أوراق شاهدة – أولئك الذين يطيلون أمد استقواء الزبد


في تحليله لموجة الإعصار الذي يرج منطقة العالم العربي ويغرقها بالهبات والاحتجاجات، قال عالم الاجتماع الفرنسي “إدغار موران” في تحليله لهذه الموجة بجريدة لوموند الفرنسية، إن هذه الموجة مدينة  للأفكار الديمقراطية التي ظهرت في أوربا ولكنها في المقابل ليست مدينة للديمقراطيات الغربية. وهو الربط التعسفي الذي دأبت المركزيات الثقافية الغربية على حشره في كل خلاصاتها حول أي حراك عربي كيفما كانت مواصفاته، ليظل الإنسان العربي مرتهنا لهذا الغرب إزاء أية محاولة يقوم بها لاسترجاع آدميته وهويته الضاربة الجذور في عمق التاريخ، وقبل أن ينجز الغرب قفزته الحضارية المشبوهة.

وبصيغة أخرى فانتفاضات الشعوب العربية حسب موران هي نتيجة طبيعية للتشبع بالفكر الديمقراطي الذي تمخض عن الصراعات الغربية ضد الإقطاع وتجلياته الاستبدادية، وكأن كل الذين يحرقون أنفسهم في الساحات العامة ببلاد العرب حتى لحظة كتابة هذه السطور من مرارة “الحكرة”  شربوا القهوة مع جان جاك روسو أو فولتير أو ميرابو، من رموز الثورة الفرنسية على سبيل الذكر.

من جهة أخرى، يلاحظ المتتبع لمجريات الأحداث على مستوى العالم العربي في طبعتها الجديدة الحافلة بالانتفاضات أن هناك صمتا مريبا يكتنف طبيعة هذه الثورات على المستوى الديني، حتى من لدن الحركة الإسلامية التي لا تكاد إلا في إشارات مبهمة، تعرض إلى أمر الله في هذه الثورات، وهي الثورات التي تحتكم في حركتها وسكونها إلى كتاب الله عز وجل الشامل لما كان وسيكون حتى تقوم الساعة.

عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((ستكون فتن، قلت : وما المخرج منها؟ قال : كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم)).

وتاريخ الأمم البائدة المذكورة في القرآن الكريم يفصل في سقوط هذه الأمم  ودواعيه وطريق النجاة منه. فكيف يضمر الخطاب الديني في هذا المجال.،ولا تنظم ندوات ولقاءات وطنية ودولية وحشد لأهل الدعوة ورموز وقادة الشأن الديني لبيان إعجاز كتاب الله عز وجل في حراك الحضارات بعرض الدليل والبرهان من كتاب الله وسنة نبيه، مع التأكيد على البعد الأخلاقي الديني الغائب في سياسة الحكام وحتى المحكومين فيما بينهم، مما يعجل بنزول قضاء الله التقويمي كما عرفته الأمم السابقة. قال تعالى: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم} وعلى سبيل الذكر مرة أخرى، نجد مفكرا وداعية كحفيدالزعيم الإسلامي حسن البنا، طارق رمضان ينفي عن هذه الثورات مسحتها الإسلامية في أكثريتها المنتفضة، المحتضنة لكل الحساسيات، لينضاف هذا التحرج من إرجاع  حراك الثورات العربية إلى الأمر الرباني وإلى النبض والنفخة الربانية الرافضة بالفطرة للظلم والجور،  إلى الهرج الغربي المذعور من احتمال انجلاء هذا الإعصار العربي عن الربيع الإسلامي المرتقب، ويشكلان بالتالي رفقة الضجيج العلماني جدارا عازلا في مواجهة المولود الإسلامي الذي تتشكل ملامحه ضافرة برحم الدماء والأشلاء والمعاناة، ومن داخل مختبر التصفية قبل التحلية.

وإذا كانت الحركة الإسلامية، تبدي غير قليل من الحرص والكياسة في عدم تبنيها لهذا الإعصار، تجنبا لموجة العداء العلماني المتربصة من الداخل لنبض الجماهير العربية ونداء جذورها، وخوفا على هذه الهبات من تشويه مطالبها وتعريضها للتدخل الغربي المتحفز للانقضاض على الأمة العربية في كل لحظة خاصة حين يتعلق الأمر (بالبعبع الإسلامي)، فإن هذه الكياسة وهذا الاحتشام في  تبني هذه الهبات ولد على مستوى العالم العربي كما هائلا من الاحتشاد العلماني، أطلت معه رؤوس فتنة جد خطيرة على مستوى أفكارها وبرامجها وقاعدة انطلاقها.

