نافذة على التراث


مــن آداب الـعــالــم

دوام مراقبة الله تعالى في السر والعلانية، والمحافظة على خوفه في جميع حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله، فإنه أمين على ما أودع من العلوم، وما منح من الحواس والفهوم. قال الله تعالى: {لا تخوَنوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}. وقال تعالى: {بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشونِ}.

قال الشافعي: ليس العلم ما حفظ، العلم ما نفع، وعليه بدوام السكينة والوقار والخشوع والورع والتواضع والخضوع.

ومما كتب مالك إلى الرشيد: إذا علمت علماً فلْيُرَ عليك أثره، وسكينته وسمته، ووقاره، وحلمه. لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: العلماء ورثة الأنبياء.

وقال عمر: تعلموا العلم وتعلموا له السكينة والوقار وعن أبي هريرة مرفوعاً: تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة. وتواضعوا لمن تعلمون منه. رواه الطبراني في الأوسط. وعن السلف رحمهم الله: حق على العالم أن يتواضع لله، في سره وعلانيته ويحترس من نفسه ويقف عما أشكل عليه.

> آداب العلماء والمتعلمين  للحسين بن منصور اليمني

بلاغة إياس في طفولته

دخل إياس الشّامَ وهو غلامٌ، فتقدَّمَ خصماً له – وكان الخَصم شيخاً كبيراً- إلى بعضِ قُضاةِ عبد الملك بن مَرْوان، فقال له القاضي: أَتَقْدُم شيخاً كبيراً؟ قال: الحقُّ أكبر منه. قال: اسكتْ. قال: فمن ينطِقُ حُجَّتي؟ قال: لا أظنُّك تقولُ حقّاً حتَّى تقوم. قال: لا إله إلاّ اللَّه! أحقّاً هذا أم باطلا؟ فقام القاضي فدخل على عبد الملك مِن ساعته، فخبَّرَه بالخَبر، فقال عبد الملك: اقْضِ حاجتَه السَّاعةَ وأخرِجْه من الشامِ، لا يُفْسِدْ عليَّ الناس.

> البيان والتبين  للجاحظ

 أفي حاجة لي أم لك؟

كان أبوه محمَّد بنُ حفصٍ التّيْمي عظيمَ الشأن، كثير العِلم، أتاه بعضهم في حَلْقته في المسجِد، فقال له في بعض كلامه: أبو مَنْ أصلحَكَ اللَّه؟ فقال له: هَلاّ عَرفْتَ هذا قبل مجيئك؟ وإنْ كان لا بدَّ لك منه فاعترِضْ مَن شئت فَسَلْه! فقال له: إنِّي أريد أن تخلِيَني. قال: أفي حاجةٍ لك أم في حاجة لي؟ قال: بل في حاجةٍ لي. قال: فالقَنِي في المنزل قال: فإنّ الحاجة لك. قال: ما دونَ إخواني سِتر.

> البيان والتبين  للجاحظ

 من آداب المتعلم في درسه

أن يبتدئ أولا بكتاب الله العزيز فيتقنه حفظاً ويجتهد على إتقان تفسيره وسائر علومه، فإنه أصل العلوم وأمها وأهمها. ثم يحفظ في كل فن مختصراً، يجمع فيه بين طرفيه من الفقه والحديث وعلومه والأصولين والنحو والتصريف ولا يشتغل بذلك كله عن دراسة القرآن وتعهده وملازمة وردٍ منه كل يوم أو أيام أو جمعة. وليحذر من نسيانه بعد حفظه، فقد ورد حديث يزجر عنه، ويشتغل بشرح تلك المحفوظات على المشايخ، وليحذر من الاعتماد في ذلك على الكتب ابتداء، بل يعتمد في كل فن ما هو احسن تعليماً له، واكثر تحقيقاً فيه، وتحصيلاً منه، واخبرهم بالكتاب الذي قراه، وذلك بعد مراعاة الصفات المتقدمة من الدين، والصلاح والشفقة وغيرها، فإن كان شيخه لا يجد من قرابته على غيره، فلا بأس بذلك، وإلا راعى قلب شيخه، إن كأن أرجأهم نفعاً، لأنه أنفع له وأجمع لقلبه عليه، وليأخذ من الحفظ ما يمكنه ويطيقه حاله، من غير إكثار يمل ولا تقصير يخل بجودة التحصيل.

