بأمثال عبد اللطيف الحجامي يحلو للمرء بأن يقول أنا مغربي(ü)


بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين. أيها الأحبة الحضور أحمد الله عز وجل الذي وفقنا في هذا المقام إلى تكريم الأكارم، إلى تكريم  ذاكرة الشريف الماجد سيدي عبد اللطيف  الحجامي طيب الله ثراه. وقد أعجبني كثيرا أن هذا التكريم قد تضافرت عليه أسرة الفقيد رحمه الله  مع إخوانه وأخواته في هذا الورش الحضاري العمراني المحدد. وأريد في هذه الكلمات أن أركز على ثلاث خصال  عرفتها في الفقيد رحمه الله، وبعض ما يتفرع عنها.

خصال الأستاذ عبد اللطيف

الخصلة الأولى  : خصلة الألمعية :

فالفقيد رحمه الله لاستعداده الفطري  ولكرم محتده  وللسياق الذي درج فيه،  وللنهزة التي أتيحت له،  أن يكون أبا الماجد العلامة المجاهد سيدي أحمد الحجامي رضي الله عنه وطيب ثراه. كل هذه الخصال جعلت هذه الألمعية تنمو وتنداح في خلق الفقيد، وفي كل ما كان يأخذه ويراه. هذه الألمعية كانت لها تجليات، وأول هذه التجليات :

> الذكاء :

ونقصد به الذكاء الاجتماعي الذي تحلى به داخل أسرته، وفي ورش أعماله وفي علاقاته، ولعلكم لاحظتم ولاحظتن جميعا، أن سيدي عبد اللطيف الحجامي مع الأمير شارلز، مع الميكادو الأمير الياباني، مع المختار مبو، أو مع جلالة الفقيد الحسن الثاني رحمه الله. مع كل هؤلاء كان سيدي عبد اللطيف هوسيدي عبد اللطيف، {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة}. كان سيدي عبد اللطيف رغم الموران الذي تموره الأفكار والكلمات،  لهذه الوقدة من الذكاء التي كانت فيه، كان يعرف كيف يرتبها ويعدل بينها، ولا يأذن للواحدة منها طالت أوقصرت بالخروج إلا في مقامها. كم رأيناه مطرقا  وهويرتب كلماته وينظمها في ذهنه. تارة يملأ الفراغات بالابتسامات الدالة، أوبالكلمات المتسائلة، أوبالحركات المهدئة قبل أن يقرر أي كلمة وجب أن تصدر من فيه المطهر أولا. هذا الذكاء الاجتماعي يلمس في كيفية تأطيره، في كيفية اصطحابه عبر دروب هذا العلم المركب، الذي هوعلم العمران، والكلام عن العمران يفسح لي النهزة لكي أنتقل إلى تجلٍّ آخر لخصائص الألمعية عند الفقيد عبد اللطيف حجامي.

> الجمع بين علوم الدين والدنيا وحسن توظيفهما :

كان أول قائم  بمهن الكونتوازور هو الفقيد الشريف الماجد الولي الواصل  سيدي أحمد الحجامي طيب الله ثراه ورضي عنه، وكنت أرى سيدي عبد اللطيف بين الفينة والأخرى، لكن  مرة قررت أن أهجم عليه رفقة مجموعة من  الطلبة الأمريكيين حيث ذهبت إليه إلى الوكالة، وطلبت منه أن يصطحبنا في رحلة، فلم يتردد، ولم يقل لا. فرأيت  هذا التجلي من تجليات ألمعيته. اكتشفت أن الرجل رحمه الله كان يدمج علمه بالأنتروبولوجيا، وهذا القليل منيعرفه بالمجال العمراني، وكان متضلعا في هذا العلم مما فرض عليه أمانة أن يدخل  الأبعاد النفسية والفكرية، والحضاراتية  والهوياتية للذين بنوا فاس  وهو يعالج مدينة فاس، لأنه رحمه الله كان فعلا يستشعر أنه طبيب يتعامل مع كيان، يشبه أن يكون نسيجا وحده، ليس بيولوجيا، نعم، هوعمراني ولكن تتداخل فيه الأبعاد النفسية والفكرية والأنتروبولوجية. فرأيته يتكلم وهو يأخذنا  في السواقي  يتكلم عن المقاصد، مقاصد التشريع وحفظ النفس وحفظ الدّين، النسل والعرض، وحفظ العقل وحفظ المال، ويحاول أن يستحضر كل  بعد من هذه الأبعاد  في التصميمات التي كان  يضعها هؤلاء الأسلاف الأشاوس وهم يرفعون هذا العمران الناطق. لو ذهبت أتتبع تجلياتها البعد الواحد من أبعاد  ألمعية الفقيد رحمه الله لما فرغنا  من قريب.

