ماذا لو صحونا يوما فوجدنا أن تاريخنا كله مغلوط؟!! وأن الذين دونوه إما أنهم مرتشون أو مساطيل؟.. التاريخ العربي إما أنه محاباة وتملق، وإما حقد ومكيدة.. في الأولى هناك مؤرخون من وسط البلاط الحاكم يأكلون من خيراته وتُقتطع لهم الأراضي، ويعبون من خزائن الدولة، فيجري الحبر من أقلامهم زُلالا ليصب في نهر الحاكم مدحا وطربا… وفي الثانية هناك الانقلابيون الذين يأتون على “دبابة أجيرة، أو ناقة العشيرة”(1) ومعهم حشود من المتملقين وأشباه المثقفين، ليلعنوا مرحلة ما قبل الثورة المجيدة، ويسودوا صحائف النظام البائد الذي كان عميلا للاستعمار وهكذا دواليك.. دواليك.. نصيب الشعوب العربية من كلا التاريخين هو مزيد من القهر والعسف وهضم الحقوق، لأن كُتَّاب التاريخ ومدونوه لم يضعوا رغبة الشعب ضمن اهتمامهم، وبدل أن يؤرخوا لتاريخ الأمة أرخوا لتاريخ الفرد الذي يجثم على صدرها.. فكان أن أصبح المثقف والمخبر وجهان لعملة واحدة :
فالأول يتهم كل محاولة للتحرر بالعِمالة، ويحصي كل كلمة حرة تروم إصلاح الأوضاع.
والثاني يحصي أنفاس الشعب ويراقب تحركاتهم وسكناتهم، والنتيجة أنه في غالب الأحيان يتحول الشعب برمته إلى أداة طيعة في يد الحاكم يصفق له متى يشاء، ويسكت متى يشاء، إلى أن تحين ساعة الانفجار التي يولدها الضغط المرتفع، فيأتي على الأخضر واليابس…
إن الشعب الذي يقول دوما “نعم” للحاكم جهرا، يقول ألف “لا” سرا، لأنه يخاف على حد قول الشاعر أن يجهر بها فترتد عكسيا عليه.
“صرخت لا من شدة الألم(2)
لكن صدى صوتي
خاف من الموت
فارتد لي نعم…”
———
(1) و (2) أحمد مطر من ديوان لا فتات.
ذ. أحمد الأشـهـب