقليل أبنية تغاير أبنية الكثير لتميز أحدهما من الآخر، والمراد بالقليل الثلاثة فما فوقها إلى العشرة، وما فوق العشرة فكثير”وأبنية القلة” أربعة أمثلة من التكسير وهي “أفْعُل” مثل أفلس، وأكْلب، وأفعال” مثل أجْمال وأفْراس، “وأفْعِلة” مثل أرْغِفة- وأجْربة، و”فِعْلة” مثل غِلْمة، وصِبْية. ومن ذلك (أي مما يدل على القلة) جمعا السلامة بالواو والنون نحو الزيدون والمسلمون، والألف والتاء (أي المجموع بالألف والتاء، وهو جمع المؤنث السالم) فهذان البناءان (أي جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم) أيضا من أبنية القلة”. والسؤال هل يمكن اعتبار ما تعرفه اللغة العربية من تعثرات وعراقيل قليلا ليجمعه جمع مؤنث سالم : (مشكلات) كما رأينا عند صاحب اللغة العربية الصحيحة، أم أن أوضاعها متفاقمة أكثر مما يراه صاحبنا وعليه ينبغي أن يعبر عنها بجمع التكسير(مشاكل) الذي يفيد الكثرة لا مشكلات كما هي عند صاحب اللغة العربية الصحيحة.

والذي يبدو أن المتكلم العربي الذي يعرف لغته حق المعرفة يميز بين دلالات الصيغ بحيث يستعمل كل صيغة في سياقها الذي تليق فيه بقصد معين. يقول سيبويه وهو بصدد الحديث عما يجوز فيه الوجهان كجمع مشكلة على  مشاكل ومشكلات :(4)”وليس يمتنع شيء من ذا أن يجمع بالتاء إذا أردت ما يكون لأدنى العدد”. ويقول(5) : “وإذا أردت ما هو أدنى العدد جمعت بالتاء، تقول : خَبْروات وصحروات، وذِفريات، وحبليات”.

    د. الـحـسـيـن گـنـوان

———-

1- شرح المفصل

2- نفسه ح 5/6-7

3- نفسه 5/9-10

4- الكتاب 3/610

5- نفسه 3/608

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>