> تركيزه على التفاصيل :

التجلي  الثالث من تجليات الألمعية وهو تركيزه على التفاصيل. كثير من ذوي الذكاء  وذوي الألمعية تغلبهم التفاصيل، وكنت أسائل سيدي عبد اللطيف مرات، بطريقة مباشرة، كيف تصبر على التفاصيل وأنت تحمل كل هذه الأفكار في ذهنك، فكان يقول التفصيل هوالأس الذي ينبني عليه كل  شيء بعده. وكان يفشي وأحيانا يشي بأن هناك مكابدة،  كان يكابد ليصبر رحمه الله على التفاصيل،  ولكنه كان يعي أن التفصيل هوالأساس الذي ينبني عليه كل شيء. وكان يصر على أن يكون طلبته ومريدوه في هذا الفن، لأنه كان على منهج المعلمين الكبار، يشكل نوعا من التواطؤ النفسي والوجداني حول الورش وليس فقط علاقة  أستاذ مدرس وطالب أوطالبة يدرسا.

> القدرة على التركيب :

التجلي الأخير الذي أود أن أختم  به هذه الخصلة الأولى وهي خصلة الألمعية :هو هذه القدرة على التركيب، بحيث لم يكن يقارب التصميم الذي كان يكب عليه بكل كينونته، من الزاوية الوظيفية أو من الزوايا التي  يعرف أنها  ينبغي أن تكون حاضرة، الاقتصادية والاستعمالية إلى غير ذلك، ولكن كان يقاربه من زاوية أخرى، وهي تحقيق السعادة  وهذا المقصد قل من  جلاه في هذا الباب العمراني، تحصيل السعادة أن يحصل المنتوج العمراني ويقرب المستعمل من سعادة معينة تقدر بمقاديرها، ولن أستطرد كثيرا في هذا الباب.

الخصلة الثانية : خصلة البر بالوالدين:

أول ما رأيناه في الشريط أنه كان يصحب والده رضي الله عنه إلى صلاة الفجر وكان يحرص على أن يكون رهن الإشارة وملبيا للطلب، مذكرا إيانا بالحديث الشريف الصحيح الذي فيه أن ثلاثة  أشخاص قد انسدت عليهم صخرة، فقاموا يتقربون إلى  الله بصالح أعمالهم، فكان من هؤلاء رجل فقال، اللهم إنك تشهد أنني كنت لا أغدق أوأصبح أحدا من أبنائي قبل أن أغدق أوأصبح  والِديَّ، وذكر شيئا  من ذلك جليلا جميلا حتى انفرجت الصخرة. أشهد أن سيدي عبداللطيف الحجامي رحمه الله كان من هؤلاء، غير أن بروره لم يقتصر على أسرته الصغيرة، ووالِدَتِه المرحومة، ووالدِه المرحوم  وزوجته وإخوانه وأخواته وأبنائِه بل كان يمتد إلى كل من  يعرفهم، كان يمتد إلى مدينته، وبلده  بل كان يمتد إلى أمته، بل كان يمتد إلى البشرية جمعاء.

الخصلة الثالثة : خصلة التقوى :

أختم بخصلة كانت أبهى تجلياته هي التي رأيتها في آخر زيارة تشرفت بها  لأخي الفقيد سيدي  عبد اللطيف حجامي رحمه الله:هي التقوى ومراقبة الله عز وجل. كان من آخر ما سمعته منه رحمه الله، أنه قال :”فلان، أنا الآن راني تنقادد الأوراق ديالي” (بمعنى أنا أهيء نفسي وأستعد للرحيل إلى الآخرة). فنظرت إليه نظرة المستفسر، ورغم ألمه  كان يفك شفرات النظرات والنبرات أيضا. ففهم نظرتي وقال: لن أكتمك أني رأيت رؤيا فيها الوالد والجد رحمهما الله، رغم أنني لم أره فيزيولوجيا، لكن رأيته من خلال والدي، يقولان لي:”إننا بانتظارك يا عبد اللطيف، فأعد نفسك واستعد جيداً”. قال فبرمجت لنفسي وألزمت نفسي ببرنامج من الأذكار ومن تسديد الأمانات ، ومن إبلاء العنايات في كل مجالاتها.

هذه الخصلة التي كان رحمه الله على وعي بها أن يجدك الله حيث أمرك،  وأن يفقدك حيث نهاك. أن تؤمن بالجليل وترضى بالقليل  وتستعد ليوم الرحيل، وتعمل بالتنزيل. كان يستصحب هذا رحمه الله خلال كل حياته، ولكن الله أكرمه بأن أعطاه هاته الدفقة النهائية، فكان من إكرام الله عز وجل فكان آخر ما داعب لسانه الطاهر، هوآيات كتاب الله عز وجل، والخواتيم هي التي  فطرت أكباد العارفين.

نسأل الله عز وجل أن يجعل في أبناء سيدي عبد اللطيف الحجامي (الشبحيين والروحيين)  كما نقول بالدارجة، البركة وأن يحملوا هذه الرسالة الكريمة من بعده. إذ بالنظر إلى أمثال سيدي عبد اللطيف يسهل بل يحلو للمرء أن يقول أنا مغربي أنا مسلم، والحمد لله رب العالمين.

———

(ü) كلمة قدمت في الحفل التأبيني الذي نظمته الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين المجلس الوطني واللجنة الجهوية لمدينة فاس بالرباط يوم 26  مارس 2011.

د. أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية لعلماء المغرب 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>