أوراق شاهدة – جغرافيات الكراهية المرعبة


السيناريو الأخيرلتفتيت الأمة يدخل مرحلته الحاسمة والتخطيط عن بعد ينجزه أكلة القصعة من أعداء الأمة وينفذه ببلادة وغفلة أبناء جلدتنا .

وقد فشل السيناريو الأول القاضي بإدخال أبناء الصحوة أفواجا أفواجا إلى المعتقلات بتهمة الإرهاب، إذ انقلب السحر على الساحر وتأكد بالملموس أن جل التفجيرات الانتحارية تمت بيد عملاء تابعين لأعداء الأمة، وبالمقابل حصدت الأمة دخول آلاف الغربيين إلى الإسلام إذ ظهر الحق وبطل ماكانوا يعملون، فكان لابد من إعداد السيناريو الثاني وهذه المرة من داخل الأمة لا من خارجها، كما تم في سيناريو الحرب على الإرهاب. وكان حطب هذا السيناريو الأنجع هو إثارة النعرات الدينية والطائفية وأكبرها نعرة السنة والشيعة، والمسلمين والمسيحيين إضافة إلى النعرات القبلية المحلية. وكل تلك النعرات مغلفة بورق إسقاط الفساد، وبالنتيجة فلا تكاد ـ في هذه الأيام العصيبة البلاء على المسلمين ـ  تجد في قطر من الأقطار العربية أمنا وطمأنينة سارية بلاغبش منغص. لقد عزت هذه الأيام وولت، وأينما أدرت وجهك  طالعتك الحرائق والفتن المتأججة المتلاحقة. فتن  تصورها كاميرات إعلام إفشاء أمراض المسلمين وهي تشهر عصا الشفافية والحق المقدس في الخبر، فلا تزيد الفتن  إلا انتشارا، وكل ذلك باسم إسقاط الأنظمة الفاسدة والبطانات الجشعة.

ومما يحز في نفس المسلم الغيور أن تهب كل هذه الثورات، ويرابط أصحابها بالساحات العامة وأمام شاشات الكمبيوثر فاتحين فخورين، فإذا ما دعوا للإدلاء برأيهم في هذا الحراك العنيف صالوا بتحليلات دنيوية مفصلة في ذكر مفاسد الحكام وجورهم تجاه شعوبهم، مستدلين بإحصائيات وشرائط فيديو صاعقة في ذكر مظاهر “الحكرة” وطغيان الحاكمين بأمرهم وطول نفس الثوار الجدد وعريكتهم التي لن تلين أبدا في مواجهة الجبارين .

ولا تكاد تجد منهم (إلا قلة) من يتوقف عند هذه الأحوال الكريهة المستديمة مستلهما كما قلنا في حلقات ماضية أمر الله عز وجل وحكمته في سريان تاريخ الأمم والشعوب، لإعادة هذه الفتن المتعاظمة إلى جذورها الكامنة في سلوك ومعاملات الشعوب، المفضية إلى تربص أعداء الأمة بها جزاء لإعراضها عن خالقها وتردي عقيدتها.

عقيدة ومعاملات  فاسدة فرخت أمراضا خطيرة لا تزيد إلا استفحالا، سقطت الأنظمة أم عضت على الكراسي بالنواجد، أمراض -دعوني أسميها- عاهات قلة الحياء وقلة الإيمان بالنتيجة، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحياء والإيمان قرناء إذا رفع أحدهم رفع الآخر).

هذه العاهات اتخذت لها أسماء خداعة من مثل: شجاعة وجرأة وجهاد عند إمام جائر بالنسبة لمن ركبوا موجة قلب الأنظمة، وهي بلطجة  وإرهاب وضربات للقاعدة عند مؤيدي هذه الأنظمة.

