حوار مع  الدكتور  هيثم الخياط  كبير مستشاري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية 1


في موضوع تدريس العلوم المادية باللغة العربية الواقع والآفاق

 

محمد هيثم بن أحمد حمدي الخياط :

-  كبير مستشاري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط

- عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

- عضو مجلس أمناء المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية

- رئيس تحرير المجلة الصحية لشرق المتوسط

- مقرر مشروع المعجم الطبي الموحد

- عضو في أغلبية مجامع اللغة العربية؛ وفي أكثر من 20 جمعية علمية في مختلف أنحاء العالم منها أكاديمية نيويورك للعلوم والمجمع العلمي الهندي.

- ولد الدكتور محمد هيثم الخياط في دمشق بسوريا عام 1937،

درس العلوم الشرعية على مشايخ دمشق، وتبحر في علوم اللغة العربية، ودرس العلوم الطبية في كلية الطب في جامعة دمشق وحصل منها على درجة الدكتوراه في الطب، وله شواهد علمية عديدة.

- أصدر حتى الآن 20 كتابًا باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، ومنها بعض المعاجم،

-  نشرت له عشرات المقالات بلغات عديدة وفي مختلف المجالات.

-  كتب كتبًا في الطب والصحة والكيمياء وعلم النبات واللغة العربية والأخلاق الإسلامية.

- شارك في تأليف المناهج والمقررات الطبية لجامعتي دمشق وحلب.

> بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه.

نحن في ضيافة عالم جليل وشخصية بارزة في محراب العلم، ومجاهد مستميت في الدفاع عن هوية الأمة المسلمة ودينها ولغتها العربية، لغة القرآن ولسان أهل الجنة، نحن في ضيافة هذا العلم البارز لنتحدث معه في قضايا تهم تدريس العلوم المادية باللغة العربية وخاصة الطبية منها،

فضيلة الدكتور هيثم الخياط شكر الله لكم هذه الاستضافة الكريمة، ونسأل الله سبحانه و تعالى أن يجعلها في ميزان حسناتكم.

> أستاذنا الكريم وأنتم تعملون في مجال تصحيح أوضاع ما فسد من أمور التعليم بالدول العربية، ومن بين الأمور التي فسدت تدريس العلوم المادية باللغات الأجنبية الفرنسية أو الإنجليزية في البلاد العربية. كيف تنظرون لهذا الواقع؟

>> ياسيدي أولا  اللغة القومية هي لغة التبيين، إذا أراد الإنسان أن يبين محتويات ومفاهيم موضوع من الموضوعات، فينبغي أن يلقنها باللغة القومية. هذا ما قاله ربنا عز وجل: {وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم}(ابراهيم : 5) فالتبيين لا يكون إلا بلغة القوم، ولذلك فنحن حينما نستعمل لغة غير اللغة القومية فنحن نحط من شأن هذا البيان ونقلل من هذا التبيين قليلا أو كثيرا، بحسب إجادة الطالب أو المستمع أو المتلقي لهذه اللغة. لكن يبقى أن اللغة القومية لا تقارن بها أي لغة في حال التبيين. فنحن إذا أردنا من هذه العلوم المادية التي تتحدثون عنها،إذا أردنا أن يجيدها ويتقنها المتلقي لها، فإنه علينا أن نلقنه إياها  باللغة القومية. هذه خلاصة نظري، مع الأسف هذا الشيء غير حاصل في البلدان العربية، قد يكون من أسبابه العادة التي جرت منذ القديم واستسهال الأمور القائمة، وقد يكون من أسبابه الخشية من أن تستعيد هذه اللغة مكانتها التي كانت لها في القرون الوسطى المزدهرة، كانت قرون مزدهرة وليست مظلمة كما كانت بالغرب. فيخشى كثير من الناس أن تعود لها المكانة التي كانت لها. وبطبيعة الحال هناك كثيرون يريدوننا ألا نتلقى هذه المعلومات كما ينبغي أن تتلقى. أنا لست دائما مع نظرية المؤامرة و لكن هناك أشياء لا يمكن أن تفسر إلا بهذا التفسير.

> هم يقولون بأن لغة المنتج لهذه العلوم هي الأصلح لتدريس هذه العلوم بماذا تردون؟

>> وقد كانت اللغة العربية هي المنتج خلال عشرة قرون، فما الذي حصل؟ طبيعة المنتج طبعا. هذا أمر مهم، و ينبغي أن نتحول إلى منتجين، أولا نهضم المعلومات الحاضرة ثم بعد ذلك نستطيع أن ننطلق منها إلى منتج جديد.

