بارقة – ثرواتنا المهدورة وكفاءاتنا المهجورة


بيننا وبين الإقلاع الحضاري مسافة قصيرة جدا ومفتاح رقمي بسيط وواضح وفعال، والطريق إلى العثور على هذا المفتاح وامتلاكه وإتقان استعماله والتحكم فيه لاَحِبَةٌ ليلها كنهارها وقريبة وميسرة إلاّ مَن طمس الله على قلبه وأعمى بصيرته.

فلدينا والحمد لله ثروة بشرية عظيمة تتجلى في هذا الشباب الخير النشيط المتحمس والمحب للمغامرات واقتحام الأخطار وتحدي الصعاب والمحافظ على عراقته وأصالته رغم هجوم المغريات عليه والإعلام المدمر، وثقافة التخريب وتنافس الدعوات الهدامة على تغيير فطرته وتلويث براءته، فلو وجد تأطيرا وتوجيها وثقافة طاهرة بانية تحيط به في البيت والمدرسة والشارع والإعلام والمناحي الاجتماعية الأخرى، المؤثرة بإخلاصها وحسن معاملتها وجميل علاقاتها وتحضر أدائها، لأصبح عنصر الشباب أدوات بناء وسواعد تقدم.

وفي بلاد المسلمين خبراء كبار في تخصصات متنوعة وكثيرة ومتفاوتة، تستطيع بلادهم أن تستغني بهم عن الخبرة الأجنبية الغالية الثمن، المشبوهة في نصحها وإخلاصها. لكن البلاد الإسلامية التي استفادت من خبرائها الوطنيين قليلة وفي مقدمتها ماليزيا التي أفادت من خبرائها وشبابها بما أهلها لتفوق كثيرا من البلاد المتقدمة، في حين يظل الخبراء في بلادنا الأخرى بين التجميد والتهميش والهجرة إلى الخارج. إن هذه الخبرة قلّ نظيرُها في العالم، وعدد الخبراء المسلمين لا يُحْصَوْن لكثرتهم، وتكفي الإشارة إلى أننا نشهد ذيوع أسماء إسلامية في سماء العلم والتكنولوجية بالعالم المتقدم، ومنهم الطبيب المغربي الدكتور العمراني الذي أجرى أول عملية جراحية نادرة للقلب في العالم بالبنج الموضعي لكن في بريطانيا، دَعْ عنك عبد السلام الباكستاني وأحمد زويل المصري اللذين فازا بنوبل للعلوم. إن لدينا من أمثال هؤلاء الكثير، ولكن من يستفيد منهم؟. إن مصر وحدها كانت منذ أكثر من قرن مؤهلة لأن تكون أكثر تقدما من اليابان أو على الأقل من كوريا، ومن المخجل أن تكون إسبانيا أكثر تقدما وإنتاجا ودخلا وغنى من الدول العربية ويعيرنا بذلك الصحافي فريد مان وغيره!!.

وببلادنا ثروات طبيعية عظيمة منها ما يفوق الثلثين مثل البترول والغاز وقد قال لي أحد رجالات ماليزيا : “لقد استطعنا أن نستفيد من ثرواتنا البسيطة في نهضتنا كالبترول وزيت النخيل فماذا فعلتم أنتم أيها العرب بثرواتكم العظيمة”، فخجلت أمامه وقال بعض الحاضرين : “لقد ضيعها السّفه والجَهْل والأنظمة العسكرية والبوليسية والتبعية!!”.

وعالمنا الإسلامي غني بترابه، غني بمياهه، غني ببحاره، غني بجباله، غني بمواقعه الاستراتيجية.

وللمسلمين دين عظيم لو وجد من يستمد منه الأسس والمبادئ للتربية والتعليم والتوجيه والتثقيف وتمتين الشبكة الاجتماعية التي هي أساس كل تقدم وازدهار، لكُنَّا في مقدمة الأمم وحبذا لو امتاز المسلمون بما كان ينبغي أن يمتازوا به : بالأخلاق فهي أساس كل تقدم وأساس كل دعوة وأساس كل حضارة لذلك وصف الله نبيه الكريم فقال : {وإنك لعلى خلق عظيم} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أدبني ربي فأحسن تأديبي)) وقال شوقي :

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ولولا غِنَائية ذهبت أخلاقهم ذهبوا لكان الأولى:

“فإن هم مُسِخَتْ أخْلاَقُهُم مُسِخُوا” فإننا لم نذهب بل نحن موجودون ولكننا أذلاء إذ مُسِخْنَا.

إن بيننا وبين الحضارة والتقدم والقيادة والقوة الشاملة مسافة قصيرة جدا لو وجدت نخبة قيادية تحقق في ذاتنا التغيير النفسي المطلوب في القرآن الكريم  : {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا مَا بأنفسهم} فتكون قدوة صالحة وقيادة رائدة تنقل ذلك التغيير لمجتمعاتها فترتبط بثرواتها التي تملك والوقت الذي تعيش فيه ارتباطا حيويا لتصنع من إنسانها وثرواتها الطبيعية ووقتها السفينة الحضارية التي تقلع من مرسى الدين والخلق باسم الله مجراها ومرساها نحو المستقبل المشرق العظيم.

  أ.د.  عبد السلام الهراس

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>