ترددت كثيرا قبل أن اكتب هذه الكلمة لأنه في تقديري، أن القلم والكتابة قد لا تفي بإنصاف هذا الرجل العظيم المرحوم عبد اللطيف الحجامي، لكن لما حضرت إلى الاحتفاء التكريمي الذي أقيم للمرحوم يوم السبت 26 مارس 2011 في مدينة الرباط، من طرف الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين، واستمعت إلى شهادات في حق المرحوم من طرف أصدقائه وأساتذة أجلاء وأفراد من عائلته، قررت أن اكتب هذه الكلمة وأنا على يقين أن العظماء الذين يخلدون أسماءهم في التاريخ بالنضال والدفاع عن الحق وعن مجد الأمة وأصالتها ابتغاء وجه الله، لا تنصفهم الكلمات مهما وصلت بلاغتها،وإنما تنصفهم رحمة الله عندما توضع في ميزان حسناتهم وتثقل موازينهم، وأما الكلمات فتنفعنا نحن محبيهم وتنفع ذويهم لتهون حرارة الفراق وتخفف من مصيبة الموت.
تعرفت على المرحوم عبد اللطيف الحجامي منذ سنة 1992، وهي السنة التي طرقت فيها باب الإدارة بعد سنوات الدراسات الجامعية، وكنت محظوظا حيث اشتغلت إلى جانبه وهو على راس الإدارة العامة كمدير عام لوكالة التخفيض من الكثافة وإنقاذ مدينة فاس.
وقد كان المرحوم يحب العمل ويتقنه ويتفانى فيه لأنه يعتبره عبادة يتقرب بها إلى الله، وكان وقت العمل عنده لا ينتهي بانتهاء التوقيت الإداري المعمول به، بل وفي كثير من الأحيان كانت كل مكونات الإدارة تشتغل بصفة مسترسلة حتى منتصف الليل و الهدف هو انجاز العمل المطلوب بتفان وإتقان، وكانت للمرحوم طاقة وصبر في العمل خارقة يصعب علينا في كثير من الأحيان مجاراته، ولا زلت أذكر إحدى مواقفه معي في المناظرة الدولية للمدن المصنفة تراثا عالميا التي شاركت الوكالة في تنظيمها إلى جانب المجموعة الحضرية لمدينة فاس آنذاك سنة 1993، حيث استمرت المناظرة ثلاث أيام، جندت لها الوكالة كل طاقاتها لإنجاحها، وفي اليوم الأخير وبعد الانتهاء من أشغال الندوة، كانت للمرحوم ندوة صحفية فاحتاج إلى من يساعد في إعدادها، فطلبني كثيرا لكنه لم يجدني، لاني كنت متعبا فذهبت لارتاح،كما انه لم يكن في علمي انعقاد هذه الندوة. وفي اليوم الموالي سألني عن غيابي، وأعطاني درسا في الجدية والعمل وقال لي إن سر نجاح الرجل هو إتقانه للعمل من أوله إلى آخر حلقة فيه.
والمرحوم المهندس عبد اللطيف الحجامي كان إلى جانب تخصصه في الهندسة المعمارية، رجل اقتصاد وعالم اجتماع ويتقن ثلاث لغات،العربية والفرنسية والانجليزية، فعندما يتكلم باللغة العربية عن الفن المعماري للمدن الأصيلة لن تتردد في أن تصفه بالخبير في شؤون اللغة العربية والمتضلع فيها.أما عندما يحاضر باللغة الفرنسية في ندوة وطنية أو دولية حول مشروع رد الاعتبار للنسيج التقليدي والمحافظةعليه، فهو يتكلم بلغة سليمة وسهلة وسلسة تؤدي المعنى وتبلغ الهدف، وأما اللغة الانجليزية فيتقنها جيدا، تجعل المستمع الأجنبي وغير الأجنبي ينصت إلى كلامه ويفهم معناه. ومع كل هذا الثراء في اللغة والمعرفة فهو يوظف في كلامه عن العمارة الإسلامية تقنيات الهندسة المعمارية وعلم الاقتصاد وعلم الاجتماع، فيكون لكلامه قوة وشدة تجعل المستمع إليه، يقتنع بكلامه حتى وإن كان يحمل مشروعا معارضا لمشروعه.
ومن ناحية أخرى فالمرحوم عبد اللطيف الحجامي، كان الابن الحنون والوفي لأبيه المرحوم الشريف سيدي احمد الحجامي، فطيلة حياتي لم أر ابنا بارا بوالده مثل المرحوم عبد الطيف الحجامي في بره بأبيه، حتى يخال للمرء أن ليس له شغل إلا أبيه، وهذه الشهادة قد لا تحتاج إلى حجة أو دليل، فكل من شاهده وهو يصاحب أبوه إلى المسجد، أو يعامله بلطف ورقة وحنان داخل المنزل، لن يتردد في أن يطلب الله أن يكونمثله ويفوز برضا والديه.
هذا الحنان والوفاء للمرحوم عبد اللطيف الحجامي امتد أيضا إلى كل العاملين في الوكالة فتجده يقف مع المريض فيواسيه ماديا ومعنويا ويساعد المحتاج للتغلب على مصاريف الزفاف آو العقيقة أو مصاريف أخرى، خاصة وأن جل العاملين بالوكالة كانوا من الشباب وفي بداية حياتهم المهنية والأسرية.
فبمشاعر المواساة والتعاطف الأخوية المخلصة، أسال الله تعالى أن يتغمد الفقيد العزيز عبد اللطيف الحجامي بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وينعم عليه بعفوه ورضوانه.
{إنا لله وإنا إليه راجعون}
عمر البداوي إطار بوكالة إ نقاذ فاس