أوراق شاهدة – في لحظة  شرود عن المنبع


في هذا الوقت العصيب بأهله لا لذاته وصفاته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((قال الله عز وجل:   يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار)).

في هذا الوقت المنفلت زمام الأنفس المكالة إلى اليأس والقنوط من رحمة الله وقد أحرقتها المظالم قبلا، حد تعذيب الأجساد بالنار، في الساحات العامة.

في هذا الوقت المقفل القلوب حيث عوضت النساء التدبر في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار بالتدبر، وبالساعات في مآسي وأفراح وأحزان وبدايات ونهايات المسلسلات التركية والبرازيلية والمكسيكية، حد سماعنا لانتحارات في أقطار مسلمة ياحسرة من تحت رأس مسلسل “العشق الممنوع” وطلاق بالجملة في أقطار مسلمة أخرى حسرة على زرقة فاتنة لا توجد إلا في عيني البطل التركي مهند.

في هذا الوقت المجلل بالانتصارات الباهرة للاعب الكرة “ميسي” خلفا لخالد بن الوليد رضي الله عنه وزمنه “غير المأسوف عليه” حد تمدد المقاهي إلى أقاصي القرى النائية المهمشة وتربع الشاشات العملاقة بين الشاشة والشاشة  والشاشات،لأجل عيون فريق البارصا الإسباني… بل حد سؤال معلمة رياضة مغربية لتلاميذها (من منطلق تشبعها بالمنهج الديمقراطي التشاركي) أن يختاروا اللباس الرياضي الذي يناسبهم وعند التصويت على البدلة الرياضية المجمع عليها، لم تكن القميص الوطني ياضيعة الوطن في مؤطرين لاغيرة وطنية لهم، رياضة، فما بالك بقضايا الأمة الكبرى، أقول وعند التصويت هتفت الحناجر الصغيرة بعنفوان :

“البارصا حتى الموت”.. فماذا بعد هذا الضلال والاحتلال الأصغر إلا الاحتلال الأكبر؟!

وفي هذا الوقت المبني للمجهول المعلوم حيث يعبث قلم وممحاة عملاقين في الخرائط العربية الإسلامية لإسقاط الرؤساء على الملوك على الأحزاب على الشعوب، وتثبيت حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام عوض الدمى العجوزة المنتهيةالصلاحية، وما من عداوة إلا من بعد محبة.

في هذا الوقت الممنوع من الصرف إلى التوحيد، حيث تسقط الصوامع والإقامات والأبراج، ولا يعلق الحجام ولا المهندسون ولا المتربصون بالرمال لسرقتها بالليل والنهار، بل يعلق الموحدون الغافلون ويودعون المعتقلات باسم الوقاية الحداثية خير من العلاج الرباني.

في هذا الوقت المهرول إلى نهاية التاريخ والجغرافية، حيث يدفن الفاتحون الموحدون للطوائف والعصبيات تحت راية الإسلام  في قلب كتب يقال عنها قدحا بأنها صفراء كناية عن ذهاب ريحها وأفول زمنها، ويينع فاتحون جدد، قلبهم مع الديمقراطية، وأسلحة دمارهم الشامل عليها لتحقيق الدمار الأشمل، وتجزيء مجزء المجزء المجتزىء تجزيئا لا تراه العين المجردة وإن كان كحلها عربي الهوية خالص الصنعة، وإن كانت العيني عينا زرقاء اليمامة.

في هذا الوقت المهرول إلى نهاية السياسة بما كانت تعنيه من فروسية الدهاء المغلف بالكياسة، وانبثاق سياسة الخساسة والنخاسة، حيث تعني السياسة : أنا أو لا أحد..حيث تعني السياسة :  حفر الحفر وإقامة الخوازيق، ونصب المصائد، مصيدة تلو مصيدة..فلا صداقة في الأفق وإن عابرة، ولا عيش ولا ملح إلا في الضحكات الصفراء المرتبة  ومحاضرات الواجهة.

في هذا الوقت الذي نستعين في نعت تقلب أهله بالقول المغربي المأثور

(الملحة دودات) ونضيف من عندنا و(البوصلة توضرات)، فلا الطرق تؤدي إلى روما و لا أهل مكة ظلوا على درايتهم بشعابها، وقد سكنت الغيلان الشيعية شرقها وانقلبت الحور العين من ربات الخدور فيها، على الشرعية الذكورية في شغل عربة القيادة، لا عملا بمبدأ التكامل والكفاءة بل تنزيلا للمساواة الميكانيكية المستوردة.

وفي هذا الوقت الهجين بأهله حيث الثورات مسخت، ونبل الهبات شوه إذ يحرق ويسحل فيها الصغار والغلابى ويتربع على جثتهم كبار الصغار من صغار الكبار بباريس وواشنطن وروما  ولندن وتل أبيب، وحيث تقوم وتنفرط التحالفات والمعارضات ومعارضات المعارضات باسم الشعوب ضد نبض الشعوب خدمة لنبض الجيوب ومآرب أخرى.

في هذا الوقت الذي غطت فيه كل البقاع، عيون كاميرات الهاتف المحمول وانبطحت فاضحة بالفايسبوك والتويتر واليوتوب خافت الخفي من الأسرار، وماتخفي تجاويف التجاويف الخلفية للصدور .. وارتفع عاليا فوق كل الشعارات الرسمية التي أدركها البوار،  شعار: (حرفة الفايسبوك لا يغلبوك)، وأدرك العوام وحم الكلام وراجت تجارة الرويبضات وأدرك الصادقين وحم الصيام.

في هذا الوقت الذي ماعاد فيه الشعر ولا النثر يقضي حاجة ولا يجبر خاطرا كما في الزمن الجميل، وسرت صرخة المتنبي تطوي الدهور

السيف أصدق أنباء من الكتب

في حده الحد بين الجد واللعب

لتنبعث في الدروب، تعيد المجد للسيف، وأي مجد والسيوف بين الإخوة والجيران في الأزقة وعيانا وبالنهار الفاضح، صارت مسألة وجود، فأن تمتلك سيفا فأنت موجود. ولعبة المسايفة بين المستضعفين أسالت الدماء في غير جغرافيتها، وسيوف لفلسطين عزت وبغمدها صدئت.

فمن قال يوما : أنا وأخي وابن عمي على الغريب، والغريب استوطن النسغ، وسف العروق، وأصبح في لحظة تيه وشرود عن المنبع المنقذ والمداويا في العراق وليبيا وغدا بسوريا واللائحة لازالت مفتوحة.

هو المنبع المضيع إذن.. منه البداية وإليه المنتهى، فكيف الطريق إلى معالم الطريق؟؟؟؟

ذة. فوزية حجبي

al.abira@hotmail.com

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>