هكذا أخبر الباري جل وعلا وأرشد إلى أن سبيل الهدى الحق هو وحيه ورسالته الخالدة إلى الناس أجمعين، فالقرآن الكريم هو سبيل الهدى والرشاد إلى الأحسن والأوفق والأقوم، وليس فيه إلا البشارة بالخير لمن التزم به وتمسك بهداه، ولم يكتسب هذه الخاصية إلا لأنه من الله الخالق الرازق، العليم الخبير.
لذلك كان الاشتغال بالقرآن الكريم وعلومه علما وتعلما وتعليما، تحققا وتخلقا، تربية ودعوة وتبليغا، هو من الاهتداء الحقيقي إلى مصادر الثروة الحقيقية في الأمة، وإلى العلم الحقيقي الذي به تتنور العقول وتهتدي، وبه تزكو النفوس وترتقي، وبه يصلح مجموع الأمة ويعتلي. كما أن استنطاق ما فيه من الهدى واستمداد ما فيه من العلوم والهدايات المنهاجية لهو البداية الموفقة في الطريق الصحيح نحو استعادة الأمة وظيفتها في القيام بأمر الله واستئناف دورها الحضاري الذي ظل معطلا خلال قرون الجدب في انتظار قرون الخصب. ولقد أصبحت الأمة اليوم على وعي كبير بهذه النعمة العظمى والمكانة الكبرى للقرآن الكريم وعلومه في إعادة إحياء الأمة وبعثها من جديد كما بعثت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ومن بعدهم من الأئمة الأعلام. ولا سبيل إلى ذلك إلا بتفعيل القرآن الكريم وإعادة حاكميته في واقع الإنسان والمجتمع والأمة، ولن يتحقق ذلك ما لم تحصر جهود الأمة التي بذلت من أجل استلهام هداياته وتقويمها وبيان مناطق القوة والضعف وتبين مناطق الفراغ التي لا تزال في حاجة إلى خدمة جديدة، وفق رؤية علمية ومنهجية راشدة، ووفق خطة في التنسيق والتشاور والتكامل واعدة.
وفي هذا السياق احتضنت مدينة فاس العاصمة العلمية للمغرب المؤتمر العالمي الأول للباحثين في القرآن الكريم وعلومه في موضوع “جهود الأمة في خدمة القرآن الكريم وعلومه”، نظمته مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع) ومعهد الدراسات المصطلحية وبتعاون مع الرابطة المحمدية لعلماء المغرب وجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، ومشاركة كثير من الهيآت الإسلامية في باقي دول العالم الإسلامي ذات الاهتمام بالقرآن الكريم وعلومه.
ومواكبة لهذا الحدث القرآني العلمي والتربوي خصصت جريدة المحجة ملفا خاصا بأعمال المؤتمر بقصد رصد خلاصة كسب الأمة وخلاصة تقويم الباحثين لهذا الكسب، وتحديد واجبات الأمة الجديدة للنهوض بالقرآن الكريم من جهة والنهوض بالأمة من جهة ثانية، إذ ثبت باليقين أنه لا نهوض حقيقي للأمة من غير النهوض بالقرآن الكريم وعلومه والعودة الصادقة إليه حفظا وتحفيظا، علما وتعلما وتعليما، تربية ودعوة وتحكيما.