ألم قلم – وارحم مَنْ علّمَنا


عبارة يرددها المغاربة في العديد من أدعيتهم أو كانوا يردّدونها، وخاصة في دعاء ختم القرآن… ذلك الدعاء الذي كان يُرفع بشكل جماعي، إيمانا من حفظة القرآن الكريم والتالين له (من التلاوة) والقارئين له بدور مُعَلم القرآن ومكانته في الذاكرة المغربية..

ذلك الدعاء الذي يترجم قيمة خلقية عالية، كان يتحلى بها المغاربة؛ وتتجلى في تقدير المعلّم، أي معلم، لما له من دور في نشر التعليم، بدءاً من محاربة الأمية، وانتهاءً بتخريج أجيال من المتعلمين المتقفين الذين يخدُمون وطنهم وأمتهم في المستقبل.

ولقد أتى حين من الدهر على المغاربة، وخاصة بعد فترة الاستقلال، كان للمعلم فيه مكانة عالية، ليس من الناحية المادية، ولكن من الناحية المعنوية، وهذا هو الأهم، لأنه لا قيمة للمال إن كانت الكرامة مهضومة، ولعل ما يحكيه أبناء جيل الاستقلال عنالمعلم في تلك الفترة، من القصص الطريفة عن شخصية المعلم ومكانته لدى عامة الناس، بل حتى عند السلطات ربما يُعد حاليا من ضرب الخيال، ولا عجب في ذلك فإن ما قدمه المعلم من خدمات للمجتمع المغربي، تجعل الشخص يردد بحق وبصدق وبإخلاص مع الشاعر قوله المشهور :

قم للمعلم وفه التبجيلا             كادَ المعلم أن يكون رسولا

لكن أين نحن من هذه المكانة التي كان يترجمها ذلك الدعاء المشهور؟

لقد انقلبت كل القيم، وأصبح المعلّم ليس مهمشاً فقط، ولكنه مستهدف من جميع الجوانب وبكل الوسائل، لو تتبعنا ما يتعرض له المعلمون من اعتداءات معنوية تنال من كرامتهم وشرفهم سبّا وشتما وقذفا لوجدنا اللائحة طويلة، طويلة أطول من أن تحصر.

ولو تتبعنا ما يتعرض له المعلم من اعتداءات مادية، في جسمه أو ممتلكاته. هنا وهناك، لوجدنا أن الحالات عديدة. وبعضها يندى لها الجبين.

لقد كانت مهنة التعليم، إلى عهد قريب، أشرف مهنة وأرفعها مكانة، على الأقل في نظرة المعلّم إلى نفسه، لكنها ربما أصبحت الآن من أصعب المهن وأكثرها خطورة، من حيث المهمات الجسام الملقاة على عاتق المعلم من جهات متعددة : من قِبَل الجهات المسؤولة، بما تنتجه وتصدره من برامج وأنظمة إصلاحية واستعجالية وغير ذلك. ومن قِبل آباء التلاميذ وأولياء أمورهم حيث ينبغي أن يكون في المستوى وفق تصورهم  لا وفق التصور الذي ينبغي أن يكون. ثم من قِبل التلاميذ والطلبة أنفسهم الذين يتطلب وضعهم تقديم كل ما يلزم وينبغي من خدمات تعليمية وتربوية، حتى يؤمّن لهم مستقبلهم الدراسي، ثم قبل ذلك وبعده، تلك المسؤولية الداخلية التي يشعر بها كل معلم مخلص، ذلك الوازع الذي يدفعه إلى أن يعمل كل ما في وسعه، مضحيا بكامل وقته وجهده وطاقته، من أجل أن يكون في مستوى طموح تلامذته.

صحيح أن هناك شرائح من المعلمين لم تعد تحمل تلك الصفات النبيلة التي كان يتحلى بهامعلم أيام زمان، ولكن الاستثناء لا ينبغي أن يُعكّر صفو القاعدة، فالمعلم هو هو، ولا بد أن يتحرك ضميره إن وجد قاعدة وبيئة تؤمن بفحوى الدعاء ((وارحم من علمنا)).

وحينما أقول المعلم، فإني أقصد المفهوم الذي حُصر فيه اللفظ، حيث أصبح قاصراً على الذي يزاول التدريس في المحلة الابتدائية، ولكن أقصد كل من يزاول مهنة التعليم في أي قطاع وفي أي مستوى، هو معنى بفحوى هذا الدعاء ((وارحم من علمنا)) كما أني لا أقصد الذكور دون الإناث.

فاللهم ارحمنا وارحم والدينا وارحم من علمنا، وارحم من سبقنا بالإيمان، وارحم بفضلك جميع المسلمين والمسلمات، يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.

د. عبد الرحيم بلحاج

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>