فاس : المحافظة على مدينة


يا فاس! فيك اجتمعت كل محاسن الدنيا

كم هو عدد البركات والثروات التي تغدقينها على سكانك؟

التحدي وحده الذي سوف يختبر قدرات الإنسان وتخيلاته إلى أقصى حد

(أمادو -ماهترمبو)

فاس -المركز المغربي القديم للتعلم والفنون- هي اليوم محط أنظار عالمي كواحدة من أهم وأكثر المدن العتيقة التي تنصب عليها جهود حثيثة من أجل ترميمها والمحافظة عليها وفق برنامج طموح واجهت -في أحيان كثيرة- نقاشات حاة على اعتبار أن هناك مدناً أخرى غيرها تحتاج إلى نفس الاهتمام والعناية.

وعلى هذا الأساس فعملية ترميم مدينة فاس تُعد مفخرة محلية وهيبة وطنية واهتماماً كونيا في نفس الوقت.

فالمدينة تمثل أكثر من كونها متحفاً مهماً للمآثر التاريخية، ولكنها أيضا أكبر المدن المنتمية إلى القرون الوسطى والتي وجدت كاملة.

محافظة بذلك على المهارات الفنية التقليدية والمتجلية بوضوح ليومنا هذا في صناعة الجلود والملابس والخشب والمنتوجات الحديدية المُنتجة والمسوقة هناك.

وهي -إضافة إلى ذلك- تأوي مؤسسات ذات شهرة في تدريس علم اللاهوت الإسلامي والعربي. كما أنها مركز سياسي وواحدة من العواصم الملكية الخمسة عبر تاريخ الأسر المالكة في المغرب.

فاس تعني أشياء مختلفة لمختلف الناس، فهي بالنسبة للبعض مدينة جامع القرويين -ثاني أكبر جامع في شمال افريقيا ومجاور لأقدم جامعة في العالم.

أما بالنسبة لآخرين، فهي مركز لفنون الزخرفة وذات الشهرة العالمية في صناعة الجلد والحديد.

فاس تجعل زائريها يستحضرون صورة أخرى لجوهر مدينة أسطورية عربية حيث مآة المآذن لا زالت تشهد بصدق العاطفة الدينية للمدينة إضافة إلى عشرات البوابات العتيقة التي تقودك إلى الفنادق أو المدارس القديمة أو إلى رياضوقصور التجار.

كل هذا كان مهدداً بالاضمحلال والسقوط خلال هذا القرن تحت ضغط ارتفاع في عدد سكان المدينة إضافة إلى الإهمال.

وقد لاحظت (منظمة اليونسكو) ذلك مع البدايات المبكرة للثمانينيات، لاحظت أن فاس “في خطى فقدان أصالتها الضارية في عمق التاريخ والتي تجعل منها واحدة من أصفى الجواهر في العالم الإسلامي”.

فأشغال الترميم العشوائية مع تراجع المعايير وعوامل التعرية تسببت في تشويه العديد من أشهر بنايات المدينة.

عملية الترميم الجارية الآن تتضمن 43 مشروعا مختلفا لا تهدف إلى المحافظة على المآثر التاريخية فقط، وإنما تهدف أيضا إلى إحياء اقتصاد الجهة وتقوية البنية التحتية و تنمية المؤسسات بهدف ترسيخ وتثبيت الحياة الثقافية للمدينة.

فمستوى أشغال الترميم ضخم بجميع المعايير ويهدف بالأساس إلى الترميم الكامل وإعادة تصميم مدينة عدد سكانها 700.000 نسمة، ويقدر الغلاف المالي لهذه العملية لأكثر من 600 مليون دولار أمريكي. كما تحتاج العملية لمدة 20 سنة أخرى للانتهاء من جميع الأشغال.

في قلب كل هذه الأشغال هناك رجل قصير القامة في الأربعين من عمره، ذو ابتسامة سريعة ويتميز بروح السرعة وبعد النظر.

عبد اللطيف الحجامي -المدير العام لمشروع الترميم والمعروف رسميا بوكالة التخفيض من الكثافة السكانية وإعادة الاعتبار لمدينة فاس (ADER-FES). الحجامي مهندس معماري من أبناء مدينة فاس، شغل هذه الوظيفة منذ تأسيس الوكالة قبل 10 سنوات.

