ألم قلم - “لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم”


حديث نبوي مشهور، أو على الأقل هو قول مأثور يعود الضمير فيه كما هو واضح على النساء… على المرأة… المرأة التي كرَّم الإسلام قدرها وصان عفافها، وحمى شرفها، ورفع مكانتها، وضمن لها حقوقها، فلم يجعلها جسدا يباع ويشترى، أو سلعة تُمْتَرَى(1) يُذْهب بها أو تذهب هي من مكان إلى مكان، أو يؤتى بمن يراها هكذا من ألف مكان ومكان…

أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام وسيرته العطرة ناطقة بأكثر من دلالة في هذا الباب ومواقف تاريخية نيرة تنبض بالتقدير والتكريم، للمرأة، أي امرأة، وخاصة حينما تكون في موقف ضعف يُخشى عليها ما يُخشى.

هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يَعُسُّ(2) بالليل في المدينة، يسمع صوت صبية يتضرعون من شدة الجوع، وإلى جانبهم أمهم لا تستطيع فعل شيء ذي بال سوى محاولة إسكاتهم، فسارع بيده إلى إحضار الطعام وطبخه بنفسه لإطعامهم، إكراما لأمهم على صبرها وعفتها، إذ أن الطبخ باليد دون أن يكلفها هي بذلك دليل على هذا.

وهذا الخليفة العباسي المعتصم بالله، يبلغه أن امرأة مسلمة تستنجد به في بلاد الروم، فيسارع إلى نجدتها وحمايتها من الإذلال والعدوان.

لست بصدد تتبع المواقف التاريخية التي هي من هذا القبيل، فهي أكثر من أن يحاط بها، وهي تدل على إكرام الكرماء من الرجال للنساء.

ولكني استحضرت هذين الموقفين بالذات حينما شاهدت شريطا مصورا على اليوتوب بالشابكة، لأحد من جمع الألقاب من كل جانب، زعامة وريادة وقيادة، وهو يسوم بعض نساء شعبه سواء العذاب النفسي.. يتحول في أزقة عاصمة بلاده، محاط بزبانيته، فيلتقي، من بين من يلتقي، سيدة يبدو عليها أنها معدِمة (فقيرة) لا تستطيع حتى شراء الدواء، فينزع عنها أولا حجابها، ثم يخضعها لسلسلة من الابتزازات والمعاناة، وهي تبكي وتستغيث وتنكر كل ما ينسبه إليها من أباطيل، دون أن تجد منه أي شفقة أو رحمة..

استغربت من المشهد أيما استغراب، وقلت في نفسي لم كل هذا؟؟ أهو صاحب الألقاب العظيمة الكبيرة، أم هو شرطي أو بواب..؟! طبعا لا مقارنة بين هذا الموقف المخزي وبين المواقف التاريخية التي سبق ذكر بعضها، بل لا مقارنة بينه وبين أي موقف للزعماء الحقيقيين ممن يعيش في هذا العصر،…. بنفسه عن كل هذه السلوكات المشينة، سالكا بدل ذلك كل ما من شأنه أن يحببه للناس ويحببهم له، يستحق الزعامة عن حق وجدارة، لا عن زيف وادعاء. بل إن مقارنة بسيطة بين المشهد السابق المخزي، وبين مشاهد أخرى لزعماء معاصرين، تُشاهَد أيضا على الشابكة، وهم يقابلون مواطنات بلدانهم، تنبئ بشكل واضح عن فظاعة معاملة صاحب الألقاب للمرأة التي هي المدرسة الأولى لكل ناشئ.

ثم بعد هذا وقبله، لماذا المرأة بالذات؟ ألأنها مخلوق ضعيف كما يتوهم المتوهمون؟ أم أن الأمر يتعلق برغبة في الإهانة؟ أم لشيء آخر؟؟.

إن المرأة التي لا يكرمها إلا كريم، ولا يبغضها إلا لئيم/ إنها المرأة التي سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات وهي تجادل خير البرية صلى الله عليه وسلم في زوجها الذي انتقص من قدرها، فكيف بمن تشكو ربها ما حصل لها من الإذلال والإهانة وهي تجادل من أراد أن يبدل كلام خالق البرية ويطعن في سنة خير البرية.

—–

(1) تمترى: امترى السلعة جلبها للبيع

(2) يعس: يطوف بالليل يحرس الناس ويكشف أهل الرِّيبة.

د. عبد الرحيم بلحاج

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>