حقوق الإنسان في الإسلام


- الإسلام نعمة : الإسلام نعمة ورحمة للعباد، وهو دين التوحيد، ختم الله به الديانات السماوية، على يد محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جعله الله نبيا ورسولا لخير أمة أخرجت للناس، وهو دين منقذ للبشرية من الشرك والظلم  وعذاب يوم القيامة، فصحح الله به عقيدتهم الفاسدة، ووحد صفوفهم وأصلح أحوالهم الاجتماعية، وآخى فيما بينهم، وجعل كل الناس سواء في شرع الله، فلا فرق بين غني أو فقير أو حاكم أو محكوم، وقضى على العادات السيئة التي كانت منتشرة في الجاهلية، كفكرة طلب الثأر، فحث على العفو ورغب فيه، وفرض على المسلمين المساواة في الحقوق والواجبات، وأمرهم بتطبيقها، واعتبر الخروج عنها خروجا عن شرع الله. قال تعالى : {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}(الشورى :الآية 11).

- حقوق الإنسان الخاصة : إن النعم والحقوق التي أكرم الله بها العباد كثيرة ومتعددة، وهي عبارة عن مجموعة من المكتسبات المادية أو المعنوية، يمكن للإنسان أن يتمتع بها  وهي قسمان : خاصة وعامة، فحقوق الإنسان الخاصة، منها حقه في المواطنة، وحقه في الميراث من أقاربه، إن لم يكن هناك اٍختلاف في الدين بين الوارث والموروث، وحقه على زوجته والعكس صحيح، وحقه على أولاده عند العجز أوالمرض، كما أن حقوق الأولاد على الآباء واجبة أيضا، كاختيار الأم والاسم وختان الذكور، والإنفاق والرعاية  والتعليم والعلاج… أما حقوق المرأة التي نصت عليها الشريعة، فهي لا تقل عن حقوق الرجل، ويجب احترامها وتطبيقها كما هي. فلا تمس بالزيادة أوالنقصان إلا ما كان منها قابلا للاجتهاد أو التعديل من علماء الشريعة، فرأيها في الزواج يعمل به، وحقها في الترشيح أو التصويت يحترم، كما أن حقها في مال زوجها ثابت شرعا، حالة حياته بالإنفاق وبعد مماته بالإرث، وهي حرة في استثمار مالها وتنميته بطرق مشروعة، ولها الحق في طلب الطلاق من زوجها إن ساءت العشرة بينهما، وحقها في  الميراث ثابت أيضا، وقد تزيد حصتها على حصة الرجل الذي يرث معها في بعض الحالات، خلافا لمن يظن أن المرأة  دائما تأخذ أقل من الرجل في الميراث، ولا تلزم بالنفقة من مالها على نفسها وأولادها وأقاربها، إلا إذا رضيت عن طيب خاطرها، أو كان العائل من الذكور منعدما أو غائبا. ومن حقوق الإنسان في الإسلام، حق الفقير على الغني في إعطائه الزكاة والصدقات قال تعالى :{إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم }(التوبة :60). وحقوقه على ولاة الأمر في توفير الشغل له حسب ثقافته وطاقته، وتوفير الأمن له كما لغيره  من المواطنين، وإعطائه من المال ما ينفقه على نفسه وعياله، وخاصة عند الفقر أو المرض أو العجز ولو كان هذا الإنسان ذميا يكفي أنه يعيش بين المسلمين وينتمي إلى وطنهم، فهذا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، لقي يهوديا بطلب الصدقة من الناس وهو شيخ كبير، فأمر أن يخصص  له من بيت  مال المسلمين، ما يسد به حاجته، وقال لا ينبغي أن نأخذ منك الجزية وأنت في شبابك، و نتركك تتسول وأنت شيخ عجوز.

وهناك حقوق الجار على جاره، فلا يتعاظم عليه أو يؤذيه، بل ينبغي أن يحترمه ويكرمه ويساعده اِذا كان محتاجا، وقد كان عبد الله بن المبارك رحمه الله، يمر بأولاد جاره اليهودي ولديه من المشتريات كالفواكه وغيرها، فيعطي شيئا منها لجاره اليهودي الفقير، فأسلم بعد ما قذف الله عز وجل الإيمان في قلبه، وقد يقلق الجار راحة جيرانه ببعض التصرفات، كما يحدث في مجتمعنا بمناسبة الأفراح والحفلات الليلية التي يتأذى من  هرجها ومرجها الكبار  والصغار والمرضى، دون شعور أومسؤولية عما ينتهك من حقوق الغير، التي سيحاسب فاعلها يوم لقاء الله عز وجل.