في مجال الطب نعرف في التاريخ أن رواد هذا الميدان هم مسلمون وعرب، وكان يدرس باللغة العربية، وفيه مؤلفات باللغة العربية.

> الإنسان إذا مرض في هذا الزمان و اشترى دواء أو تحدث مع طبيب فإنه لا يفهم مرضه، لأن الطبيب  يخاطبه بلغة لا يعرفها، وإذا قرأ الورقة التي تصاحب الدواء، يقرؤها بلغة غير لغته ولا يعرف الدواء الذي يتناوله، وقد يكون ممن لا يتقنون اللغات الأخرى كيف ترون هذه الأمر؟

>> صدقت هذا من أهم دواعي التعليم باللغة العربية، لأن الطبيب الذي يتخرج من كلية الطب. أولا سوف يخاطب مريضه من أجل أن يعرف مرضه  ومن أجل أن يشخصه، ثم من أجل أن يعالجه، من أجل هذه الأمور كلها سوف يتحدث بلغة هذا المريض شئنا أم أبينا والمريض لن يفهم عليه إذا تحدث بلغة أخرى  كما تفضلت. الأمر الآخر إذا ذهب إلى القضاء مثلا ليكتب تقريرا طبيا شرعيا، القضاء لا يقبل منه تقريرا بلغة أجنبية، إذا أراد أن يستفسر من مريض مصاب بمرض نفسي، هل يستطيع أن يصل إلى أعماق نفس هذا الإنسان بلغة أجنبية؟ محال. هذه الأمور وحدها تكفي لتملي علينا ضرورة التعليم باللغة العربية بأي شكل من الأشكال ومهما كان الثمن. من أجل ذلك أدعو و كثيرون منا يدعون في عالمنا العربي بفضل الله إلى ضرورة تعليم العلوم جميعها والطب بصفة خاصة باللغة العربية، وهذا أمر ممكن، والذين يقولون أن الأساتذة سوف يصعب عليهم ذلك ينطلقون من رهاب كبير، فهل يعقل أن إنسانا لا يستطيع أن يتحدث عن موضوع بلغته الأم مهما كان هذا الموضوع، و في أي موضع وفي أي موقع؟ محال إن كان لا يستطيع أن يتحدث بلغته الأم عنه، فمن باب أولى أن لا يستطيع أن يتحدث باللغة الخالة، عطفا على قضية الأم، هذا وهم وكما قلت نوع من الرهبة المرضية، الناس يظنون ذلك، فلنطلب من أستاذ من كلية الطب أن يتحدث إلى مجموعة من الناس خطبة جمعة مثلا، يتحدث فيها عن مضار المرض الفلاني، أو الخمر، أو ماشابه ذلك أو يدعو فيها إلى تطعيم الأطفال…بأي لغة سيخطب الجمعة؟ اللغة العربية…هل يستطيع أم لا؟ يستطيع، والناس سيفهمون أم لا يفهمون؟ سيفهمون، فالقضية قضية وهم فقط، وهذا الوهم يحتاج إلى العزم و التوكل على الله.

> هناك أحجوجة يحتجون بها دائما وهي قضية المصطلحات فهل عجزت العربية عن ولادة المصطلحات؟ أوليست بحرا في أحشائها الدر كامن؟ وهل سألتم الغواص عن صدفاتها؟

