حوار العدد: كبير مستشاري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية للشرق المتوسط الدكتور هيثم الخياط في حوار مع جريدة المحجة في قضايا اللغة العربية


محمد هيثم بن أحمد حمدي الخياط كبير مستشاري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو مجلس أمناء المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، ورئيس تحرير المجلة الصحية لشرق المتوسط، ومقرر مشروع المعجم الطبي الموحد. وهو عضو في أغلبية مجامع اللغة العربية؛ فهو عضو مجامع اللغة العربية في دمشق وبغداد وعمان والقاهرة. علاوة على ذلك فهو عضو في أكثر من 20 جمعية علمية في مختلف أنحاء العالم منها: أكاديمية نيويورك للعلوم والمجمع العلمي الهندي.

> نود أن تتحدث لنا عن واقع اللغة العربية حاليا؟

>> واقع اللغة العربية حاليا يختلف بين واقعها عند المتعلمين وغير المتعلمين. فأما غير المتعلمين فالأمر -بطبيعة الحال- مؤلم، وهنالك كثيرون ممن يودون أن يكونوا قادرين على التحدث باللغة العربية، ولكنهم لا يعرفون الطريقة الأمثل لذلك. وهناك كثير ممن يظنون أنهم يجيدون أو يتقنون اللغة العربية، ولكنهم في حقيقة الأمر غير ذلك. وكلاهما في ظني يسلكان الطريق غير الصحيح، لأن هذه اللغة الشريفة هي لغة سهلة بسيطة لو استطعنا أن نعلمها للناس على الطريقة المثلى.

ومن أجل ذلك -في اعتقادي- فإنه من الضروري أن نعيد النظر في أساليب ووسائل تعليم اللغة العربية، وأن نخفف عن المتعلمين -من الدراسة الابتدائية، بل ما قبلها- التعقيدات الكثيرة التي نطوق بها أعناق هؤلاء الصغار. وبعد ذلك هم سيستطيعون – بإذن الله- إتقان هذه اللغة والتحدث بها بشكل سليم.

فعلى سبيل المثال أنا أزعم دائما أن ما نعلمه نحن في مدارسنا هو فلسفة النحو، ولا نعلم النحو على سبيل المثال، كأحد مقومات اللغة العربية الأساسية. فالطالب الصغير لا يهمه أن يعرف من هو الفاعل ومن هو نائب الفاعل، وما هذه النون التي يسمونها نون الوقاية، وأن هناك كسرة مقدرة على… هذه كلها أشياء لا  تهمه وتعقد الأمر في وجهه و تجعله يستعصب هذه الأمور. وإنما القضية بالدرجة الأولى هي أن نعطيه بسائط  هذه اللغة بشكل منطقي ومعقول، ثم بعد ذلك نعوده على أن يتحدث باللغة العربية، من سماعه لمتحدثين باللغة العربية بشكل صحيح. وهذا طبعا يعتمد بالدرجة الأولى على أستاذه الذي ينبغي أن يجيد التحدث باللغة العربية الصحيحة. ثم على كل الوسائل الأخرى التي تساهم في تعليمه، ومن أبسطها مثلا في أجهزة الإذاعة المرئية، أفلام الأطفال التي يحبونها كثيرا. هذه عندما تنطق باللغة الفصيحة الصحيحة فإن الطفل سوف يتعلمها وينطق بها بشكل عفوي وطبيعي، ولا يوجد أي حرج في ذلك. أما حينما نلقنه دائما هذه الأشياء الثقيلة التي لا يستطيع ذهنه الصغير أن يتحملها، فأعتقد أن هذه  الأمور أولا ليست بذات فائدة، وثانيا هي تثقل عليه فتجعله يكره التحدث باللغة العربية أصلا، ولا يتحدث بها إلا على سبيل التفكه والتندر، وما شابه ذلك.

