نافذة على التراث


من الكتابات البليغة  في الحض على الجهاد في الأندلس

… فاللهَ اللهَ في الهمم، فقد خَبَتْ ريحُهَا. واللهَ اللهَ في العقايد، فقد خَفَتْ مصابيحها، والله اللهَ في الرُّجولة فقد فلَّ حدَّها، واللهَ اللهَ في الغيرة، فقد نعس حدها، والله الله في الدين، فقد طمع العدو في تحويله، والله الله في الحريم، فقد مَدَّ إلى استرقاقه يد تأميله، واللهَ اللهَ في المسَاكن التي زحف لسكناها، واللهَ اللهَ في الملّة التي يريد إطفاء نورها وسَناها، وقد كمل فضلها وتناهى. والله الله في القرآن العظيم، واللهَ الله في الجيران، والله الله في الطارف والتالد، والله الله في الوطن الذي توارثه الولد عن الوالد. اليوم تسْتَأْسِد النفوس المهينة، اليوم يستنزل الصبر والسكينة، اليوم تحتاج الهِمَم أن ترعى هذه النفوس الكريمة الذِّمَم، اليوم يُسْلَك سَبِيلُ العزم والحزم والشدة والشَّمَم، اليوم يرجع إلى الله تعالى المصِرُّون، اليَوم يفيق من نومه الغافلون والمغترون. قبل أن يتفاقم الهول، ويحق القول، ويسد الباب، ويحيق العذاب… أما تعلمون كيف كان نبيكم صلوات الله وسلامه عليه من التبلُّغ باليَسير، والاستعداد إلى دار الرحيل، ومداومة الجوع، وهجْر الهُجُوع، والعَمَل على الإياب إلى الله والرجوع. دخلت عليه فاطمة رضي الله عنها، وبيدها كسرة شعير، فقال ما هذه يا فاطمة، فقالت يا رسول الله، خبزت قرصة، وأحببت أن تأكل منها، فقال يا فاطمة، أما أنه أولُ طعام دخل جوفَ أبيك منذ ثلاث. وكان ، يستغفر في اليوم سبعين مرة، يلتمس رُحْماه، ويقوم وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، حتى تورمت قدماه، وكان شأنه الجهاد، ودأبه الجد والاجتهاد ومواقف صبره تعرفها الرُّبى والوهاد. فإذا لم تقتدُوا به فبمن تقتدون؟ وإذا لم تهتدوا بهديه فبمن تهتدون؟ وإذا لم تُرضُوه باتباعكم، فكيف إليه تنتسبون؟ وإذا لم ترغبوا في الاتصاف بصفاته غضباً لله تعالى وجهاداً، وتقللاً من العَرَض الأدنى وسهاداً، ففيم ترغبون؟ فابْتروا حبال الآمال، فكل آت قريب، واعتبروا بمثُلاَت ما دَهم من تقدّم من أهل البلاد، فذهولكم عنها غريب. وتفكروا في منابرها التي كان يعلوها واعظ أوخطيب، ومطيل ومطيب، ومساجدها المتعددة الصفوف، والجماعات المعمورة بأنواع الطاعات، وكيف أخَذَ الله فيها بذنب المترفين من دونهم، وعاقب الجمهور بما أغمضوا عيونهم، وساءت بالغفلة عن الله عُقبى جميعهم، وذهبت النقمات بعاصيهم، ومن دَاهن في أمره من مُطيعهم. فما هذه الغفلة عمن إليه الرجعى وإليه المصير؟ وإلى متى التساهل في حقوقه وهو السميع البصير؟ وحتى متى مَدُّ الأمل في الزمن القصير؟ وإلى متى نسيانُ اللجأ إلى الوليّ النصير. فتعالوا نستغفر الله جميعاً، فهو الغفور الرحيم، ونستقيل مُقيل العثرات، فهو الرؤوف الحليم، ونصرف الوجوه إلى الاعتراف بما قدمت أيدينا، فقبول المعاذير من شأن الكريم. سدت الأبواب، وضعفت الأسباب، وانقطعت الآمال إلا منك يا كريم يا فتاح، يا وهاب. {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم} {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار، وليجدوا فيكم غلظة، واعلموا أن الله مع المتقين. ولا تهنوا ولا تحزنوا، وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} {يا أيها الذين آمنوا، اصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون}.

