نافذة على التراث


من أخبار الخنساء الشاعرة المشهورة

الخنساء بنت عمرو بن الشريد الشاعرة السلمية. قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم مع قومها من بني سليم فأسلمت معهم فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم كان يستنشدها فيعجبه شعرها، وكانت تنشده وهو يقول: “هيه يا خناس”. أو يومئ بيده. قالوا: وكانت الخنساء في أول أمرها تقول البيتين والثلاثة حتى قُتل أخوها لأبيها وأمها معاوية بن عمرو ،، وصخر أخوها لأبيها، وكان أحبهما إليها لأنه كان حليماً جواداً محبوباً في العشيرة ،، فلما قتل أخواها أكثرت من الشعر وأجادت.

وأجمع أهل العلم بالشعر أنه لم يكن امرأة قط قبلها ولا بعدها أشعر منها. وقالوا اسم الخنساء تماضر.

حضرت الخنساء حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال، فقالت لهم من أول الليل: يا بني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو  رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غبرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون”. فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها، وجللت ناراً على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها، عند احتدام خميسها، تظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة. فخرج بنوها قابلين لنصحها عازمين على قولها فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم وقاتلوا حتى قُتلوا رضي الله عنهم جميعا.

فبلغها الخبر فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة لكل واحد مائتي درهم حتى قبض رضي الله عنه.

> الاستيعاب في معرفة الأصحاب  لابن عبد البر

سيدة نساء العالمين

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كنت جالسة عند رسول الله رضي الله عنه، فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله، فقال مرحبا يا بنتي، فأجلسها عن يمينه أو عن يساره، فأسر إليها شيئا، فبكت، ثم أسر إليها شيئا فضحكت، فقلت: ما رأيت ضحكا أقرب من بكاء، استخصك رسول الله بحديث ثم تبكين! قلت: أي شيء أسر إليك رسول الله؟ قالت: ما كنت لأفشي سره. قالت: فلما قبض رسول الله رضي الله عنه سألتها فقالت: قال: إن جبريل كان يأتيني كل عام فيعارضني بالقران مرة، وإنه أتاني العام فعارضني مرتين، ولا أظن أجلي إلا قد حضر، ونعم السلف أنا لك، وقال: أنت أسرع أهلي بي لحوقا. قالت: فبكيت لذلك، ثم قال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو سيدة نساء العالمين؟ قالت: فضحكت.

> طبقات  ابن سعد

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله رضي الله عنه: “خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد رضي الله عنه”.

عن أنس، قال: قال رسول الله رضي الله عنه: “حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون”.

وعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله رضي الله عنه من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها، كما كانت تصنع هي به رضي الله عنه.

> الاستيعاب في معرفة الأصحاب

 أسماء بنت أبي بكر

أسماء بنت أبي بكر الصديق وأمها قتيلة بنت عبد العزى بن أسعد بن جابر بن مالك، وهي أخت عبد الله بن أبي بكر الصديق لأبيه وأمه.  أسلمت قديما بمكة وبايعت رسول الله وهي ذات النطاقين.

قالت رضي الله عنها: صنعت سفرة النبي رضي الله عنه في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة، فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر والله ما أجد شيئا أربطه به إلا نطاقي. قال: فشقيه باثنين، فاربطي بواحد السقاء، وبالآخر السفرة. ففعلت، فلذلك سميت ذات النطاقين.

تزوجها الزبير بن العوام بن خويلد، فولدت له عبد الله، وعروة، والمنذر، وعاصما، والمهاجر، وخديجة الكبرى، وأم الحسن، وعائشة.

وروي عنها أنها قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه. قالت فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤونته، وأسوسه، وأدق النوى الناضجة وأعلفه، وأسقيه الماء، وأخرز غربه، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، فكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق. قالت: وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله على رأسي، وهي على ثلثي فرسخ. قالت: فجئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله ومعه نفر من أصحابه، فدعا لي، ثم قال: إخ إخ ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبيرَ وغيرته. قالت: وكان من أغير الناس. قالت: فعرف رسول الله أني قد استحييت، فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب معه فاستحييت وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه. قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني.