> إذن أنتم في تشخيصكم لواقع اللغة العربية، ترون أن المشكل هو مشكل مناهج التدريس، وتفضلون المناهج القائمة على التواصل الشفهي بدل المدرسة النحوية…

>> صحيح أن المدرسة النحوية لها فوائدها لكن ليس في المراحل الأولى لتعلم اللغة، وأنا لا أحط من قيمتها، ولكن  هذه المدرسة يصلح توظيف مبادئها في الدراسات العليا، دراسات ما بعد التخرج من الدراسة الجامعية، نعم هنا يمكن تدريس فلسفة النحو، ويبحث بها ويتعمق، وما شابه ذلك. إذن هذه يتعمق بها المختصون الذين يريدون مثل هذا التعمق، أما بالنسبة إلى الآخرين فلا داعي إلى ذلك. الأستاذ الدكتور محمد كامل حسين، وهو من كبار علماء العربية، و هو من كبار الجراحين أيضا في العالم، كان عضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة. له كتيب صغير بدأه بصفحات سماها “النحو المعقول”، ثم تحولت إلى كتاب سمي في ما أظن “اللغة العربية المعاصرة”، يبدأ الكلام بثلاثة أو أربع جمل بسيطة: المتحدث عنه مرفوع، وما بعد حرف الجر والمضاف مجرور، والباقي كله منصوب. هذه تكفي للطفل، إذا عرف من الذي نتحدث عنه: فلان، إذن هذا مرفوع، سواء كان هو الفاعل فنحن نتحدث عنه، أو نائب الفاعل فنحن نتحدث عنه،أو المبتدأ فنحن نتحدث عنه، أو الخبر… إذن المخبر عنه والخبر مرفوع، و انتهى الموضوع. أما ما يأتي بعد حرف الجر، وهو بسهولة سوف يتعلم حروف الجر والمضاف فهو مجرور والباقي كله منصوب، وصلى الله وبارك، وانتهى الموضوع كله من هذه الناحية. بدل أن نحاول أن نعطيه إياها على دروس متعددة و نعقد له الأمور، هذا شيء بسيط. وأنا مرة جربتها مع ابن لي حينما كان صغيرا، فذكرت له هذه القاعدة، فأخذ يتحدث بلغة سليمة دون أي حرج.

> ألا يعني هذا التركيز على العوامل الداخلية لضعف اللغة العربية نوعا من إغفال بعض العوامل الأخرى التي  يعتقد البعض أن لها دورا كبيرا في إضعاف اللغة العربية لدى ناشئتنا و لدى كبارنا أيضا، خاصة العوامل الثقافية والسياسية.

>> أنا لست من أنصار نظرية المؤامرة، ولا أريد أن ألقي اللوم على غيري إن كان الخطأ خطأي، ومن أجل ذلك أنا أحاول أن أصحح خطأي. فإن أدى ذلك إلى نتيجة جيدة فبها و نعمت، ولا أريد أن ألقي لوما على سواي. الأصل في الأشياء أن تتم بشكل طبيعي، ودون اللجوء إلى أي تعقيد ولا إلقاء التهم جزافا على الآخرين. نحن مقصرون في تعليم أبنائنا هذه اللغة، فلو استطعنا أن نعلمهم إياها بالطريقة البسيطة فسيتعلمونها، وسوف يتحدثون باللغة الفصيحة.

> الآن، أمام هذا الواقع أليس هناك جهود وتفكير في مختلف البلدان العربية والإسلامية، وخاصة في البلدان العربية لتطوير عملية تدريس اللغة، وتسهيل نقلها إلى الأجيال، و تجاوز هذا العائق الذي ذكرتم؟

>> أنا لا أعرف عن أي عمل جاد من هذا القبيل، و لكن كما ذكرت، الأسس موجودة متاحة، يحتاج الأمر إلى مبادرة، ثم العزم و التوكل على الله. وليس من الضروري أن ننتظر فلانا حتى يفعل ذلك و سأفعل مثله، فلأبدأ أنا بهذا الأمر، فلنبدأ بمدرسة من مدارسنا في هذه المدينة، ولنحاول أن نستعمل هذه الطريقة، وليبدأ أحد أساتذة اللغة العربية في استعمالها، فإذا نجحت تجربته فإن الآخرين -بالتأكيد- سوف يقلدونه ويتبعونه.وسيكون ذلك بمثابة فتح سندشن به مرحلة جديدة في تصحيح تعاملنا مع لغتنا.

