حـلاق فـي الـمسـجـد..!


هل أتى على الأمة حين من الدهر كان أبناؤها يولون الصلاة كل ما لها من حق، كانوا إذا سمعوا النداء تنكروا لكل شيء سوى الله عز وجل، كانوا يكبرون الله تعالى في قلوبهم حتى يصغر ما سواه، وكان أحدهم في عمله إذا سمع النداء وضع ما بيديه دون أن يُتم ما كان فيه من شغل، ودون تردد، أسوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تحكي أمنا عائشة رضي الله عنها : ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه، ويلاعبنا ونلاعبه فإذا حضرت الصلاة، كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه))، هكذا كان صلى الله عليه وسلم وهكذا كان أصحابه من بعده والتابعون لهم بإحسان، ولقد كانوا كذلك لأنهم علموا علم يقين أن أرزاقهم في السماء لا يأخذها غيرهم فاطمأنت قلوبهم {وفي السماء رزقكم وما توعدون. فورب السماء والارض  إنه لحق مثلما أنكم تنطقون}.

ودارت الأيام واستولت الدنيا على القلوب وشغل الناس بتجاراتهم وأعمالهم حتى أُفْرِغَت المساجد من عمارها، وقل روادها، واشتكت إلى ربها قلة زوارها،

ولكن… للبيت رب يحميه، والله بالغ أمره. وسيبلغ دين الله ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل، وإن الزمان قد استدار كهيأته يوم كان المسلمون يهتمون بالصلاة وبعمارة المساجد وأصبحنا نرى من يترك تجارته وعمله وأولاده ملبيا داعي الله : حي على الصلاة!حي على الفلاح!

والنموذج اليوم : حلاق علق على الواجهة الزجاجية للمحل لافتة صغيرة مكتوب عليها عبارة : ((في المسجد)) لتدل على أن الأمة بخير وأن عودتها إلى منهاج النبوة قريبة إن شاء الله تعالى.

قد يقول قائل  : ما الجديد في الأمر؟ فكثيرون هم الذين يعلقون هذه العبارة على أبواب المحلات، وكثيرون هم الذين يهرعون إلى الصلاة حال سماع الأذان.

ولكن الجديد هو ما شاهدته في باب الحلاق وقد أغلق بابه متوجهاً إلى ربه راجيا ما عنده مخلفاً الدنيا وراءه، قاصداً المسجد لأداء صلاة المغرب، وفي الوقت الذي اشتغل كثير من الحلاقين بدنياهم، افترشت امرأة الأرض في باب الحلاق  ومعها ولداها، ظننتها وأنا في طريقي إلى المسجد متسولة. ولكن عند عودتي علمت أن في جيبها رزق الحلاق، فقد كانت تنتظره حتى يعود من المسجد ليحلق لولديها… فمن الذي جعلها تفترش الأرض؟ ومن الذي جعلها تنتظر حوالي نصف ساعة؟ ومن الذي منعها من التوجه إلى حلاق آخر؟ إنه الله، إنه الرزاق {وفي السماء رزقكم وما توعدون}.

عبد الحميد الرازي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>