مواقف وأحوال – أحوال طالب علم في اختيار شيوخه


لمالك بن أنس رحمه الله أحوال خاصة في طلب العلم، منها أنه وضع شروطا دقيقة للأخذ عن العلماء، والكتابة عن الفقهاء، نذكرها اليوم، والناس يأخذون العلم عن كل أحد، ويستفتون كل من حمل شهادة، أو صعد منبرا، أو تحدث في إذاعة أو تلفزيون، أو ألقى محاضرة ….، لعل الله أن ينفع بأحوال هذا الرجل رحمه الله في اختيار من يؤخذ عنهم العلم فنقول:

قال ابن أبي أويس سمعت مالكاً يقول: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه.

وقال: لقد أدركت سبعين ممن يقول: قال رسول صلى الله عليه وسلم عند هذه الأساطين، وأشار إلى المسجد، فما أخذت عنهم شيئاً، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان أميناً إلا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن.

وفي رواية ابن وهب وحبيب وابن عبد الحكم نحوه.

وعن مطرف عنه: أدركت جماعة من أهل المدينة ما أخذت عنهم شيئاً من العلم وإنهم ليؤخذ عنهم العلم، وكانوا أصنافاً، فمنهم من كان يكذب في حديث الناس ولا يكذب في علمه، ومنهم من كان جاهلاً بما عنده، ومنهم من كان يزن برأي سوء. فتركتهم لذلك، وفي رواية ابن وهب عنه: أدركت بهذه البلدة أقواماً لو استسقى بهم القطر لسقوا، قد سمعوا العلم والحديث كثيراً، ما حدثت عن أحد منهم شيئاً لأنهم كانوا ألزموا أنفسهم خوف الله والزهد، وهذا الشأن يعني الحديث والفتيا يحتاج إلى رجل معه تقى وورع وصيانة وإتقان وعلم وفهم، فيعلم ما يخرج من رأسه وما يصل إليه غداً، فأما رجل بلا إتقان ولا معرفة فلا ينتفع به ولا هو حجة ولا يؤخذ عنهم.

وروى عنه ابن كنانة: ربما جلس إلينا الشيخ جل نهاره ما نأخذ عنه، ما بنا أن نتهمه، ولكن لم يكن من أهل الحديث…

قال مالك أتيت زيد بن أسلم فسمعت حديث عمر أنه حمل على فرس في سبيل الله، فاختلفت إليه أياماً أسأله عنه فيحدثني لعله يدخله فيه شك أو معنى فأترك لأنه كان ممن شغله الزهد عن الحديث.

وقيل له: لم لا تكتب عن عطاء؟ قال أردت أن آخذ عنه وأردت أن أنظر إلى سمته وأمره، فاتبعته، أتى منبر النبي صلى الله عليه وسلم فمسح الغاشية والدرجة السفلى، يعني من المنبر، فلم أكتب عنه إذ ذاك من فعل العامة.

والدرجة السفلى والغاشية شيء أصلحه بنو أمية فلما رأيته لا يفرق بين منبر النبي ولا غيره ويفعل فعل العامة تركته.

وروى عنه ابن وهب أنه قال دخلت على عائشة بنت طلحة فاستضعفتها فلم آخذ عنها إلا -قولها- كان لأبي مركز يتوضأ هو وجميع أهله منه.

وقال إن كنت لأرى الرجل من أهل المدينة وعنده الحديث أحب أن آخذ عنه فلا أراه موضعاً للأخذ فأتركه حتى يموت فيفوتني.

وقال رأيت أيوب السختياني بمكة حجتين فما كتبت عنه، ورأيته في الثالثة قاعداً في فناء زمزم، فكان إذا ذكر النبي عنده يبكي حتى أرحمه،فلما رأيت ذلك كتبت عنه،

قال ابن وهب نظر مالك إلى العطاف بن خالد فقال بلغني أنكم تأخذون من هذا، فقلت بلى، فقال ما كنا نأخذ الحديث إلا من الفقهاء.

(*) انظر ذلك كله في باب من ترتيب المدارك للقاضي عياض رحمه الله.

ذ. امحمد العمراوي

من علماء القرويين

amraui@yahoo.fr

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>