> أنتم الآن ترون أن الجهود المبذولة على المستوى النظري في تيسير النحو العربي جهود كافية الآن؟

>> أنا في ظني لا علاقة لتيسير النحو العربي بهذا … النحو العربي ميسر، لكن التعقيد يأتي من أننا نريد أن نعلم الصغار ما يتعلمه خريجو الجامعة. أما النحو العربي فهو ميسر أصلا، هذه الخلاصة التي ذكرتها لك، وضعها الدكتور محمد كامل حسين هذه كافية. هذا هو النحو العربي، النحو العربي بسيط وسهل. لكن نحن نلقيه و نلقنه لأبنائنا وفي مدارسنا بطريقة تعسره، وتجعله من الصعب أن يتقبل، ويفهم ويستعمل بيسر في التخاطب بالنسبة لأطفالنا في مستويات ما دون الجامعة.

في الدراسات الأكاديمية على المستوى الجامعي على مستوى اللغة العربية، يرقى لدى الطلبة إلى أن يكون في المستوى المطلوب وهم يدرسون النحو-خاصة في  الكليات التي تدرس اللغة العربية، أما في الكليات الأخرى التي تدرس بغير اللغة العربية فمع الأسف،  لا ترقى -في  ظني- إلى المستوى المطلوب.

> والسبب؟..

>> السبب ربما يرجع إلى خطأ في المنهج، في الطريقة التي نلجأ إليها في التعامل مع  هذه النصوص أولا، و الطريقة التلقينية التي تقوم على أساس أن نحفر هذه الأمور حفرا في ذهن الطالب، في حين أنه من الأفضل أن نجعل، أن نضع النصوص الأصيلة التي كان يتعلم منها الإنسان، نضعه على تماس معها،ثم نترك له أن يتفاعل مع  هذه النصوص، ويحاول أن يستنبط منها بنفسه الطريقة التي يستطيع بها أن يقلد  هذه النصوص قليلا أو كثيرا ويحاكيها حتى يرقى إلى مستوى الإبداع.

> العمل الأهم الذي يجري في كثير من المجامع اللغوية العربية هل أدى دوره؟ما هو تقييمكم لهذا العمل؟

>> عمل المجامع لا يتطرق إلى تيسير النحو، عمل المجامع الآن بالدرجة الأولى يركز على وضع المصطلحات العلمية المقابلة للمصطلحات العلمية المقابلة التي تنهمر وتنهال علينا باللغات الأجنبية. بالإضافة إلى ذلك يتطرق إلى بعض الأمور الأخرى المتعلقة بالألفاظ و الأساليب المستعملة في اللغة العربية، ومحاولة تأثير بعض الأساليب التي نستعملها في صحافتنا و كتبنا أو ما شابه ذلك، يعني إيجاد أو بالأحرى إضفاء شرعية عليها، من حيث أنها من أصل عربي أو نجد لها مثيلا فيما قاله الأقدمون. هذا هو العمل الرئيسي للمجامع، فالمجامع لا تشتغل بقضايا تعليم اللغة أو ما شابه ذلك، طبعا من وظائفها الأساسية الحرص على أن تكون للغة العربية مكانتها التي تتبوؤها، على سبيل المثال :  في كثير من البلدان العربية إن لم نقل في جلها، أسماء الأماكن والمخازن والمحلات التجارية وبعض المؤسسات إلى ما غير ذلك تكتب باللغة الأجنبية، لماذا؟… حتى لو كتبت بالأحرف العربية فإن الكلمة التي تكتب بالحرف العربي هي في الأصل كلمة أجنبية، ما الداعي إلى ذلك؟ ولماذا لا نحاول أن نغير أمثال هذه الكلمات في تأثيرها على المتلقي العربي حينما يجد دائما أن كل شيء يعبر عنه بلغة أجنية أو بأحرف أجنبية، شيئا فشيئا يقتنع بأن اللغة العربية لا تصلح لمثل هذه الأمور. فنحن إذن بهذا الشكل نساهم فيإقناعه بأن اللغة العربية غير صالحة لهذا العصر، مع أن العكس هو الصحيح و اللغة العربية هي أصلح من سواه ولو استطعنا أن ندافع عن اللغة العربية كما ينبغي أن يدافع عنها ، ولو استطعنا خدمتها كما تجب الخدمة، لوجدنا الأمر مختلفا تماما. هذا من وظائف المجامع، وبعضها يقوم بها، أو يحاول القيام بها، وبعضها مقصر في هذا الدور.

