الوقاية في الإسلام : معان ومجالات


ضمانا للحياة السليمة، جاء ديننا الحنيف بمنهج وقائي مثالي تتحقق معه سعادة الفرد والجماعة، كما يتحصل معه استقرار في العيش، يجعل المومن شبه متفرغ ومؤهل لأداء ما كلفه الله عز وجل به.

وقد جاء مفهوم الوقاية في الإسلام جامعا مانعا، بحديثه عن وقاية  الإنسان ووقاية أرضه وبيئته  بل وقايته من الأمور الغائبة عن مجرد الحواس البشرية عامة، والتي غُيبت في اعتبارات الناس واهتماماتهم إلى أبعد حدود.

والوقاية في لسان العرب تأتي بمعنى الصيانة، ففي تاج العروس من جواهر القاموس لمرتضى الزبيدي 1 / 8652. قال : ووقاية  بالكسر، وواقية على فاعلة : صانه وستره عن الأذى وحماه وحفظه فهو واق ومنه قوله تعالى {ما لهم من الله من واق} أي من دافع.

وفى حديث الدعاء “اللهم واقية كواقية الوليد”، وفى حديث آخر : >من عصى الله لم تقه منه واقية إلا بإحداث توبة كوقاه بالتشديد والتخفيف، ومنه قوله تعالى {فوقاهم الله شر ذلك اليوم}.

وتُسمى الوقاية أيضا : الجُنة بضم الجيم، وفي ذلك حديث : إنما الإمام جُنَّة يتَّقَى به ويُقاتَــل من ورائه”(1).

وقوله  : >والصيام جُنة…< أي يَقِي صاحِبَه ما يُؤذِيه من الشَّهَوات.

وتأتي الوقاية بمعنى التقوى، قال الجرجاني : التقوى في اللغة: بمعنى الاتقاء، وهو اتخاذ الوقاية، وعند أهل الحقيقة : هو الاحتراز بطاعة الله عن عقوبته، وهو صيانة النفس عما تستحق بـــه العقوبة من فعل أو ترك.

أما مجالات الوقاية في الإسلام فعديدة، بل إنها شملت سائر مناحي الحياة الفردية والجماعية :

1- الوقاية من الجن : وهذا أمر غيبي لا يدرك الإنسان كيفية الوقاية منه لولا إشارات نبوية صريحة في الميدان، فقد صح عن النبي  أنه قال : >إذا كان جُنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهبت ساعة من العشاء فخلوهم<(2).

وعنه  قال :  >احبسوا صبيانكم حتى تذهب فوعة العشاء ؛ فإنها ساعة تخترق فيها الشياطين<.  فوعة : أي أوله كفورته وفوعة الطيب : أول ما يفوح منه(3).

وللأسف الشديد يلاحظ أن قلة قليلة من الناس تنبهوا لهذه المسألة وخطورتها غير أن الكثيرين منهم سلكوا إليها وإلى معالجتها طرقا منحرفة أساسها الشعودة وأفعال السحرة والضلال.

كما صار هذا الموضوع مجالا خصبا في ترويج البدع وأحاديث مكذوبة وموضوعة منسوبة إلى رسول الله ، متجاهلين ما نُقل من صحيح هدي المصطفى  في الموضوع من أحاديث وأدعية استشفائية، وتعاليم في الرقيا الشرعية الصحيحة.

بل إن جهل الناس بعالم الجن وما يُلحق بالإنس من الأضرار جعل محترفي الشعودة يوظفون الجن في النصب والاحتيال  وأكل أموال الناس بالباطل وبصورة علنية إجرامية.

2- وقاية الطعام : جانب آخر من حياتنا نال من عناية الإسلام شأنا عظيما فقد أمر الله تعالى أن يكون طعامنا أولا من الحلال فقال {ياأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات مارزقناكم…}.

ثم جاء الأمر بصيانته ووقايته على لسان المصطفى  فقال : >كفوا صبيانكم عند فحمة العشاء وإياكم والسمر فإنكم لا تدرون ما يبث الله من خلقه؟ فأغلقوا الأبواب وأطفئوا المصباح وأكفئوا الإناء وأوكوا السقاء<(4).

وفي رواية للبخاري : قال : >خمروا الآنية وأوكوا الأسقية وأجيفوا الأبواب واكفوا صبيانكم عند المساء فإن للجن انتشارا أو خطفة وأطفئوا المصابيح عند الرقاد فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت<(5).

3-  وقاية الموطن : وعناية الإسلام بالمكان موضع الاستقرار أساس من أسس الوقاية المدنيـة في ديننا الحنيف فقد صح عن النبي  أنه قال : >لا عدوى ولا طيرة ولا هام إن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار وإذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تهبطوا وإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تفروا منه<(6).

وقد اتخذ مفهوم الوقاية عند علماء الأصول معنى مطابقا لمفهوم “الذريعة”  أو “سد الذرائع” وهو مبحث جميل من مباحث هذ العلم الجليل “علم أصول الفقه” بحاجة إلى مقال مستقل أو أكثر، يجسده قول الله عز وجل {ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك…} أي لاتخذ غلظ طبعك ذريعة ليتركوا دينك ودعوتك. والأمثلة في كتاب الله تعالى كثيرة للإستدلال الأصولي في هذا المجال. والله المستعان.

—–

1- النهاية في غريب الأثر لابن الأثير الجزري 1 / 520.

2-  أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود، ورواه أحمد بنحوه وزاد فإن للجن انتشارا وخطفة.  جنح الليل : إذا أقبل ظلامه.

3-  السلسلة الصحيحة للألباني  2 /574  الحديث برقم 905.

4- 9 / 241 من السلسلة الصحيحة والحديث برقم 3454.

5- 2 / 476 من مشكاة المصابيح للألباني والحديث برقم 4295.

6- 2 / 416 من السلسلة للألباني رقم الحديث 789.

ذ. عبد الرحمن بوعلي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>