فإذا ما عرضت على ميزان الإسلام ميزان كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ظهر شذوذها وفداحة التردي الأخلاقي الذي أصاب  المسلمين الجدد إلى حد جعلهم يستحيلون إلى مفرقعات من الكراهية ترجمت إلى غارات وغارات مضادة لا بر لها ولا ساحل .

ولكم واسع النظر في حالات  سأعرضها عليكم بمغربنا الحبيب ولها شبيهاتها وأفدح منها بكل أقطار العالم العربي، وهي غيض من فيض حالات سفاهة وموت علني للحياء صادفتها خلال إبحاري في الأنترنيت وستدركون إلى أي حد ساء الحق في حرية التعبير واستحكم في الناس غول الكراهية وقلة الحياء.

وتتعلق الحالة الأولى بشاب مغربي لقب نفسه بالمعارض للنظام المغربي وقد أعد هذا الأخير شريطا استعمل فيه أسلوبا ساقطا وبالغ الاجتراء على القيم والمقدسات العليا للوطن ..وولجت إلى خانة ردود القراء على الشريط، فما قرأت إلا تعليقات جنسية وإباحية يشيب لها الليل الحالك في عز دلجته لا الوليد فحسب في رضاعه.

وفي حالة ثانية ، نقرت على شريط آخر لشاب مغربي لا يقل سفاهة من الأول حيث استعمل أغنية لا علاقة لها بالفن من قريب أو من بعيد ،فانتابني ألم وحزن طاغ لانحطاط قيم البعض من شبابنا حد الجهر بالسوء الفاحش والكلمات السوقية النابية لولي أمر أعطى كل الإشارات الإيجابية على انفتاحه وتقبله لحرية التعبير الرصينة والمقدرة للحدود والمقامات.

ألهذا الحد اختلطت القيم وغام زجاج البوصلة؟؟! وأي مستقبل لشبابنا أمام هذا التيهان من غير توجيه ولا رقابة ولا أخلاق ولا حياء لا من الله عز وجل ولا من عباده!!؟

وفي موقع آخر نقرت على موضوع يعرض هرطقات غريبة لأحد أعمدة خرجات ما سمي ب20 فبراير، وأصابني هذه المرة الغثيان الممزوج بالذعر، فعيار الاجتراء وقلة الحياء تجاوز كل المقاييس وانتقل من المخلوقات إلى الخالق مرة واحدة.

ومن مقتطفات هذه الهرطقات نقف عند استعلان الشاب المحترم إياه بعبه للخمر عبا وعلاقاته الجهرية  بالزنى بل واستمتاعه بها عبر الأنترنيت، وأشد إيلاما من ذلك، قول هذا الفاتح الاستثنائي متجرئا على الله جل جلاله وعلى دين الأمة، ومعتديا على حقوق المغاربة في تدينهم:

(بالنسبة لي فأصل بؤسنا وتخلفنا وعقدنا هو الدين، عندما نقرأ القرآن نشعر بأن الله لديه شيء ضدنا إنه غاضب منا ويحاول بكل الطرق أن يسير تصرفاتنا رغم أنه هو من خلقنا في هذا العالم، ماذا يعني: كاف ها عين ، صاد؟؟ التخربــيــق… القرآن خطاب،  والخطاب يجب أن يكون مفهوما.. إرسال الرسل والكتب السماوية تبدو لي فكرة مضحكة، إذا كان الله قويا بالفعل فإنني أتساءل حول قدرته على التدخل المباشر)؟؟؟؟؟؟

وغير بعيد عن هذا التجديف تعالى الله عنه علوا كبيرا، تتناسل موجة الكراهية والتراشق بالمتفجرات بأغلبية المواقع.