- حقوق الإنسان العامة : أما حقوق الإنسان العامة، فتتجلى  في كثير من الأمور منها : حقه في  التمتع بموارد الوطن و منتجاته، من مياه ومعادن ومزروعات وطاقة وخيرات البحر… فضلا عن التجول في المدن والقرى والشواطئ والأسواق وغيرها، آملا في ألا يرى من المناظر في هذا الشاطئ أو ذاك المصطاف ما تنتهك به حرمات الدين والأخلاق، ولكن مع الأسف قد يحدث ما لم يكن يتمناه، ويحسبه بعض الناس أمرا عاديا، وقد استغرب أحد  العلماء من جنوب إفريقيا، كان قد زار المغرب ورأى فيه ما رأى، وحين سئل عن الأشياء  التي لم تعجبه في هذا البلد، قال أستغرب من أمرين اثنين في هذا البلد المسلم، كثرة المتبرجات من نسائه، وغلق أبواب مساجده بعد الصلاة. كما أن للإنسان الحق في الجلوس في الحدائق العامة وفي المقاهي، ما لم يكن ذلك ضارا بالمارة أو فيه اختلاط بين النساء والرجال، وله الحق في ولوج بعض  المؤسسات  العامة كالمستشفيات والمساجد والجامعات ودور البريد وغيرها من الدوائر الحكومية، لقضاء مآربه، قال الله تعالى:{ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون}(النور : 29). فالمراد بالبيوت هنا، الإدارات والمؤسسات العمومية على رأي أغلب المفسرين. والمراد بالمتاع، الأغراض والحاجات التي يراد تحقيقها، وهناك حقوق للعلماء تتمثل في احترامهم وتقديرهم والعمل بأقوالهم، والسير على نهجهم وسلوكهم، كما أن  للناس حقوقا  عليهم، في أن  يبينوا لهم الحلال والحرام والصالح والضار، وأن يفتوهم بما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في الدين، متى سئلوا عن ذلك، وقد كان العلماء في بلادنا على عهد قريب، يلقون الدروس في بعض المساجد والأضرحة عقب صلاة العصر وبين العشاءين، من أجل تفقيه الناس في أمور دينهم ودنياهم، وبما يهذب النفوس ويحسن العلاقات فيما بينهم، مراعين في فتاولهم الزمان والمكان والحالة الاجتماعية والنفسية لكل سائل، كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، ومن أمثلة ذلك، أن رجلا جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وسأله عن القبلة في رمضان، فقال :(لا مانع من ذلك) ثم جاء آخر وسأله نفس  السِؤال، فقال له صلى الله عليه وسلم : (لا يجوز ذلك) والخلاف في  الجوابين، يرجع إلى أن السائل الأول كان رجلا شيخا كبير  السن، فرخص له في ذلك، لأنه لا خوف عليه من إفساد صيامه لشيخوخته، بينما السائل الثاني كان شابا  قويا، فمنعه من ذلك خوفا عليه من أن يفسد صومه.

كما جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وسأله هل للقاتل  من  توبة؟ فأمعن النظر  فيه ثم  قال له : لا توبة للقاتل، ولما انصرف  الرجل، قالوا له، كنت تقول لنا يا شيخ بأن للقاتل توبة، فقال :نعم، صحيح للقاتل توبة، ولكن السائل نظرت إليه فرأيت علامة الغضب على وجهه، وعلمت أنه جاء ليأخذ الرخصة فيقتل مومنا ثم يتوب، ولهذا أجبته بعدم التوبة من القاتل. هكذا كان علماؤنا يفتون الناس بفتاوى تنير  لهم الطريق المستقيم، وتبعدهم عن الوقوع في  المشاكل التي نعاني  منها الآن، من قتل وسرقة واغتصاب…فكان دورهم في إصلاح المجتمع ناجحا وفعالا إلى أبعد الحدود.