> آداب العلماء والمتعلمين  للحسين بن منصور اليمني

من آداب المتعلم في نفسه

الأول: أن يطهر قلبه من كل غش، ودنس، وغل، وحسد، وسوء عقيدة وخلق، ليصلح بذلك لقبول العلم وحفظه والاطلاع على دقائق معانيه وحقائق غوامضه، فإن العلم كما قال بعضهم: صلاة السر، وعبادة القلب، وقربة الباطن، فكما لا تصح الصلاة التي هي عبادة الجوارح الظاهرة إلا بطهارة الظاهر من الحدث والخبث، فكذلك لا يصح العلم الذي هو عبادة القلب إلا بطهارته عن خبث الصفات وحدث مساوئ الأخلاق ورديها. وقالوا: يطيب القلب للعلم كما تطيب الأرض للزرع، فإذا طيب العلم ظهرت بركته، ونما كما ينمو زرعها، ويزكو إذا طيبت.

وفي الحديث أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب وقال سهل: “حرام على قلب أن يدخله نور وفيه شيء مما يكره الله عز وجل”.

الثاني: حسن النية في طلب العلم بأن يقصد به وجه الله عز وجل والعمل به، وإحياء الشريعة، وتنوير قلبه، وتحلية باطنه، والقرب من الله تعالى يوم لقائه، والتعرض لما أعد لأهله من رضوانه، وعظم فضله، قال سفيان الثوري: ما عالجت شيئاً أشد من نيتي، ولا يقصد به أغراض الدنيوية من تحصيل الرياسة، والجاه، والمال، ومباهاة الأقران وتعظيم الناس له، وتصديره في المجالس، ونحو ذلك فليستبدل الأدنى بالذي هو خير.

والعلم عبادة من العبادات وقربة من القرب، فإن خلصت فيه النية قبل وزكا ونمت بركته، وإن قصد به غير وجه الله حبط وضاع وخسرت صفقته، وربما كان ذلك سبباً في فوات تلك المقاصد فلا ينالها فيخيب قصده، ويضيع سعيه.

> آداب العلماء والمتعلمين  للحسين بن منصور اليمني

بكاء زين العابدين

قال الأصمعي بينما أنا أطوف بالبيت ذات ليلة إذ رأيت شاباً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول:

يــا مــن يجيب دعا الـمضطّر في الظُّلم         يا كاشف الضرُّ والبلوى مع السقم

قـد نــام وفــدك حـول البيت وانتبـهـوا        وأنــت يــا حــيُّ يـــا قـيــومُ لـــم تـنـم

أدعــــوك ربّــي حــزينـاً هـــــائمـاً قـلـقـاً        فـأرحم بكــائي بحـقّ البيت والحــرم

إن كـــــان جــودك لا يـــرجــوه ذو سفـهٍ        فمن يجــود على العــاصين بـالكــرم

ثم بكى بكاء شديداً وأنشد يقول:

الا أيها الـمقصود في كــلِّ حـاجةٍ       شكــوت إليك الضرَّ فأرحم شكايتـي

ألا يا رجائي أنت تكشف كربـتـي       فهبّ لي ذنوبي كلّها وأقضِ حاجتي

أتـيت بـأعـمـالٍ قـبـاحٍ رديئةٍ    وما في الورى عبدٌ جنى كجنايتـي

أتحرقني بالنار يا غـاية الـمـنـى     فأين رجائي ثم أين مـخـافـتـي

ثم سقط على الأرض مغشياً عليه، فدنوت منه فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين، فرفعت رأسه في حجري وبكيت فقطرت دمعة من دموعي على خده ففتح عينيه، وقال: من هذا الذي يهجم علينا؟ قلت عبدك الأصمعي! سيدي، ما هذا البكاء والجزع؟ وأنت من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة؟ أليس الله تعالى يقول: “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً”؟ قال: هيهات هيهات يا أصمعي! إن الله خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان حراً قرشياً، أليس الله تعالى يقول: “فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنَّم خالدون”؟.

