المسالك الإجرائية لاستمرار التربية النبوية للأمة الإسلامية


مسالك تحقيق التربية النبوية للمسلمين مترابطة ومتكاملة فيما بينها، ومجموعها يمكن أن يُحقق المعية المعنوية للرسول صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمسلم الذي يسلكها، وهــي كالآتـــي:

 أولا : محبة(1) الرسول صلى الله عليه وسلم: 

الكلام عن “المحبة النبوية” هنا  ليس مُجرَّد دعوى، ولا تَصْدُقُ على صاحبها بمجرد النطق بها؛ بل نتحدث عنها باعتبارها عقيدة كاملة لها أسباب تُنتجها، ومقتضيات تلزمها، فمن أسباب تمتين محبة الرسول صلى الله عليه وسلم في النفس المؤمنة:

- معرفة قدره ومنزلته عند الله، وأثره العظيم في هداية الناس، وسمو أخلاقه.

- كثرة ذكره  والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، والدعاء الدائم بقبول شفاعته في المسلمين وبالاجتماع معه عليه السلام  بالحوض يوم الدين؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّء يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب :56).

- تعظيمه و توقيره صلى الله عليه وسلم و تذكر مكانته عند الله تعالى  وفضله على الناس، وذكره بما يليق به من الأوصاف عليه السلام ؛ قال سبحانه: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}(النور : 63).

أما العلامات والمقتضيات التي تبرهن على حصول محبة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فمنها :

- أن يلحظ المسلم في نفسه أنه  يُحيي السنة النبوية؛ فهو القائل صلى الله عليه وسلم : ((من أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة))(2)؛

- أن يجد المسلم في نفسه رغبة دائمة في الاطلاع على أخباره وقراءة سيرته صلى الله عليه وسلم، والشوق إلى لقائه حسب ما هو معلوم في قانون المحبة.

 ثانيا : تعلم السنة النبوية والعمل بها وتبليغها: 

الرسول صلى الله عليه وسلم هو النموذج الأمثل للإنسان الذي استخلفه الله سبحانه في الأرض، وبه أظهر للمسلمين التجسيد العملي لأحكام القرآن من غير إفراط ولا تفريط،  لذلك جاء الأمر صريحا بالتأسي به عليه السلام؛ قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}(الأحزاب : 21)، ومُنْطَلَق هذا التأسي أمور ثلاثة:

1-  القراءة المستمرة لأحد المتون الجامعة للسنة النبوية النبوية الصحيحة(3)، والكتاب الذي جمع وأوعى في هذا الباب هو “رياض الصالحين” للنووي رحمه الله.

2- تدبر أقوال وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، والسعي الدائم والدءوب للعمل بها واتباع هداها؛ لأنها المقياس الذي أمرنا بأن نَزِنُ به أعمالنا، وهي الوسيلة التي نمارس بها النقد والتمحيص لتصرفاتنا؛ قال تعالى: {قُلْ انْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(آل عمران : 31).

3- الحرص على تعليمها وتبليغها : لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ((بلغوا عني ولو آية)) لأن تبليغها هو تبليغ للدين وتكثير من المحبين له صلى الله عليه وسلم، وتكثير للداخلين في رحمته  وليبدأ المسلم بتعليم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبناءه وأسرته وكل من مكنه الله من ولايته وأمانته من الصحب والجيران.

وإنّ هذه الأمور -لعمر الحق- تجعل المسلمين لا يشعرون بأنهم عن نبيهم صلى الله عليه وسلم غائبون، وما أجمل البيت الشِّعري الذي  وَصَفََ المشتغلين بعلم الحديث النبوي الشريف والمُشغُولين به :

أهل الحديث هم أهل النّبي وإن

لم يصحبوا نفسه، أنفاسه صحبوا

ثالثا: ملازمة العلماء الربانيين:

منزلة العلماء الربانيين في الأمة بمنزلة الأطباء، وهم ورثة الأنبياء(4)، ولا تسمع منهم سوى (قال الله؛ قال رسول الله)، كما أن رؤيتهم تُذكر بالله، ولا تُُبصٍرُ في تعاملهم إلا التطبيق لما جاء في القرآن والسنة؛ حتى اعْتُبِرَ تقليد الناس لهم نوعاً من الاهتداء بأفعالهم، قال الشاطبي:”إذا كان كذلك و ثبت للمفتي أنه قائم مقام النبي ونائب منابه لزم من ذلك أن أفعاله محلُُّ للاقتداء أيضا”(5). لذلك وَجَبَ علينا التواصل معهم والحضور لمجالسهم.

وخاتمة الكلام، أيها الأخ الكريم؛ يجب علينا أن نسلك الطريق المستقيم، وننهل من ذلك المصدر المعين الذي يحقق لنا الصحبة المعنوية للرسول صلى الله عليه وسلم، والذي يُفعِّلُ فينا عملية التربية والتزكية على  يديه عليه السلام،  عسى أن تمتلئ قلوبنا بمَحَبَّتِهِ مَحَبَّةً حقيقية؛ فنَصْحَبَهُ صُحْبَةً أبدية، كما قال خير البرية صلى الله عليه وسلم : ((الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))(6).

———

1- هذه تفصيلات بسيطة في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أراد التوسع فلينظر كتاب “الشفا في التعريف بحقوق المصطفى” للقاضي عياض رحمه الله.

2- هذا جزء من حديث أخرجه الترمذي في سننه، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة، رقم (2678)، وقال: هذا حديث حسن غريب.

3- يجب الحذر من الاعتماد على  الأحاديث الضعيفة؛ لأن الإتباع لا يقوم على أساس الشك، كما ينبغي التحذير من بعض الأحاديث الواهية أو الموضوعة الموجودة في كتب الرقائق خاصة التي لم تحقق تحقيقا علميا محكما.

4- عن أبي الدرداء أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن العلماء ورثة الأنبياء, وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً, إنما ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر”. رواه أبو داود والترمذي.

5- “الموافقات” للإمام الشاطبي بتحقيق عبد الله دراز؛( ج : 4، ص: 248)

6- أخرجه الترمذي في سننه، حديث 3484، ( كتاب الدعوات، باب ” في فضل التوبة والاستغفار وما ذُكر من رحمة الله لعباده).

ذ. طارق زوكاغ

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>