> طبقات  ابن سعد

من مقامات خِطبة النساء

عن الأصمعي عن أبان بن تغلب، قال: أتيت المقابر فإذا أنا بصبية قد كادت تخفي بين قبرين لطافة… ثم قالت: اللهم إنك لم تزل قبل كل شيء وأنت بعد كل شيء وقد خلقت والديَّ قبلي وخلقتني بعدهما فآنستني بقربهما ما شئت ثم أوحشتني منهما إذ شئت، اللهم فكن لي منهما مؤنساً، وكن لي بعدهما حافظاً. قال، فقلت: يا صبية! أعيدي لفظك! فلم تسمع، ومرت في كلامها، ثم أعدت عليها، فنظرت، ثم قالت: يا شيخ! والله ما أنا لك بمحرم فتحادثني محادثة أهلِكَ، أهلُك أولى بك. قال: فاستخفيت بين القبور مستحييا مما قالت لي. ثم سألت عنها، فإذا هي أيِم. فأتيت صديقاً لي فقلت له: هل لك في أن يلم الله شعثك، ويقر عينك. قال: وما ذاك؟ قال: فوصفت له الجارية وما رأيت من عقلها وسمعت من كلامها، فقلت له: أبغض من مالك عشرة آلاف درهم، فإني أرجو أن تكون أحمد ما لك عاقبة، قال: فقال: قد فعلت، فخرجنا جميعاً أنا وهو حتى أتينا الخباء، فإذا نحن بعمها، فعرضنا عليه ذلك، فقال: يا هؤلاء! والله ما لنا في أمورنا ولا أنفسنا شيء معها، فكيف فيها، ولكن اعرضوا عليها ما وصفتم. ثم دخل الخباء فقال: ها هي ذي قد خرجت تسمع ما تقولون. قال: فجلست خلف سجف لها ثم قالت: اللهم حي العصابة بالسلام، واجزل لهم الثواب في دار المقام، قل يا عم. فأقبل عليها عمها فقال: أي مفداة هذا عمك، ونظير أبيك، وقد خطبك على ابن عمك نظيرك، وقد بذل لك من الصداق عشرة آلاف درهم. قال: فأقبلت عليه فقالت: يا عم أضرت بك الحاجة حتى طمعت طمعاً أخلّ بمروءتك! أتزوجني غلاماً حضرياً يغلبني بفطنته، ويصول عليّ بمقدرته، ويمنن عليّ بتفضله، ويقول ياهنه بنت الهنة، كلا! إن الله واسعٌ كريم. قال فرجعنا والله مَدحوضي الحجة، مردودين عن الحاجة.

>  بلاغات النساء  لابن طيفور

خولة بنت ثعلبة وعمر بن الحطاب رضي الله عنه

مر بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته والناس معه على حمار فاستوقفته طويلا ووعظته، وقالت: يا عمر قد كنت تدعى عميرا، ثم قيل لك عمر، ثم قيل لك أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب. وهو واقف يسمع كلامها. فقيل له: يا أمير المؤمنين؛ أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟ فقال: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة، سمع الله قولها من فوق سبع سموات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟

> تفسير القرطبي

خولة بنت ثعلبة وقوله تعالى: (قَد سَمِعَ اللهُ قَولَ الَّتي تُجادِلُكَ في زَوجِها) الآية.

عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله أبلى شبابي ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، قال: فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات (قَد سَمِعَ اللهُ قَولَ الَّتي تُجادِلُكَ في زَوجِها وَتَشتَكي إِلى اللهِ) رواه أبو عبد الله في صحيحه عن أبي محمد المزني، عن مطر، عن أبي كريب، عن محمد بن أبي عبيدة.