>> المصطلحات لم تقف حجر عثرة إطلاقا في سبيل الحديث باللغة الأم، والمصطلحات أصلا لا تؤلف على أحسن الظروف 15  في المائة من الكلام، أما الباقي فهو الكلام العادي المألوف، فليتحدثوا بذلك و ليستعملوا المصطلحات …أما الباقي لماذا نتحدث بلغة أخرى. ثم إن هذه المصطلحات أصلا في تاريخنا العربي القديم حينما نقلوا العلوم أيضا من الآخرين، وحين ابتكروا هذه العلوم لم تقف حجر عثرة، كانوا إذا وجدوا مقابلا للمصطلح باللغة العربية،استعملوه مباشرة، وإن لم يجدوه استعملوا المصطلح الأجنبي حقبة من الزمن حتى يجدوا لها المقابل المناسب ثم استعملوه. في البداية ابن سينا مثلا تحدث عن شريان الجسم الأعظم باسم الأورطة، عربها بالأورطة، ثم بعد ذلك جاء بعضهم من قبل علي ابن العباس فوجد مثلا كلمة أبهر تصلح لهذا، فاستعمل الأبهر و تركوا الأورطة، وانتهى الموضوع. إذن القضية ليست عقبة، ولتبقى الكلمة الأجنبية يا سيدي، ثم بعد ذلك يعني بكل تواضع نحن الآن في لجنة توحيد المصطلحات الطبية العربية، وفي البرنامج العربي لمنظمة الصحة العالمية، أصدرنا الطبعة الأخيرة من المعجم الطبي الموحد التي تشتمل على 150 ألف مصطلح في العلوم الطبية و الصحية. طيب أكثر من ذلك ماذا يريدون؟ 150 ألف مصطلح هذه لغة بكاملها.وهي متاحة بطبعة ورقية ومتاحة أيضا بطبعة إليكترونية يستطيع الإنسان أن يستعملها كما يشاء.

المصطلحات لم تكن ولن تكون حجر عثرة في وجه التعليم العلمي و الطبي باللغة العربية، وكما قلت يمكن أن يبدأ بالمصطلحات الأجنبية كلها كما هي، و يتحدث المدرس أو المتحدث باللغة العربية، ويستعمل هذه المصطلحات، بعد ذلك لدينا الآن كما قلت 150 ألف مصطلح متاح لهذه المصطلحات الفنية إن صح التعبير، والترجمة  في هذا المعجم الموحد متاحة باللغات بالإضافة إلى اللغة العربية الإنجليزية، الفـرنسية، الألمانية والإسبانية، وستلحقها إن شاء الله بعض اللغات الأخرى بحيث لا تبقى حجة لدى أحد أن المصطلحات غير متاحة.

> ألا يمكن أن نسمي هذه العقبة التي يراها البعض عقبة كأداء أمام تعريب العلوم انهزاما أو قابلية لفكر المستعمر؟

>> نعم قد يكون هذا. هذه النفسية المريضة الموجودة لدى كثير من الناس،هذه تتجلى بأشكال مختلفة.المستعمر وجد من أجل أن يستعمر، وهو من مصلحته أن يقوم بشتى الوسائل ليغري بهذا الاستعمار، فلسنا نضع اللوم عليه، اللوم نضعه على أنفسنا، نحن الذين لدينا القابلية للاستعمار كما كان يقول أخي مالك ابن نبي رحمة الله عليه في نظرية من أروع النظريات  في اعتقادي في تاريخ الأمم. هل توجد هناك قابلية للاستعمار أم لا توجد. إن كانت لا توجد فلن تنجح أي محاولة من محاولات الاستعمار، أما إن لم توجد فلو لم يأت الاستعمار بقده وقضيضه ورجاله، فإن الإنسان يعيش بنفسية المستعمر ووضعية المستعمر وانهزامية المستعمر، طبعا من الأمور الأساسية وجب أن نعالج أنفسا وأن نعتز بما لدينا وأن نشعر بأننا نحن الذين قدمنا لهذا العالم هذه الثروات العظيمة، وأنه لولا علومنا ولولا القرون العشر المزدهرة التي مرت بنا، لم يكن العالم ليصل إلى هذا المستوى الذي وصل إليه، نحن ساهمنا في هذه الحضارة الإنسانية، وكما يسمونها اليوم العولمة، هذه نحن ساهمنا فيها بعولمتنا، ونجد في كل ملمح من ملامحها لمسة من لمساتنا نحن لا نعادي هذه الحضارة، على العكس هي من أولادنا، لكن نحن نريد أن نهذب هذه الذرية لكي تصبح  صالحة للعودة إلى المجد الذي كانت عليه إن شاء الله تعالى.

