نعيش اليوم موجة عارمة من المناداة بالحقوق، ونسمع أصواتا ترتفع في كل مكان تتحدث عن الحقوق وتطالب بها بجميع ألوانها وأصنافها ومستوياتها ومجالاتها وأبعادها، ومن قبل الجميع: هيئات وجماعات، أفراداً ودولاً، أحزاباً ومؤسسات، في الداخل والخارج، محليا وإقليميا ودوليا، قوية كانت هذه الجهات أم ضعيفة، مستقلة كانت أم تابعة.
حقا إننا نعيش منذ زمن عصر الثورة في جميع مجالاتها العلمية والتقنية والاقتصادية والسياسية والحقوقية، لكنها كانت في أغلب محطاتها ثورة علينا لا لنا، وغرما لا غنما.
ويذكر التاريخ المعاصر من ذلك ما سمي بالثورات الاشتراكية والشيوعية في العالم الإسلامي التي قامت على حمل أفكار ومبادئ مخالفة للقيم والمبادئ التي كانت تدين بها الشعوب الإسلامية، وسعى الثوار الاشتراكيون بكل ما يملكون من قوة الحديد والنار والإعلام والتهريج على سحق أهل الأرض والعقيدة في الجمهوريات الإسلامية التي استعمرها السوفيات وضموها قسرا إلى “الاتحاد السوفييتي” ونهجوا باسم الثورة نهج تجفيف المنابع، وباسم الحرية والتقدمية والحقوق أعدموا حريات وحقوق الجمهوريات الإسلامية والشعوب المسلمة.
وفي العالم العربي أنشئت جيوب فكرية وإيديولوجية تابعة للغرب بشقيه اللبرالي والاشتراكي لبست قناع الثورة على المحتل، وقناع التحرر الوطني والاجتماعي، وقناع التقدمية والديمقراطية، وقناع الاستقلال ورفض التبعية، ولما تسلمت مقاليد السلطة كشف الثوار القناع وتبين لذي عينين أن الثورة لم تكن على المحتل الدخيل، وإنما على الثابت الأصيل، ولم تكن تحررا وطنيا ولا استقلالا وإنما إمعانا في التبعية والاستعباد والاستذلال بجميع ألوانه وفنونه.
ومرت مرحلة القرن العشرين ولم تكن الحرب فيها nمحليا وعالميا- إلا على المسلمين؛ فالحربان العالميتان كانتا تنافسا لتقسيم تركة المسلمين وكأنهم أموات لا وارث لهم إلا الغرب!!، وجاءت مرحلة الحرب الباردة فكانت على المسلمين حربا ساخنة محرقة ممزقة!!.
وحتى عندما انهار الدب القطبي وتكسر منجله وتمزقت أوصاله ولى أتباعه وجهتهم نحو تمثال “الحرية” يرفعون حناجرهم بالتمجيد والتبجيل والولاء وتقديم القرابين: ولم تكن قرابينهم سوى المسلمين حملة هذا الدين، ولم يكن عربون الولاء إلا الانخراط في الحرب على الإرهاب الذي لم يكن إلا حربا على الإسلام استغلها أدعياء التحرر والديمقراطية للإساءة إلى الديمقراطية نفسها!!!
أفلم يأن الأوان لأن تنقشع الغيوم عن المسلمين؟
أفلم يأن الأوان لأن ترفع الوصاية عن الشعوب المسلمة فتأخذ حظها وحقها في التفكير والتعبير عن ذاتها والتدبير المستقل لشؤونها؟
متى تتخلص هذه الشعوب من حكم وكلاء الغرب الذين أغرقوا البلاد والعباد في الذل والتبعية والاستعباد والاستبداد؟ ولم ينجحوا سوى في التجويع والترويع، والتركيع والترقيع؟
- متى تعطى هذه الشعوب حقها في تسيير شؤونها الداخلية والخارجية باستقلال، وفق مؤسساتها المنبثقة من عقيدتها وشريعتها وتجربتها التاريخية في الاجتهاد والتنزيل؟
- وقبل ذلك وبعد ذلك، متى تعطى حقها في امتلاك ما به تقام الحضارات من العلم والصناعات وحقها في الوجود الحضاري والمشاركة في تدبير شؤون الأرض؟.