يعتمد الحجامي في عمله على إدارتين هامتين، واحدة توجد في بيت تاجر قديم توجد بالقرب من قصر الجامعي في فاس البالي. أما الثانية فهي عبارة عن فيلا خاصة بالمدينة الجديدة، يشتغل الحجامي عادة بمعدل 18 ساعة في اليوم. وكان يقول عن عمله : “لكي تعرف شيئا كهذا عليك أن تعايشه”. فالمهام التي كان يقوم بها تتجاوز مهام أي مهندس معماري آخر. فهو يدير طاقما مكونا من 160 عاملا وصانعاً تقليدي، إضافة إلى مهندس وثلاثة مهندسين معماريين وأركيولوجي ومتخصص في الجغرافية ورجل قانون، علاوة على مجموعة من التقنيين في الحاسوب والأرشيف.

مشروع الترميم استطاع تحديد 11 مدرسة عتيقة، 320 مسجد، 270 فندقاً، إضافة إلى أزيد من 200 حمام ومنزل أو أفران عمومية وكلها في حاجة إلى ترميم. إضافة إلى بعض البنايات ذات الشهرة العالمية : كجامع القرويين، والمدرسة البوعنانية، والساعة المائية، ونافورة النجارين، ومتحف النجارين بالإضافة إلى أماكن أخرى.

هناك مبان أخرى معروفة فقط لدى السكان المحليين والذين يشعرون بأنها تمثل مع ذلك مفتاحاً لجوانب الموروث الثقافي للمدينة.

“لقد حددنا جميع البنايات وليس فقط المآثر التاريخية” يقول الحجامي.

يعرف الحجامي وآخرون معه بأن المظاهر مهمة، فخلال القرن الماضي تعرضت العديد من المباني إلى التشويه بسبب زحف الحياة الحديثة -الأسلاك الكهربائية، الأضواء الكاشفة، إضافة إلى هوائيات التلفزيون. هذه الأشياء يتم إزالتها من واجهات الجدران ومن على السطوح المرممة  للحفاظ على شكلها الأصيل.

الأسلاك الكهربائية ينبغي أن توضع بشكل تجعل سكان المدينة العتيقة يتمتعون مع ذلك بالوسائل العصرية مع مراعاة النمو المستقبلي للمدينة بشكل جيد.

يقول خبير اليونسكو أمبو : “إن العملية لتمثل -بفعل سعة نطاقها- واحدة من أبرز التحديات التي ينبغي للإنسانية أن تقوم بها إن هي أرادت أن تحافظ وتنمي ميراثها الثقافي في وجه سرعة المدينة الحديثة والتصنيع”.

“إن هذا التحدي سوف يختبر جميع قدرات الإنسان وتخيلاته إلى أقصى حد’ يضيف الخبير أمبو.

“لقد استطعنا أن نطور استراتيجية من أجل تحديد المخاطر والآثار” يقول الحجامي.

ويضيف : “إن المرء لا يمكنه أن يبدأ مشروع ترميم كهذا دون الأخذ بعين الاعتبار البيئة العامة، إننا نشتغل على مدينة حية وفي نفس الوقت على معلمة تاريخية”.

أشغال الترميم بدأت بالفعل في العديد من أهم المواقع -كالمساجد والمدارس العتيقة في فاس البالي، بما في ذلك المدرسة البوعنانية، الساعة المائية وجامع القرويين وفندق النجارين، إضافة إلى مجموعة من المنازل الأثرية في طور الترميم والإصلاح باستعمال مواد وتصاميم عتيقة.

ووعيا منه بما قد تحدثه هذه الأشغال من انقسامات فالحجامي مصمم على المضي قدما بواجباته كمدير لمشروع الترميم وكواحد من أبناء فاس.

“هذه ليست فقط قضية ترميم مآثر تاريخية يقول الحجامي” وإنما هي أيضا عملية تهتم بتحسين ظروف حياة ساكنة مدينة فاس إنه مشروع اجتماعي ترميمي في نفس الوقت”.

> ترجمة : ذ. عبد القادر لوكيلي

جوش مارتن مستشار وصحفي مقيم في نيويورك، متخصص في التنمية الاقتصادية والثقافية في الشرق الأوسط

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>