> في سياق العولمة، وفي سياق تفاعل اللغات و تبعيتها للجهة الاقتصادية والسياسية يتنبأ  البعض مستقبلا أن تموت اللغة العربية  وتتعرض للانقراض في غضون المائة سنة أو أقل من ذلك .

>> من قال ذلك؟

> في تقرير الأمم المتحدة ..

>> أنا أعمل في الأمم المتحدة، ولا يوجد مثل هذا التقرير أبدا،

> في المؤتمر الأخير (مؤتمر جهود الأمة في خدمة القرآن الكريم وعلومه) ذكر أحد المحاضرين ذلك وتنبأ بأن اللغة العربية يمكن أن تموت في خلال ستين سنة إذا استمر الوضع  الحالي.

>> وليسكلامه صحيحا، لأن اللغة العربية من حيث سعتها وانتشارها هي اللغة الرابعة حاليا في العالم كله، بعد الصينية و الإنجليزية والإسبانية بل تأتي العربية مع الإسبانية في مرحلة واحدة، طبعا عندما نذكر الإسبانية نعني بها أمريكا اللاتينية بالدرجة الأولى. اللغة العربية حاليا من حيث عدد المتكلمين بها تأتي في المرتبة الرابعة، فكيف يمكن أن تنقرض لغة يتكلم بها ربع سكان العالم، هذا كلام لا يستند إلى أي أصل، حتى لو كان من جهة يقال إنها محترمة، وما أظن ذلك …هذا كلام غير معقول.

> كيف تنظرون إلى المستقبل بعد هذا التشخيص للواقع؟

>> هذه اللغة تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظها، فلا نخاف عليها، مادام الله سبحانه وتعالى قد تعهد بحفظ هذا الكتاب، وهذه اللغة هي لغة هذا الكتاب فهي محفوظة إلى يوم الدين. لكن نحن نقصر في هذا الواجب، وأننا سوف ندفع ثمن هذا التقصير في الدنيا و الآخرة، وأن علينا إن شئنا أن نتخلص من هذا الإثم الكبير، أن نحاول العمل على أن تعود اللغة العربية إلى مكانتها التي كانت لها. وكما ذكرت هناك أساليب سهلة وممكنة، مع الأسف الكتاتيب لم تعد لها المكانة التي كانت لها ، وقد كان لها دور كبير جدا في الحفاظ على اللغة العربية، وبصورة خاصة كتاتيب تحفيظ القران الكريم. وهذا مقوم أساسي يجب أن نحرص عليه وندعمه ونقويه حتى تعود له مكانته. وبالإضافة إلى ذلك لدينا وسائل الإذاعة المرئية التي يطالعها كل إنسان، أمكن أن توضع الضوابط على تحاملها على اللغة العربية الصحيحة المقبولة، لا أقول الفصحى، إذا فعلنا ذلك فإننا نستطيع  أن نضمن -إن شاء الله-  أن تكون هناك نهضة ملحوظة في اللغة العربية. فضلا عن ذلك هنالك المقومات التي تحفظ لهذه اللغة دوامها وبقاءها، ويتجلى ذلك في أن اللغة الفصيحة تفهم من الناس أجمعين. فالقول إن اللغة العربية ستنقرض أو أن الناس لا يفهمونها يعد وهما أو رهابا كبيرا يجب الحذر منه.  كل الناس في العالم العربي يذهبون إلى صلاة الجمعة، أو يستمعون إليها في المذياع، ويفهمون خطبة الجمعة وإن كانت تلقى باللغة العربية. كما أن معظم الناس يقرؤون الجرائد، والجرائد كلها تكتب باللغة العربية الفصيحة. وكثير من الناس يستمعون إلى نشرات الأخبار، والأخبار كلها في الإذاعات المرئية والمسموعة تذاع باللغة العربية الفصيحة. طيب، كيف يعقل أن الإنسان يستمع إلى كل هذه الأشياء  في حياته، ولا يعرف أو لا يجيد اللغة العربية..؟! فدعاوى موت العربية دعاوى فارغة يتحدث بها هؤلاء إما  بغرض تغريب اللغة العربية، وإما بغرض أن يلقوا عن كواهلهم عبء القيام بواجبهم نحو اللغة العربية.

أجرى الحوار: الطيب الوزاني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>