الكلام حسب الاستماع

كان بعضهم يقول: لا تُطعِم طعامَك مَن لا يشتهيه معناه: لا تُقبِلْ بحديثك على مَن لا يقبلُ عليه بوجهه. وقال عبدُ اللّه بنُ مسعود: حَدِّث النّاسَ ما حَدَجُوك بأبصارهم، وأذِنُوا لك بأسماعِهم، ولحظوك بأبصارهم، وإذا رأيت منهم فترةً فأمْسِكْ. وقال بعضُ الحكماء: مَن لم يَنْشط لحديثك فارفَعْ عنه مَؤونَة الاستماع منك.

> البيان والتبين  للجاحظ

 الحــيــاء

أعرابي: لا يزال الوجه كريما ما غلب حياؤه، ولا يزال الغصن نضيراً ما بقى لحاؤه.

آخر: الوجه المصون بالحياء كالجوهر المكنون في الوعاء.

آخر: رونق صحيفة الوجه عند الحياء كفرند صفيحة السيف عند الجلاء.

آخر: ما المبتختر في وشي ردائه بأحسن من المتقارب في قيد حيائه.

أرسطو طاليس: من استحيا من الناس ولم يستحي من نفسه فلا قدر لنفسه عنده.

> ربيع الأبرار  للزمخشري

علم الحسن البصري رحمه الله وعقله

قال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيت أحداً، لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم ، أشبه بمن صحبه من صاحبكم هذا -يعني الحسن- ولو أنه أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  لاحتاجوا إلى رأيه، وما سمع أحد كلامه إلا أزدرى كلام غيره.

قال أبو العباس السفاح لأبي بكر الهذلي: بم بلغ حسنُكم ما بلغ؟ قال: جمع كتاب الله وهو ابن اثنتي عشرة سنة، لم يجاوز سورة إلى غيرها حتى يعرف تأويلها، ولم يقلب درهماً في تجارة قط، ولم يل عملاً لسلطان، ولم يأمر بشيء حتى يفعله، ولم ينه عن شيء حتى يدعه. قال السفاح بهذا بلغ ما بلغ.

ما الدليل على الله؟

قال رجل لجعفر بن محمد: ما الدليل على الله؟ ولا تذكر لي العالَم والعرَض والجوهر! فقال له: هل ركبت البحر؟ قال: نعم. قال: هل عصفت بكم الريح حتى خفتم الغرق؟ قال: نعم. قال: فهل انقطع رجاؤك من المركب والملاحين؟ قال: نعم. قال: فهل تتبعت نفسك أن ثم من ينجيك؟ قال: نعم. قال: فإن ذاك هو الله!! قال الله تعالى: {ضل من تدعون إلا إياه}. {وإذا مسكم الضر فإليه تجأرون}.

> ربيع الأبرار  للزمخشري

 من صفات المومن

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع شيء صدراً، وأذل شيء نفساً، يكره الرفعة، ويشنأ السمعة، طويل غمه، بعيد همه، كثير صمته، مشغول وقته، سهل الخليفة، لين العريكة، نفسه أصلب من الصلد، وهو أذل من العبد.

> ربيع الأبرار  للزمخشري

أربع ساعات للعاقل

مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات، فساعة فيها يناجي ربه، وساعة فيها يحاسب نفسه، وساعة فيها يفضي إلى أخوانه الذين يصدقونه عن عيوب نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عونا لتلك الساعات وإجماما للقلوب.

> ربيع الأبرار  للزمخشري

د. عبد  الرحيم الرحموني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>