كلمات بليغة في التأبين والتعزية
أبّنت الخنساء أخاها، فقالت: لقد كان كريم الجدين، واضح الخدين، يأكل ما وجد، ولا يسأل عما فقد.
عزى رجل فتى عن أبيه فلم يجده كما أحب، فقال: يا بني، سوء الخلف أضر علينا من فقد السلف.
عزى محمد بن الوليد بن عتبة عمر بن عبد العزيز بابنه عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين لو أن امرءً تركت تعزيته لعلمه وتيقظه لكنته، ولكن الله قضى أن الذكرى تنفع المؤمنين.
عزى رجل الرشيد، فقال: آجرك الله على الباقي، ومتعك بالفاني. فقال: ويحك ما تقول? وظن أنه غلط، فتلا: ما عندكم ينفد وما عند الله باق.
> ربيع الأبرار للزمخشري
وقفة لغوية
<الرشد : رجل راشد ورشيد وفيه رُشد ورَشد ورشاد، وقد رشد يرشد، واسترشدته فأرشدني. وأخذ في سبيل الرشاد. وهو يمشي على الطريق الأسدّ الأرشد. وتقول للمسافر: راشداً مهدياً، ولمن يقول أريد أن أفعل كذا: رشدت ورشد أمرك. ولا يعمى عليك الرشد إذا أصاب وجه الأمر. وهو يهدي إلى المراشد.
<الرش : رشّ عليه الماء. ورش البيت، ومكان مرشوش. ورشت السماء وأرشّت. وأصابنا رش من مطر. وترشش عليه الماء، وأصابه رشاش منه. ورش الحائك النسج بالمرشة. وأرشت الطعنة، وطعنة مرشة، ولها رشاش من الدم. وأرشّ فرسه إرشاشاً: عرّقه بالركض.
> أساس البلاغة للزمخشري
أقــوال حكيمة
جزعك في مصيبة صديقك أحسن من صبرك، وصبرك في مصيبتك أحسن من جزعك.
كل مصيبة لم يذهب فرح ثوابها حزنها فهي المصيبة العظمى.
دخل عمرو بن العاص على معاوية في مرضه، فقال: أعائداً جئت أم شامتاً؟ فقال عمرو: لم تقول هذا؟ فوالله ما كلفتني رهقاً، ولا أصعدتني زلقاً، ولا جرعتني علقاً، فلم استثقل حياتك? ولم استبطئ وفاتك؟ فقال معاوية:
فهل من خالد إما هلكـنـا
وهل بالموت يا للناس عار
> ربيع الأبرار للزمخشري
“أما بعد” وما جاء فيها
قال الصولي: حدثنا زياد بن الخليل، قال: حدثنا إبراهيم بن …عن أبي سلمة، قال: “أول من قال أما بعد كعب بن لؤي. وكان أول من سمى الجمعة وكانت تسمى العروبة”.
ويروى أن أول من قال: أما بعد، داود النبي عليه السلام وأن ذلك فصل الخطاب، الذي قال الله عز وجل: “وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب”.
وقال الشعبي: فصل الخطاب الذي أعطيه داود عليه السلام: أما بعد. فمعنى فصل الخطاب، على هذا، أنه إنما يكون بعد حمد الله، أو بعد الدعاء، أو بعد قولهم: من فلان إلى فلان، فينفصل بها بين الخطاب المتقدم وبين الخطاب الذي يجيء بعد. ولا تقع إلا ما ذكرناه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب إلى بني أسد: “بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى بني أسد. سلام عليكم، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو. أما بعد فلا تقرين مياه طي ولا أرضهم فإنه لا يحل لكم”.
فإذا كتب كاتب: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد كان كذا وكذا، فمعناه: أما بعد قولنا بسم الله، فقد كان كذا وكذا وأنه قد كان. فإنها لا تقع إلا بعد ما ذكرناه.
ولابد من مجيء الفاء بعد أما لأن أما لا عمل لها إلا اقتضاء الفاء واكتسابها، فإن الفاء تصل بعض الكلام ببعض، وصلاً لا انفصال بينه ولا مهلة فيه. ولما كانت أما فاصلة، أتيت بالفاء لترد الكلام على أوله. وليست تدل الفاء على تأخير متقدم، ولا تقديم مؤخر، ولا يستوي معناهما فيها ولا معها.