> الذخيرة في محاسن الجزيرة

 أجوبة حسب المقام

كان ليزيد بن عبد الملك أخ من أمه يقال له مروان، فشتمه الوليد ذات يوم، فأراد أن يرد عليه، فقال له يزيد: أخوك وإمامك وأسن منك، ووضع يده على فم مروان؛ فقال: يا أخي قتلتني ورددت في جوفي كلمة هي أحر من النار، فمات مروان من حرقة ترك الجواب.

قال المنصور: لبعض أهل الشام: ألا تحمدون الله إذ رفع عنكم الطاعون منذ وليناكم؟ فقال الشامي: إن الله أعدل من أن يجمعكم علينا والطاعون. فسكت.

قال رجل ليعقوب فقيه سجستان: إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر للغسل إلى أين أتوجه، إلى القبلة أم إلى غيرها؟ قال: أفضل ذلك أن يكون وجهك إلى ثيابك التي تنزعها.

وسأله آخر: إذا شيعنا جنازة فقدامها أفضل أن نمشي أم خلفها؟ قال: أجهد أن لا تكون عليها وأمضى حيث شئت.

دخل محمد بن واسع على قتيبة وعليه جبة صوف، قال: لم لبستها؟ قال: أكره أن أقول زهداً فأزكي نفسي، أو أن أقول فقراً فأشكو ربي.

> ربيع الأبرار  للزمخشري

خطبة طريفة

لعتبة ين أبي سفيان، في رده على عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان بعد أن خطب إليه ابنته أقعده على فخذه، وكان حدثا، ـ أي صغير السن ـ فقال: “أقْرب قريب، خَطب أحبَّ حبيب، لا أستطيع له ردا، ولا أجد من إسعافه بدا. قد زوجتكها وأنت أعز علي منها، وهي ألصق بقلبي منك، فأكرمها يعذب على لساني ذكرك، ولا تهنها فيصغر عندي قدرك. وقد قربتك مع قربك، فلا تبعد قلبي من قلبك”.

>جمهرة خطب العرب

حقيقة التوكل

قيل لراهب: من أين تأكل؟ فقال: إن خالق الرحى يأتي بالطحين.

وقال حاتم: الحمار يعرف طريق المعلف، والمنافق لا يعرف طريق السماء.

وقال إبراهيم بن أدهم: سألت راهباً من أين تأكل؟ قال: ليس هذا العلم عندي، ولكن سل ربي من أين يطعمني.

وقال حاتم: مثل المتوكل مثل رجلٍ أسند ظهره إلى جبل.

وقال بعض الأبرار: حسبك من التوكل ألا تطلب لنفسك ناصراً غيره، ولا لرزقك خازناً غيره، ولا لعملك شاهدا غيره.

وقال عبد الحميد بن عبد العزيز: كان لأبي صديقٌ وراق، فقال له أبي يوماً: كيف أصبحت؟ قال: بخير ما دامت يدي معي، فأصبح الوراق وقد شلت يده.

قال أبو العالية: لا تتكل على غير الله فيكلك الله إليه، ولا تعمل لغير الله فيجعل ثواب عملك عليه.

حكمة فتاة

خرج الحارث بن عوف المري خاطباً إلى أوس بن حارثة الطائي. فقال لابنته الكبرى: يا بنية؛ هذا سيد قومه قد أتاني خاطباً لك. فقالت:  لا حاجة لي فيه. إن في خلقي ضيقاً يصبر عليه القرباء، ولا يصبر عليه البعداء.

فقال للتي تليها: قد سمعت ما قالت أختك. قالت: زوجنيه، فإني إن لم أصلح للبعداء لم أصلح للقرباء. فزوجه وضرب عليه قبة، ونحر له الجزور. فمد يده إليها فقالت ابنة أوس: تمد إليها اليد بحضرته؟ قال: فتحمل بها، فلما كان بالطريق مد يده إليها. فقالت ابنة أوس: أردت أن تمتع بها في سفرك كما تمتع بسفرتك؟ فكَفَّ عنها. فلما حل في أهله – وقد وقعت الحرب بين عبس وذبيان – فمد يده إليها فقالت: لقد أخطأ الذي سماك سيداً. أتمد يدك إلى النساء وقومك يتناحرون.

قال: فما وضع يده عليها حتى أصلح بين قومه وتحمل دياتهم، ثم دخل بها فحظيت عنده.

