إشراقة – تنبيه للمستفتي


الإكثار من الأسئلة مذموم، وخاصة فيما لا يفيد، أو في الأمور العويصة التي لا تنبني عليها مصلحة تذكر.

قال الله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم}(المائدة : 100). قال الإمام بن كثير رحمه الله : هذا تأديب من الله تعالى لعباده المومنين، ونهي لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها(1).

قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .. ما كانوا لا يسألون إلا عما ينفعهم(2) وفي الحديث الصحيح : “إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من يسأل عن شيء لم يحرم عليه فحرم عليهم. من أجل مسألته”. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ذروني ما تركتكم، فإن هلاك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم”(3)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لا تسألوا عما لم يكن، فإني سمعت عمر يلعن من سأل عما لم يكن. وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم : “نهى عن الأغلوطات”(4). فسره الأوزاعي فقال يعني صعاب المسائل.

وذكرت المسائل عند معاوية رضي الله عنه فقال أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن عضل المسائل، وفي  صحيح الإمام البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال، وإضاعة المال”، وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله : إذا أراد الله أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه الأغاليط. وعن الحسن رحمه الله قال : إن شرار عباد الله الذين يجيئون بشرار المسائل يعتنون بها عباد الله. وقال يحيى بن أيوب رحمه الله : بلغني أن أهل العلم كانوا يقولون إذا أراد الله أن لا يعلم عبده أشغله بالأغاليط.

قال الإمام الشاطبي رحمه الله أن كثرة السؤال ومتابعة المسائل والأبحاث العقلية والاحتمالات النظرية مذموم. وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وعظوا في كثرة السؤال حتى امتنعوا منه. وكانوا يحبون أن يجيء الأعراب فيسألون حتى يسمعوا كلامه ويحفظوا منه العلم. ألا ترى ما في الصحيح عن أنس قال : نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع(5).

فعلى الواعظ أن ينبه على هذا.

قال الإمام الأجري رحمه الله تعالى : إن سأله منهم سائل عما لا يعنيه رده عنه وأمره أن يسأل عما يعنيه، لا يعنف السائل بالتوبيخ القبيح فيخجله. ولا يزجره فيضع من قدره،.. يقبل على  من يعلم أنه محتاج إلى علم ما يسأل عنه، ويترك من يعلم أنه يريد الجدل والمراء، ويقرب عليهم ما يخافون بعده بالحكمة والموعظة الحسنة.

ثم قال : وإذا سئل عن مسألة فعلم أنها من مسائل الشغب ومما يورث بين المسلمين الفتنة استعفى منها ورد السائل إلى ما هو أولى به(6).

نعم رد السائل إلى ما هو أولى به كما فعل شعبة رضي الله عنه عندما جاء رجل فقال : يا أبا بسطام، حدثني بحديث حماد، عن إبراهيم أنه قال : لأن يلبس الرجل في طلب  العلم نعلين زمامهما من حديد فلم يجبه، فقال : يا أبا بسطام أنا رجل من أهل المغرب أتيتك لهذا الحديث من مسيرة ستة أشهر، فقال : ألا تعجبون من هذا؟ جاء من مسيرة ستة أشهر يسأله عن حديث لا يحل حراما، ولا يحرم حلالا، اكتبوا حدثني قتادة عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها. فقال له : إذا سألت فاسأل عن مثل هذا.

——-

1- مختصر التفسير للصابوني : 1/533

2- يعني أن هذا كان الغالب عليهم

3- متفق عليه

4- رواه الإمام أحمد بإسناده حسن

5- الموافقات : 4/234

6- أخلاق العلماء ص 36

 ذ. عبد الحميد صدوق

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>