> أدب الكتاب لأبي بكر الصولي
عهد أبي بكر في آخر حياته لعمر رضي الله عنهما
وعهد عند موته فكتب: هذا ما عهد أبو بكر خليفة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده بالدنيا، وأول عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر، ويتقي فيها الفاجر. إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن برّ وعدل فذاك علمي به، ورأيي فيه، وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب من الإثم،وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
ومن أقواله بعهد هذا العهد رضي الله عنه
روي عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: دخلت عليه (أي على أبي بكر) في علته التي مات فيها، فقلت: أراك بارئاً يا خليفة رسول الله. فقال: أما إني على ذلك لشديد الوجع، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي، إني وليت أموركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه. والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير، ولتألمن النوم على الصوف الأذربي ما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان. والذي نفسي بيده لأن يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حق خير له من أن يخوض غمرات الدنيا.
فقلت: خفّض عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا يهيضك إلى ما بك، فوالله ما زلت صالحاً مصلحاً لا تأسى على شيء فاتك من أمر الدنيا، ولقد تخليت بالأمر وحدك فما رأيت إلا خيراً.
> نثر الدر للآبي
أشـقـى النـاس بـأمـوالـهـم البخــلاء
قال الحسن البصري: لم أر أشقى بماله من البخيل، لأنه في الدنيا يهتم بجمعه، وفي الآخرة يحاسب على منعه، غير آمن في الدنيا من همه، ولا ناج في الآخرة من إثمه، عيشه في الدنيا عيش الفقراء، وحسابه في الآخرة حساب الأغنياء.
ودخل رحمه الله على عبد الله بن الأهتم يعوده في مرضه، فرآه يصعد بصره ويصوبه إلى صندوق في بيته، ثم التفت إليه، فقال: يا أبا سعيد، ما تقول في مائة ألف دينار في هذا الصندوق لم أؤد منها زكاةً ولم أصل بها رحماً؟ فقال له: ثكلتك أمك! ولم كنت تجمعها؟ قال لروعة الزمان، وجفوة السلطان، وتكاثر العشيرة. ثم مات، فشهده الحسن، فلما فرغ من دفنه، ضرب بيده على القبر، ثم قال: انظروا إلى هذا، أتاه شيطانه فخوفه روعة زمانه، وجفوة سلطانه، بما استودعه الله إياه، وعمره فيه. انظروا إليه كيف خرج مذموما مدحورا! ثم التفت إلى وارثه، فقال: أيها الوارث لاتخدعن كما خدع صويحبك بالأمس، أتاك هذا المال حلالا، فلا يكونن عليك وبالا، أتاك عفوا صفوا، ممن كان له جموعا منوعا، من باطل جمعه، ومن حق منعه، قطع فيه لجج البحار، ومفاوز القفار، ولم تكدح لك فيه عينٌ ولم يعرق لك فيه جبين، إن يوم القيامة يوم ذو حسرات، وإن من أعظم الحسرات غدا، أن ترى مالك في ميزان غيرك، فيالها حسرة لا تقال، وتوبة لا تنال.
> نهاية الأرب للنويري
أقوال في العلم والعمل
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: مررت بحجر بمكة مكتوب عليه: اقلبني تعتبر. فقلبته فإذا عليه مكتوب أنت بما تعلم لا تعمل، فكيف تطلب علم ما لم تعلم؟
وقال رحمه الله: لقد أعربنا في كلامنا فلم نلحن ولحنا في أعمالنا فلم نعرب.
وقال ابن السماك رحمه الله: كم من مذكر بالله ناس لله! وكم من مخوف بالله جريء على الله: وكم من مقرب إلى الله بعيد من الله! وكم من داع إلى الله فار من الله! وكم من تال كتاب الله منسلخ عن آيات الله!
وقال الأوزاعي رحمه الله: إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع.