> نثر الدر  للآبي

مواقف  حكيمة

قال رجلٌ لأبي ذرٍ: أنت أبو ذرٍ؟ قال: نعم. قال: لولا أنك رجل سوء ما أخرجت من المدينة. فقال أبو ذر: بين يدي عقبةٌ كؤودٌ إن نجوت منها لا يضرني ما قلت، وإن أقع فيها فأنا شرٌ مما تقول.

وقيل لفضيل: إن فلاناً يقع فيك. فقال: لأغيظن من أمره بذلك اللهم اغفر له.

وقال رجل لأبي هريرة: أنت أبو هريرة؟ قال: نعم. قال: سارق الذريرة؟ قال: اللهم إن كان كاذباً فاغفر له، وإن كان صادقاً فاغفر لي؛ هكذا أمرني رسول الله .

وقال رجل لابن مكدم: يا كافر. قال: وجب علي الشكر، حيث لم يجر ذلك على لساني، ولم تجب علي إقامة الحجة فيه، وقد طويت قلبي على جملة أشياء: قال: وما هن؟ قال: إن قلت ألف مرة لا أجيبك مرة، ولا أحقد عليك، ولا أشكوك إلى أحد، وإن نجوت من الله عز وجل بعد هذه الكلمة شفعت لك. فتاب الرجل.

كان للحسن البصري جارٌ نصراني، وكان له كنيف على السطح، وقد نقب ذلك في بيته، وكان يتحلب منه البول في بيت الحسن، وكان الحسن أمر بإناء فوضع تحته، فكان يخرج ما يجتمع منه ليلاً، ومضى على ذلك عشرون سنةً، فمرض الحسن ذات يومٍ فعاده النصراني، فرأى ذلك، فقال: يا أبا سعيد: مذ كم تحملون مني هذا الأذى؟ فقال: منذ عشرين سنةً. فقطع النصراني زناره وأسلم.

وجاءت جاريةٌ لمنصور بن مهران بمرقةٍ فهراقتها عليه، فلما أحس بحرها نظر إليها، فقالت: يا معلم الخير اذكر قول الله. قال: وما هو؟ قالت: “والكاظمين الغيظ”. قال: كظمت. قالت: واذكر “والعافين عن الناس”. قال: قد عفوت. قالت واذكر “والله يحب المحسنين”. قال: اذهبي فأنت حرة.

> الإمتاع والمؤانسة  لأبي حيان التوحيدي

لصّ محتال وكريم مضياف

حدث رجل من الأعراب قال: نزلت برجل من طيء فنحر لي ناقة فأكلت منها، فلما كان الغد نحر أخرى فقلت: إن عندك من اللحم ما يغني ويكفي. فقال: إني والله ما أطعم ضيفي إلا لحماً عبيطاً. قال: وفعل ذلك في اليوم الثالث، وفي كل ذلك آكل شيئاً ويأكل الطائي أكل جماعة، ثم يؤتى باللبن فأشرب شيئاً ويشرب عامة الوطب. فلما كان في اليوم الثالث ارتقبت غفلته فاضطجع، فلما امتلأ نوماً استقت قطيعاً من إبله فأقبلته الفج، فانتبه، واختصر علي الطريق حتى وقف لي في مضيق منه، فألقم وتره فوق سهمه، ثم نادى: لتطب نفسك عنها، قلت: أرني آية، قال: انظر إلى ذلك الضب فإني واضع سهمي في مغرز ذنبه، فرماه فأندر ذنبه، فقلت: زدني، قال: انظر إلى أعلى فقاره، فرمى فأثبت سهمه في الموضع. ثم قال لي: الثالثة والله في كبدك، قال قلت: شأنك بإبلك، قال: كلا حتى تسوقها إلى حيث كانت. قال: فلما انتهيت بها قال: فكرت فيك فلم أجد لي عندك ترة تطالبني بها، وما أحسب حملك على أخذ إبلي إلا الحاجة، قلت: هو والله ذاك، قال: فاعمد إلى عشرين من خيارها فخذها. فقلت: إذن والله لا أفعل حتى تسمع مدحك، فو الله ما رأيت رجلاً أكرم ضيافة، ولا أهدى لسبيل، ولا أرمى كفاً، ولا أوسع صدراً، ولا أرغب خوفاً، ولا أكرم عفواً منك. قال: فاستحيا فصرف وجهه عني وقال: انصرف بالقطيع مباركاً لك فيه.

إعداد  : الدكتور عبد الرحيم الرحموني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>