- احترام حقوق الناس : إن من الواجب على من يديرون مؤسسات الوطن ويشرفون على إنجاز مصالح الناس أن يكونوا في مستوى المسؤولية، وألا تميل  نفوسهم إلى  الطمع في ما ليس لهم حق فيه، فيدفعهم ذلك الطمع إلى قبول ما يسمونه بالهدية أو هي في الحقيقة رشوة حرمها الله و رسوله صلى الله عليه وسلم، والتي قال عنها عليه  الصلاة والسلام : ((لعن الله الراشي والمرتشي والرائش)) أي الوسيط بينهما، وهذه الصفة المنبوذة شرعا وقانونا.تضر بالمسلمين و تعطل مصالحهم، وتكون أحيانا سببا في جعل الحق في غير موضعه، وقد ظهرت  لأول مرة في مجتمع المسلمين على يد  المغيرة بن شعبة الذي أعطى درهما لبواب عثمان رضي الله عنه، كي يسمح له بالدخول عليه. فالرشوة داء خطير، ومرض لا دواء له إلا التقوى والخوف من الله ومحاسبة النفس، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتزينوا للعرض الأكبر” {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}(الحاقة :17). الحديث  أخرجه أبو نعيم في الحلية . ولا ننسى الخلق الحسن الذي هو أساس الخير والفضيلة بين الناس، وهو صفة حسنة  وعطاء مبارك يكرم به الله من شاء من عباده. يقول ابن عباس رضي الله عنهما : في ثلاث خصال : “ما نزل غيث بأرض إلا حمدت الله وسررت بذلك، وليس لي فيها شاة ولا بعير، ولا سمعت بقاض عادل إلا دعوت الله له، وليس عنده لي قضية، ولا عرفت آية من كتاب الله، إلا  وددت أن الناس يعرفون منها ما أعرف”. وقد سئل الفيلسوف أرسطو عن صفة الرجل المثالي، فقال : الرجل المثالي هوالذي يفرح بالأعمال التي يؤديها للآخرين، فالذي يحب الخير للناس ويعمل على احترام حقوقهم، ينال رضى الله ورضى رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أخل بالأمانة التي كلف بها فهوآثم، لا يقل خطورة عمن قتل أوسرق أوزنى… لذا فلا ينبغي إعفاؤه من العقاب الدنيوي، قال تعالى :{ولكم في القصاص حياة يا أولي الالباب لعلكم تتقون}(البقرة :178). وفي ذلك زجر وتخويف لمن يخافون الناس ولا يخافون الله، قال تعالى :{يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله}(النساء : 107).

حقوق الإنسان في الغرب

هذا عن حقوق الإنسان في  الإسلام، أما عن حقوقه في منظور الغرب فهو مختلف، رغم وجود الكثير من المنظمات والجمعيات الحقوقية، التي تطالب بحق الإنسان في الأمن والشغل والعقيدة وغيرها، إلا أن ممارسة هذه الحقوق يبقى معطلا بشكل كبير مع الأقلية المسلمة وغير المسلمة التي هاجرت إلى بلدانهم، حيث يمارس عليهم الضغط بقوانين وتشريعات تحرمهم من بعض الحقوق ولو كانوا من الجيل الثاني أوالثالث، هذه هي قوانينهم، وهذا هو لب حقوق الإنسان عندهم، يسمحون لأنفسهم بما يريدون ولو على حساب غيرهم، ويحرمون غيرهم من حقوقهم متى كان ذلك يصب في مصلحتهم، ولو أدى الحال إلى إهانة غيرهم وتدنيس كرامتهم، فاعتداء سلمان رشدي مثلا، على مقدسات المسلمين والرسوم الكاريكاتورية المهينة لشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمزيق المصحف الكريم على يد الجنود وغيرهم في أكثر من مكان، بدعوى حرية التعبير وحرية الرأي، وهي في الحقيقة إعطاء الرخصة للاعتداء على كرامة الغير وإهانة مقدساته، كل ذلك في نظرهم لا يساوي شيئا لكن حينما قام شخص مسلم برمي الصليب عبر النافذة إلى خارج القاعة، اعتبروه مجرما وخارجا عن القانون، وحكم عليه من طرف إحدى المحاكم الإيطالية بثمانية أشهر سجنا نافذة!!

ذ. محمد الصباغ

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>