وروى مكحول عن عبد الرحمن بن غنم أنه قال: حدثني عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا، كنا ندرس العلم في مسجد قباء إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “تعلموا ما شئتم أن تعلموا فلن يأجركم الله حتى تعملوا”.
وقال عيسى عليه السلام: مثل الذي يتعلم العلم ولا يعمل به كمثل امرأة زنت في السر فحملت، فظهر حملها فافتضحت، فكذلك من لا يعمل بعلمه يفضحه الله تعالى يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.
وقال معاذ رحمه الله: احذروا زلة العالم لأن قدره عند الخلق عظيم فيتبعونه على زلته.
وقال عمر رضي الله عنه : إذا زل العالِم زل بزلته عالَم من الخلق.
وقال رضي الله عنه: ثلاث بهن ينهدم الزمان إحداهن زلة العالم.
وقال ابن مسعود: سيأتي على الناس زمان تملح فيه عذوبة القلوب، فلا ينتفع بالعلم يومئذ عالمه ولا متعلمه، فتكون قلوب علمائهم مثل السباخ من ذوات الملح، ينزل عليها قطر السماء فلا يوجد لها عذوبة، وذلك إذا مالت قلوب العلماء إلى حب الدنيا وإيثارها على الآخرة، فعند ذلك يسلبها الله تعالى ينابيع الحكمة، ويطفىء مصابيح الهدى من قلوبهم، فيخبرك عالمهم حين تلقاه أنه يخشى الله بلسانه، والفجور ظاهر في عمله. فما أخصب الألسن يومئذ وما أجدب القلوب! فوا الله الذي لا إله إلا هو ما ذلك إلا لأن المعلمين علموا لغير الله تعالى والمتعلمين تعلموا لغير الله تعالى.
وفي التوراة والإنجيل مكتوب: لا تطلبوا علم ما لم تعلموا حتى تعملوا بما علمتم.
وقال حذيفة رضي الله عنه : إنكم في زمان من ترك فيه عشر ما يعلم هلك، وسيأتي زمان من عمل فيه بعشر ما يعلم نجا وذلك لكثرة البطالين. واعلم أن مثل العالم مثل القاضي، وقد قال صلى الله عليه وسلم “القضاة ثلاثة: قاض قضى بالحق، وهو يعلم، فذلك في الجنة. وقاض قضى بالجور، وهو يعلم أو لا يعلم، فهو في النار. وقاض قضى بغير ما أمر الله به فهو في النار”.
وقال كعب رحمه الله: يكون في آخر الزمان علماء يزهدون الناس في الدنيا ولا يزهدون، ويخوفون الناس ولا يخافون، وينهون عن غشيان الولاة ويأتونهم، ويؤثرون الدنيا على الآخرة يأكلون بألسنتهم، يقربون الأغنياء دون الفقراء، يتغايرون على العلم كما تتغاير النساء على الرجال؛ يغضب أحدهم على جليسه إذا جالس غيره، أولئك الجبارون أعداء الرحمن.
وقال صلى الله عليه وسلم “إن الشيطان ربما يسوفكم بالعلم، فقيل: يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: “يقول اطلب العلم ولا تعمل حتى تعلم، فلا يزال للعلم قائلاً وللعمل مسوفاً حتى يموت وما عمل”.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: “ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم الخشية” وقال الحسن: تعلموا ما شئتم أن تعلموا فوالله لا يأجركم الله حتى تعملوا فإن السفهاء همتهم الرواية والعلماء همتهم الرعاية.
وقال مالك رحمه الله: إن طلب العلم لحسن وإن نشره لحسن إذا صحت فيه النية ولكن انظر ما يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فلا تؤثرن عليه شيئاً. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: أُنزل القرآن ليعمل به فاتخذتم دراسته عملاً، وسيأتي قوم يثقفونه مثل القناة ليسوا بخياركم ،والعالم الذي لا يعمل كالمريض الذي يصف الدواء، وكالجائع الذي يصف لذائذ الأطعمة ولا يجدها. وفي مثله قوله تعالى “ولكم الويل مما تصفون” وفي الخبر “إنما أخاف على أمتي زلة عالم وجدال منافق في القرآن”
> إحياء علوم الدين الغزالي
د.عبدالرحيم الرحموني