> أسباب نزول القرآن   للواحدي

 مخاصمة زوجة أبي الأسود لزوجها

خاصمت امرأة أبي الأسود أبا الأسود في ولدها إلى معاوية – وكان معاوية قد حج المدينة، وكان أبو الأسود كبيراً عنده يقرب مجلسه ويسأله عن أشياء، فيقول فيها بعلم – فقالت: أصلح الله أمير المؤمنين، وأمتع به! إن الله جل وعز جعلك خليفة في البلاد، ورقيبا على العباد، يستسقى بك المطر، ويستنبت بك الشجر، ويؤمن بك الخائف، ويردع بك الحائف، فأنت الخليفة المصطفى، والأمير المرتضى، فأسأل الله عز وجل النعمة من تغيير، والبركة من غير تقتير، فقد ألجأني إليك – ياأمير المؤمنين – أمر ضاق به عني الهم، ولينصفني من الخصم، وليكن ذلك على يديه، وأنا أعوذ بعد لك من العار الوبيل، والأمر الجليل، الذي يستتر على الحرائر ذوات البعول. فقال لها معاوية: من هذا الذي شعرك بشناره؟ فقالت: أمر طلاق كان من بعل غادر، لا تأخذه من الله مخافة، ولا يجد بأحد رأفة. قال: ومن بعلك؟ قالت: هو أبو الأسود. فالتفت معاوية إليه وقال: أحق ما تقول هذه المرأة؟ قال: إنها لتقولن من الحق بعضا، وليس يطيق أحدُ عليها نقضا، أما ما ذكرت من طلاقها فهو حق، وسأخبرك عن ذلك بصدق، أما والله ما طلقتها لريبة ظهرت، ولا من هفوة حضرت، كرهت شمائلها، فقطعت حبائلها. قال: وأي شمائلها كرهت؟ قال: إنك مهيجها علي بلسان شديد، وجواب عتيد. قال: لا بد لك من مجاوبتها، فأردد عليها قولها عند محاورتها. قال: هي ياأمير المؤمنين كثيرة الصخب، دائمة الذرب، مهينة للأهل، مؤذية للبعل، إن ذكر خير دفنته، وإن ذكر شر أذاعته، تخبر بالباطل، وتطير مع الهازل، ولا تنكل من صخب، ولا يزال منها زوجها في تعب. فقالت: أما والله لولا حضور أمير المؤمنين، ومن حضره من المسلمين، لرددت عليك بوادر كلامك بنوادر تردع كل سهامك. فقال معاوية: عزمت عليك لما أجبته! فقالت: ياأمير المؤمنين، هو والله سؤول جهول، ملحاح بخيل، إن قال فشر قائل، وإن سكت فذو ضغائن، ليث خبيث مأمن، ثعلب حين يخاف، شحيح حين يضاف، إن ألتمس الجود عنده انقطع، لما يعلم من لؤم أبائه، وقصور بنائه، ضيفه جائع، وجاره ضائع، لا يحمي ذمارا، ولا يضرم نارا، ولا يرى جوارا، أهون الناس عليه من أكرمه، وأكرمهم عليه من أهانه. فقال معاوية: ما رأيت أعجب من هذه المرأة! انصرفي إليَّ رواحا! فلما كان العشي جاءت، ومعاوية يخطب. فقال أبو الأسود: اللهم اكفني شرها! قالت: قد كفاك الله شري، وأرجو أن يعيذك من شر نفسك! فقال معاوية: ما رأيت أعجب من هذه المرأة، فقالت: إن هذا يريد أن يغلبني على ابني، وقد كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له فناء. فقال أبو الأسود: أبهذا تريدين أن تغلبيني على ابني، فوالله لقد حملته قبل أن تحمليه، ووضعته قبل أن تضعيه. فقالت: ولا سواء، إنك حملته خفا وحملته ثقلا، ووضعته شهوة ووضعته كرها. فقال معاوية: اردد على المرأة ولدها، فدفعه معاوية إليها.

> أمالي القالي

إعداد: الدكتور عبد الرحيم الرحموني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>