لا خوف بعد اليوم !!


شعار رفعه التونسيون والمصريون بعد الإطاحة بمن يظنون أنهما كانا مصدرا لكل خوف، فقد عشش الرعب والخوف وسيطر على وجدان الشعبين عقودا من الزمن، أذيقت فيها الشعوب العربية صنوف العذاب وألوانه، وما أن أكلت الثورة الشبابية منسأة الزعيمين المخلوعين حتى هتف المكلومون والمرعوبون والمطاردون: “لا خوف بعد اليوم”، بل إن التونسيين أنتجوا فيلما تحت عنوان: “لا خوف بعد اليوم”  ظنا منهم أن مصنع الخوف قد تهدم مع سقوط (النظام).

صحيح لا خوف بعد اليوم من الرئيس المخلوع.  لكن أليس الخوف نعمة تمنح للذين أنعم الله عليهم، ويحرمها المغضوب عليهم والضالون والمتسلطون والجبابرة؟

أليس الخوف مطية المسارعين في الخيرات؟

أليس رأس الحكمة مخافة الله؟

بلى ورب الكعبة المشرفة، فما أوتينا إلا من غياب الخوف أو قلته، وما ظلمت الشعوب وقهرت إلا بغياب الوجل وندرته،

تصوروا معي لو أن فرعون مصر اقتدى بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين قال رضي الله عنه : ((والله لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يحاسبني الله عليها يوم القيامة)) هل كان يجرؤ على نهب المليارات وتهريبها إلى بلاد عمه سام؟

وتخيلوا معي لو أن ابن علي وضع نصب عينيه قول الله عز وجل: {أرايت الذي ينهى عبدا اذا صلى…} هل كان ليتجرأ على بيوت الله ويسعى في خرابها بمنع المصلين من ارتيادها والحيلولة دون ذكر الله فيها ؟!!!

وفي المقابل لو أن الشعوب التزمت خوف الله عز وجل لما ارتاد (المسلمون) الحانات والخمارات، ولما أكل السحت واستفحلت الرشوة…

إن غياب الخوف من الله عند البعض حكاما ومحكومين قد يكون سببا في البلاء الحاصل في البلاد العربية، بل هو السبب الحقيقي على قاعدة: ” أنهلك وفينا الصالحون” قال: “نعم إذا كثر الخبث” وهو الحاصل الآن كما حصل من قبل،  حيث أنْعَم الله على كثيرٍ من الأُمَم بنِعْمَة الأمن، لكنهم لما كَفَرُوا بنعمة الله، وأعْرَضُوا عن شرع الله عاقَبَهُم سبحانه، فبَدَّلَ أمنهم خوفًا؛ يقول عز وجل: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَاتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}(النحل: 112).

إن نجاح الثورتين المصرية والتونسية نعمة من الله وجب أن تقابل بالطاعة المطلقة لمالك الملك إذ لولاه لما قامت ثورة ولما سقط نظام.

وأول طاعة هي استبدال الخوف من المخلوقين بالخوف من الله تعالى واستحضار رقابته، لأن الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه، ودعا عباده بذلك إلى خشيته وتقواه والمسارعة إلى امتثال ما يأمر به ويحبه ويرضاه، واجتناب ما يكرهه ويأباه، ومن تأمل سير الصالحين، وما كانوا عليه من الخوف والخشية، وجد أن ذلك هو الذي أوصلهم إلى تلك الأحوال الشريفة والمقامات السنية، من شدة الاجتهاد في الطاعات والتنزه عن المكروهات فضلاً عن المحرمات.

ولقد ذكر الله تعالى ما يدل على عظم شأن الخوف،  وكلما زاد خوف العبد من ربه زاد عمله، وقل عُجْبه، وقلت معصيته، وكلما قلَّ خوف العبد من ربه، نقص عمله وزاد عجبه وكثرت معصيته.

{وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}

وقال صلى الله عليه وسلم: ((من خاف  أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة))،وقال أبو سليمان الداراني: (أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عز وجل وكل قلب ليس فيه خوف فهو قلب خرب)

عبد الحميد الرازي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>