حتى الإعلام المسموع لم يفلت من طوفان الكراهية وقد  سمعت وأنا راكبة سيارة أجرة، أحد الشباب بإذاعة وطنية يعلق على نتيجة مباراة جرت بين الوداد والكوكب المراكشي وهو يتوعد خصومه من إخوانه المغاربة من المراكشيين يا حسرة بقوله : سنعلن عليهم الحرب؟؟؟

وعن العنصرية الجغرافية فحدث ولا حرج، أمازيغ و عروبية وفاسيين وصحراويين يعرضون عبر شاشات الحاسوب من الشتائم القدحية التعميمية ضد بعضهم البعض ما لن يستوعب تفاصيله معجبم كينيس للأرقام اقياسية، وقد نال إخواننا من أهل فاس ما لا طاقة لهم به في الأيام الأخيرة من السب والشتم، علما أن الخاطئين فيهم وفينا هدانا الله وإياهم لما يحب ويرضى قلة ليس لها أن تضع الفاسيين جميعا في نفس السلة، وفيهم العلماء والمجاهدون الوطنيون والمفكرون العباقرة كما في المغرب بل في الأمة جمعاء.

فيــا ألــلـــه!! كأننا ما تقلبنا في مدارس وكتب وبيوت إسلامية وما سمعنا أو قرأنا وحفظنا متون أحاديث السنة والسيرة  النبوية  التي تقطع دابر هذه الأمراض الحالقة والجاهليات المنتنة .

وتحضرني في السياق كلمات الشيخ المغربي ونحن بسيريلانكا، سريلانكا التي أجلت الحديث عنها  مرة أخرى إلى حلقة قادمة بإذن الله، وأنا أكتوي بنار الفتن التي تطل برأسها الجهنمي على أمتنا.

يقول شيخنا الجليل:

(لو انشغلنا بإصلاح الأعمال لما شغلنا الله بإصلاح الأحوال، علينا أن نتعب أنفسنا بإصلاح الأعمال عقيدة وعبادات ومعاملات ومعاشرات وأخلاق وإذا أصلحنا أعمالنا أصلح الله أحوالنا).

ومرة أخرى لن نغطي الشمس بالغربال بالتوقف عند انحرافات بعض شبابنا، وهم يعيشون انكشافا أخلاقيا ناتجا عن قصور أهل الدعوة والتربية والتوجيه في جملة منهم في الدعوة والتبليغ وتخلفهم عن جهاد الخروج إلى الشباب لتوعيتهم بمخاطر ركوب موجة الكراهية ووضعهم في صورة سيناريوهات الحروب الطائفية التي يشعل فتيلها، عن بعد، أعداء الأمة، لتدخل “بيتا بيتا ودارا دارا وزنقة زنقة” كما قال -في سياق دموي غير سياقنا- مجنون الحكم قذافي ليبيا.

الشباب الشباب يا علماء الأمة ويا مصلحيها يتفلتون إلى نارالفتن التي توقدها الصليبية والمسيحية ومومياءات الإلحاد المنبعثة من موتها لإعادة استعمار الأمة.

وهم يطلقون كرة نار خطيرة تجاه شبابنا مفادها أن السلطة يجب أن تكون الآن بيد شباب الفايس بوك شباب ضرب كل الممنوعات والمقدسات

وعلى شباب الفايس بوك شطب الشيوخ والمكتهلون في كل المواقع ، وبكل الأسلحة الممكنة، وتسليم المفاتيح للغلمان. وكل الجغرافيات العربية مرشحة للاستباحة .

وما كان هذا المكر على أمن المسلمين وبأيدي المسلمين من شبابه لتصل شرارته إلى مكة لولا تفريط المسلمين في مصل المناعة الحصين مصل الدين، مصل إقامة العدل وتوزيع الثروات بالحق والإنصات للنبض الجماهيري، مصل تجنب القهر والظلم وتكميم أفواه العلماء والدعاة والمصلحين إرضاء لكبراء بالخارج لا هم لهم إلا إهلاك جميع المسلمين.

وإلا فالمــــــــيزان جاهز و الديان لا يموت .. قال تعالى :{ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون}.

ذة. فوزية حجبي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>