محمد رسول الله “الرحمة المهداة”


قال الله تعالى : {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}(الأنبياء : 106) وقال تعالى : {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}(آل عمران: 159).

إن حياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إلى  جانب جلالها وفضلها كانت في الوقت نفسه رمزا وعظة وعبرة للمسلمين طوال تاريخهم، لو أنهم تدبروها. والله تعالى كان قادرا على أن ينصر رسوله ودعوته نصرا مؤزرا في الأيام الأولى لنزول الوحي، فيؤمن أهل مكة جميعا، ثم يتبعهم العرب كلهم في الدخول في الدين الجديد، ولكن الله تعالى عهد بالرسالة إلى  الرسول صلى الله عليه وسلم وتركه يخوض معركته مع البشر لكي يتعلم الناس كيف يديرون معاركهم، وكيف يثبتون على مبادئهم، وكيف يعاملون الخصوم بالصبر والأناة وحسن الخلق، والحجة البالغة، والله تعالى يعلم أن أمة الإسلام ستلقى في مسيرتها بعد محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها  ـ عقبات ومعارضة مشابهة لما واجه نبيها محمدا صلى الله عليه وسلم، وستجد الأمة الإسلامية نفسها في نفس المواقف.

والسيرة النبوية ينبغي أن تكون خير معين للمسلمين ـ اليوم ـ على النصر والخروج من الأزمات، وهي الطريق الوحيد الذي يفضي إلى السلامة من هذه الظروف القاسية التي تعيشها الأمة.

إن السيرة النبوية ليست سردا لأحداث حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فحسب، وإنما هي عظات ودروس وعبر ومنهج، فإن نحن وعينا ما في السيرة النبوية من حكم ومقاصد وأحكام وتشريعات عالية، نفعنا هذا الوعي في السير بأمتنا الإسلامية في طريق التوفيق والسلام والرخاء والعزة والمنعة.

إن بعض المؤرخين بالغوا في تصوير سوء الظروف التي كانت محيطة بمحمد صلى الله عليه وسلم في طفولته وصباه، فنعتوه بالفقير المحتاج، والرسول صلى الله عليه وسلم، ما كان في يوم من الأيام فقيرا ولا محتاجا ولا ضعيفا. ونحن نعتمد في تصوير أحواله ما قاله الله تعالى في سورة الضحى : {ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى}(6- 8).

فقد كان  صلى الله عليه وسلم في صباه راعيا للغنم بأجرة، وفي شبابه تاجرا ناجحا ميسور الحال، قبل أن يتاجر بمال خديجة رضي الله عنها قبل زواجه منها.

لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بعد عدد كبير من الرسل بلغوا رسالات ربهم إلى أقوامهم. قال تعالى : {ثم أرسلنا رسلنا تترا}(المومنون : 44). ومضت فترة غلبت فيها الشهوات على  الإنسان، وانطمست النفس اللوامة، وغيبت فيه القيم والأخلاق الفاضلة وانحرفت العقول، ففسد المجتمع، فأراد الله عز وجل للبشر الخير والصلاح، فبعث الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم وأعلن الدعوة إلى الله في مكة، التي استقبلت آخر رسالات الله تعالى لهداية البشر، فكان صلى الله عليه وسلم لسان الصدق الذي بلغالحق إلى الخلق، فكان بحق مسك الختام لأنبياء الله ورسله، فلا يقبل الله بعد رسالته من أحد دينا إلا باتباع دين محمد صلى الله عليه وسلم، فمحمد صلى الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة والنعمة المسداة من رب العالمين إلى  خلقه، لقد تمثل فيه الجانب النبوي من الإنسانية طيلة حياته، قبل البعثة وبعدها، قبل البعثة كان للرسول صلى الله عليه وسلم صفات محددة بارزة عبرت عنها السيدة خديجة رضي الله عنها بقولها : “والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر” وعبر كذلك عن هذه الصفات القرشيون أنفسهم في جملة واحدة، حينما اختلفوا في وضع الحجر الأسود في مكانه من الكعبة، فاحتكموا إلى أول من يدخل عليهم، فدخل الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا : هذا هو الأمين رضيناه حكما بيننا. وكلمة “الأمين” كانت تعني مجموعة من الصفات والخصائص متكاملة في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمانته ورحمته جعلته يعمل طيلة حياته لهداية الإنسانية وإسعادها، وقد وصفه القرآن الكريم خير وصف حينما قال : {لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رؤوف رحيم}(التوبة : 129).

لقد كانت نفس محمد صلى الله عليه وسلم رحيمة حتى مع الأعداء، فقد قيل له يوم أحد وهو في أشد المواقف حرجا لو لعنتهم يا رسول الله؟ فقال : ((إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا))(مسلم). وهو القائل : ((إنما أنا رحمة مهداة”(الترمذي).

ومن رحمته صلى الله عليه وسلم أنه سأل أهل مكة بعد أن فتحها الله عليه ونصره على كفار قريش : “يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم؟” قالوا : خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال : “اذهبوا فأنتم الطلقاء”(سيرة ابن هشام 4/54).

إن الرسالة المحمدية تتفرد وتمتاز عن غيرها من الرسالات السماوية بأنها رسالة وسطية عالمية. قال تعالى : {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}(البقرة : 142).

فالمسلمون ـ اليوم ـ مطالبون بتحمل مسؤولياتهم كاملة في نشر دعوة الله كما تحملها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كاملة، ولو أدرك المسلم هذه الحقيقة، لبذل كل ما في وسعه في القيام بما يعهد به إليه، ولو أدرك المسلمون جميعا هذه الحقيقة لكانوا دون شك في مقدمة أهل الأرض. قال الله تعالى : {لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة}(الأحزاب : 21). وإن أفضل عمل نرضي به ربنا سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم في حياتنا الدنيا، أن نعاهد الله على أن نكون باستمرار مثلا للرحمة الإسلامية والدعوة إلى الله بالحسنى{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون}(التوبة : 106).

ذ. أحمد حسني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>