حتى إذا فرحوا بما أوتوا….


مراسيم لم تكتمل!!!

قال الله تعالى: {حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} بينما ابن سلول يستعد لتولي ملك يترب، جاءه الإسلام على حين غرة، وهبت عليه رياح الدين الجديد مؤذنة ببعثة الرسول الأمين، هبت على ابن سلول رياح الإسلام لتحمل معها قوافل المهاجرين ممهدة لقدوم رسول رب العالمين، فكان ما أراد الله عز وجل ونجح الصحابة في الامتحان حين تركوا الأولاد  والأرض والمتاع مرددين مع الحبيب المصطفى  مخاطبا مكة شرفها الله “والله إنك لأحب البقاع إلي ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت” نجح المهاجرون في التضحية والهجرة ووفق الأنصار في الإيواء والنصرة، فضاعت على ابن سلول فرحته، وأجهضت مراسيم تنصيبه وضاع الملك من بين يديه، ولم يجد بداً من إعلان الإسلام، والدخول فيما دخل فيه الأنصار، لكن حسرته وسوء تقديره وتكبره وتجبرهجعلت منه كبير المنافقين ومؤسس دولة الماكرين، فأخذ يكيد للرسول  وأصبح يرى نفسه عزيزاً وغيره ذليلا وهو الذي سجل عنه القرآن الكريم قوله : {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل}، إنها سنة الله عز وجل في خلقه الذين تجبروا وتكبروا حتى وكأنهم لا يرون إلا أنفسهم، وإذا قيل لهم اتقوا الله أخذتهم العزة بالإثم.

ليست مراسيم ابن سلون هي وحدها التي لم تكتمل، ولكن التاريخ يعيد نفسه، فرياح الحرية في زماننا باغتت زين الهاربين وهو يعد العدة لتتويج زوجته حاكمة على قرطاج، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهيه السفن ووقع السحر على الساحر {فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون}(الأعراف : 117).

وكذلك الشأن عند فرعون مصر المخلوع الذي نسي ما ذكر به وفرح بما أوتي ولم يعد يرى لمصر حاكما إلا ولي عهده، ولكن بعد موته، فأطلق العنان لزوجته وأبنائه وزبانيته يفعلون ما يريدون حتى طفح الكيل وبلغ السيل الزبى وحل بمصر المحروسة ما لم يخطر على بال فرعون، وانهزم الحزب (الوطني) في معركة الجمل المشهورة، وضاع حلم التوريث، وأدرك شهريار الصباح فسكت عن الكلام المباح وأوفد نائبه سليمان ليعلن لأصحاب الميدان تنحي فرعون عن الزمان والمكان فطوبى لشعب مصر وحسن مآب.

أما علي عبد الله الذي استعذب الحكم والسلطان ونصب حوله الأهل والولدان واطمأنوا إلى الأمريكان وظنوا أنه لا فناء ولا زوال {فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم أن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد قادرين} حتى جاء شباب اليمن ومعهم النساء والولدان وطلبوا منه أن يغادر الساحة والميدان بعد أن جثم على صدورهم ما يربوا عن ثلاثين من الأعوام، ولم ينل من رقة أهل اليمن ولا من حكمتهم نصيب، وهم الذين قال فيهم رسول الله  : “أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً الإيمان يمان والحكمة يمانية..”(أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما).

أما القذافي المجنون الذي كان يدعم البوليساريو المزعوم بمال الشعب المنهوب ويحرم شعبه من خيرات البترول الموهوب فقد نصب نفسه (عميداً للحكام العرب وملكاً على ملوك إفريقيا)، ولم يعد يرى للشعب الليبي زعيماً أفضل منه كما لم ير للتونسيين أفضل من (الزين) ونسي أنه عبد مملوك لمالك الملك والملكوت، وبينما هو كذلك في زهوه وتبختره يخرج على قومه في زينته حتى خسف الله به وبداره الأرض.

تلكم أيها السادة تفاصيل القصة وهؤلاء هم أبطال الرواية.

وأما العبرة من الحكاية فإن لابن سلول أبناء وذرية وفي كتاب ربنا البداية والنهاية. قال الله تعالى : {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}(الأنعام : 46).

عبد الحميد الرازي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>