تشكل اللغة واحدة من أخص مقومات الأمة، وواحدة من أهم خصائص هويتها الاجتماعية والحضارية، وبالنسبة للأمة المسلمة تشكل اللغة العربية العمود الفقري الذي تقوم عليه هويتها الإسلامية، فبها نزل القرآن وبها تشكلت الأمة عبر التاريخ وبوساطتها تأسست حضارة الأمة في شموليتها الدينية والفكرية والروحية والعلمية والمادية، وصارت بسبب ذلك جزءا لا يتجزأ من هوية الأمة ولا تنفصل عن الدين والتاريخ وحركة المجتمع المسلم في نظرته للحياة وحركة التاريخ والكون والمصير. بل اكتسبت قداستها من قداسة الوحي الذي نزل بها لأن الباري جل وعلا اصطفاها لتبليغ شرعه الحنيف فقال تعالى : {وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين}(الشعراء : 193- 195).
وقد أدركت الأمة في فترات عزها ومجدها قيمة اللغة العربية وسموها في فهم كتاب الله وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ، وأولتها مكانتها اللائقة بها من حيث الحفظ والصيانة والبحث العلمي والاجتهاد في توثيقها وتدوينها واستنباط قواعد الفهم والتأويل والتداول والتنافس في تعليمها وتعلمها وتداولها والتأليف بها وفيها، وجعلوا خدمة الدين متوقفاً على خدمة اللغة، والتفريط في اللغة تفريط في الدين، لذلك كانت العناية باللغة توازي أو تكاد العناية بالوحي وعلومه.
غير أنه لما آلت الأمة إلى الضعف والهوان وأصبحت عالة على الأمم وقصعة يتناهشها أعداؤها وصارت في موقع المغلوب المولع بالغالب بدأت تتخلى عن كثير من مقومات هويتها عن وعي أحياناً وعن وعي أحيانا أخرى، وبإرٍادتها تارة وعن قسر وقهر تارة أخرى.
ولما تدارك الله هذه الأمة بخيارها وإدراكهم لمسؤوليتهم ولخطورة المرحلة التاريخية فقد بادر هؤلاء في ربوع الأمة إلى تولي مهمة حماية اللغة العربية مما أصبح يعيقها من تحديات وتعزيز مكانتها لتؤدي دورها في حفظ هوية الأمة وضمان الأمن الثقافي والحضاري.
وفي هذا السياق جاء الملتقى الوطني الثاني للغة العربية، في موضوع: “دور اللغة العربية في حفظ الأمن الثقافي بالمغرب” الذي نظمته الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية ـ فرع فاس بالتعاون مع جامعة سيدي محمد بن عبد الله والمجلس العلمي المحلي بفاس ومجلس مدينة فاس يومي: 25- 26 ربيع الأول 1432هـ ، الموافق ل: 1- 2 مارس 2011م بقصر المؤتمرات بفاس، وقد حضرت جريدة المحجة أشغال الملتقى وانتقت للقراء الكرام ما ما يمكن أن يساعد في تنوير الرأي العام المغربي بأهمية هذا الموضوع.