وأكثر من أي وقت مضى تطالعنا على مستوى الكثير من المواقع الإلكترونية كتابات لمفكرين عرب تجاوزت جرعة الاجتراء على الثوابت الإسلامية إلى الغزل الصريح  التكسبي لود الغرب بل ودعوته بكل وضوح إلى التدخل لإنهاء الإمبريالية الإسلامية واستنقاذ العباد من الهجمة الثانية للمسلمين بعد هجمتهم الأولى مع نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم هكذا يتحدثون عن المصطفى رضي الله عنه.

وماتناقلته وكالات الأنباء العالمية عن تسريبات ويكيليكس حول جملة اتصالات لناشطين أمازيغيين بدوائر القرار الأمريكية لدفعها إلى التدخل في الشأن المغربي منعا للهيمنة العربية، متذرعين بفرية بلهاء مفادها أن أغلبية الأمازيغ الذين يدينون بدين الإسلام إنما هم يفعلون ذلك جبرا وقهرا لا قناعة وعقيدة راسخة، لمما يبعث على القلق إذ بإشهار هذه الفزاعات الوهمية التي يكذبها تاريخ تشبث الأمازيغ بالدين الإسلامي، يضعون البلاد والعباد في وضعية هشاشة خطيرة النتائج ولا يمكن التكهن بمآلاتها إلا على ضوء مايحدث في ليبيا على سبيل المثال حيث يلعب الفيلسوف الفرنسي برنارد هنري ليفي المعروف بنزعته الصهيونية وعدائه الصريح للإسلام دور الوسيط بين الثوار وحلف الناتو لإحكام القبضة على الثورة وإجهاض نفسها الإسلامي الصريح.

ولأن الشيء بالشيء يذكر ففي الأيام القليلة الماضية عرض موقع يوتوب مرافعة  لإحدى ناشطات حركة 20 فبراير اتسمت بقوة اللهجة والأسلوب الفرنسي المتقن أمام جمهور من المثقفين الغربيين ضد أحد  الحقوقيين المغاربة، وقد انتزعت المتدخلة بهذه المرافعة الإعجاب والتصفيق الحاد للحاضرين الغربيين. وإذا عرف السبب بطل العجب، فقد اجترأت هذه السيدة على الخالق سبحانه برفضها لمدونة أسرة لا تمنحها المساواة في الإرث والحق لبنات جنسها في التمتع بأمومة بلا زواج ودون حسيب.وأعلنت على الهواء مباشرة إلحادها، وأتمت مرافعتها بسباب واضح صفيق،فادح الجرأة في الوقاحة موجه لملك البلاد  معتبرة إياه نسخة من الرئيس التونسي بنعلي..

وقبلها وفي سياق استهوان المقدسات، جرجر سفلة آخرون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتبروهم جملة مخمورين ودمويين وحسيين، وما يحصل من اجتراء واستقواء  بأعداء الأمة هو بلا شك مجرد زبد سيذهب جفاء لكن الزبد قد يطول زمن علوه إذا كان التيار الجارف للصادقين ضعيفا يكاد يشابه الزبد في تهافته إن لم يكن هو الآخر زبدا؟؟.

ودعوني في النهاية أسوق هذا الخبر المختزل للسلوكات ” الزبدية ” من أرض الكنانة والذي يقول أن مئات من الشباب المصري دشنوا حملة على صفحات المواقع الاجتماعية من أجل التبول على الجدار الجديد للسفارة الإسرائيلية بالقاهرة.

ألم يجد شباب الأرض المباركة مصر وهم الفرسان الشجعان في إسقاط سفاح غزة مبارك إلا البول لإشاعة القذارة في بلاد الأحرار، بلادهم، في حين تمضي إسرائيل في مشاريعها الصهيونية الناجعة، والجدية  لتدمير العالم العربي بالواضح والمرموز، وهي تدلي لسانها لهم بل لنا جميعا وتقول لنا كما جاء في المثل المغربي (ماهم الذئب ضراط النعجة).

أليست هذه العبثية هي التي تطيل أمد استقواء الزبد؟؟

> ذة. فوزية حجبي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>