> ألا ترون أستاذنا الكريم أننا بحاجة إلى قدوة في هذا المجال؟       

>> أنا أريد أن أتحدث عن هذا الميدان الذي ذكرناه ابتداء، وهو مثلا ميدان كلية الطب، هناك كليات تعلم الطب باللغة العربية في وقتنا الحاضر، في الكليات السورية جميعا، وهنالك كليتان بالسودان تعلم باللغة العربية، والقضية لا تحتاج إلا إلى عزم، ولاسيما الآن بعد توافر هذه المصطلحات. هناك تجربة رائدة في هذا الموضوع في أواخر القرن الماضي، قام بها أخونا الكريم الدكتور أحمد دياب في جامعة سفاقص، فقد قرر أن يدرس باللغة العربية، اتخذ القرار ولا يستطيع أحد أن يقف في وجهه وكل أستاذ الآن في الجامعات العربية يستطيع أن يفعل ذلك، لأن القوانين والدساتير جميعا تنص على أن اللغة العربية هي لغة التدريس وأنه يجوز استثناء التدريس بغيرها، الاستثناء هو التدريس بغيرها، كل القوانين موجودة فهو قال: القانون معي وقال إن اللغة العربية هي لغة الدولة و لغة الأمة، وقانون الجامعات يقول: إن لغة التعليم هي اللغة العربية إلا في حالات استثنائية، هو قرر أن يستغني عن هذا الاستثناء و بدأ بتعليم أصعب العلوم في الطب وهو التشريح سنة و سنتين كانت من أنجح ما يكون، وأنا تشرفت بزيارته أكثر من مرة وكنت مرة في صحبة الأستاذ  الدكتور حسين الجزائري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، شهدنا هذه التجربة التي كانت ناجحة بمعنى الكلمة. لكن لم يلبث الذين لا يريدون ذلك أن أوجدوا من العوائق والعراقيل ما جعل هذه التجربة تجهض في بواكيرها… لكن القصد أن هذا ممكن والرجل أثبت ذلك، وهو موجود و يمكن الرجوع إليه وسؤاله عن ذلك.وقد كانت بالفعل تجربة مثارا للإعجاب وما زالت حتى الآن في نظري مثارا للإعجاب ويمكن أن تتكرر بكل بساطة وبكل هدوء، كل أستاذ يريد أن يدرس باللغة العربية، لن يحتج عليه أحد أن يدرس باللغة العربية. الطلبة سيفهمون أكثر ولذلك لو اعترضوا في أول درس لن يعترضوا في الدرس الثاني، والآخرون فالحجة موجودة، نقول لهم عدلوا القانون لنستمع إليكم. أما القانون فيقول الآن اللغة العربية هي لغة التدريس، وأنا منسجم مع هذا القانون والاستثناء لا نريده بكل بساطة.

الآن المصطلحات متاحة وقد قام البرنامج العربي لمنظمة الصحة العالمية ببعض الواجب في هذا المجال، فوفر حتى الآن ترجمة وألف عددا من الكتب الجامعية المرجعية، ساهم فيها عدد من الأساتذة  في مختلف كليات الطب العربية وترجم عددا آخر كبيرا من الكتب المرجعية العالمية، هذه متاحة الآن باللغة العربية في منظمة الصحة  العالمية، والمنظمة مستعدة لتزويد من شاء بها.

> إذن، القضية قضية إرادة، وهذا النموذج بدأ، والقانون معه، فما المانع إذن؟ هل هناك بعض الأيادي التي لا تريد لهذا الأمر أن يتم؟

>> يا سيدي هذه الأيادي تحاول و نعذرها في محاولاتها لأنها استسلمت للهزيمة، ولكن ما عذرنا نحن؟ كل إنسان من واجبه أن يحاول… أرجو الله سبحانه و تعالى أن تنجح هذه الفكرة الطامحة التي شهدتها بكلية الطب بفاس في شهر أبريل 2011، والتي تطمح إن شاء الله إلى أن تكون هي الرائدة في بلداننا العربية، وذلك بالانتقال بها في هذا القرن الحادي و العشرين إلى التعليم باللغة العربية، وهناك محاولات…تبقى فاس إن شاء الله هي العاصمة العلمية للملكة المغربية، بل والعاصمة العلمية للعالم العربي كله.

شكرا و جزاكم الله خيرا نسأل الله سبحانه و تعالى أن يجمعنا بكم في فرصة لاحقة بحوله وقوته.

حاوره: عبد الحميد الرازي


اترك رداً على هيثم العطار إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

One thought on “حوار مع  الدكتور  هيثم الخياط  كبير مستشاري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية

  • هيثم العطار

    رحم الله العلامة الدكتور هيثم الخياط ونعزي اللغة العربية لفقدها ابنها البار
    نتسابق للاسف لتعليم اولادنا غير لغتهم الأم ونفتخر انهم يتقنوها !!! لم يعد يحتاج الاستعمار الى حشد جيشه ليحتل اي بلد عربي فنحن اليوم افضل وكلاء للمستعمر يستعمارنا لأولادنا ولكامل تاريخنا .