قـوانـيـن  الـقـرآن  الـكـريــم(7) قـــانــون الأمــن


لأمن للمؤمن التقي خاصة دون غيره

…لا زلنا في قوانين القرآن، والقانون اليوم قانون الأمن، ولكن بادئ ذي بدء، لقد أودع الله في الإنسان حاجة إلى الطعام والشراب حفاظا على وجوده، وأودع في الإنسان حاجة إلى الجنس، أو إلى الطرف الآخر، حفاظا على بقاء النوع، وأودع في الإنسان حاجة ثالثة إلى تأكيد الذات حفاظا على بقاء الذكر، ولكن الحاجة إلى الطعام والشراب مقترنة بالحاجة إلى الأمن،فأنت في خوف الفقر في فقر، وأنت في خوف المرض في مرض، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، لذلك حينما امتن الله على عباده بأعظم نعمتين ذكرهما في القرآن الكريم قال {أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}(قريش : 4- 5). وأحيانا يعاقب الله المنحرفين والذين طغوا وبغوا بعقابينشديدين، إنه يسلب منهم نعمة الأمن ونعمة الشبع. قال تعالى : {ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}(النحل : 114) إذن هناك حاجة أساسية إلى الطعام والشراب وإلى الأمن، ولكن قد لا يخطر في بال الإخوة الكرام أن نعمة الأمن يتميز بها المؤمن وحده، وليس أحدا غير المؤمن قال تعالى “فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون}(الأنعام : 82) أي الفريقين؟ {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}(الأنعام : 83).

من خلال هذه الآية يتضح أن قانون الأمن أساسه الإيمان بالله، الإيمان الذي يحمل على طاعته، والإيمان الذي يمنعك أن تؤذي مخلوقا، وشيء آخر ألا يقع في ظلم لمن حوله، لذلك سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام جاء في القرآن على لسانه {وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا}(مريم : 30) فنعمة الأمن ثمنها إيمان يحمل صاحبه على الاستقامة، والشيء الآخر أن يبتعد عن إيذاء أي مخلوق ظلما وعدوانا.

 سر السعادة بالأمن في الافتقار العبادي والتقرب الريادي إلى الله

ولكن حينما يقول الله عز وجل {إن الإنسان خلق هلوعا}(المعارج : 19) يعني أصل خلقه في نقطة ضعف… هناك نقطة ضعف في أصل خلقه، هذه النقطة في الأصل لصالحه… ومعنى هلوع جاء التفسير بعدها {إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين}(المعارج : 20- 22) فهذا الخوف وهذا الهلع وهذا الحرص على ما في يد الإنسان علاجه الاتصال بالله عز وجل… فالمصلون مستثنون من هذا الحكم، لكن كما ورد في بعض الآثار القدسية “ليس كل مصل يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي وأطعم الجائع وكسا العريان ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجههلأوضأ عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهلة له حلما والظلمة نورا يدعوني فألبيه ويسألني فأعطيه ويقسم علي فأبره أكلؤه بقربي وأستحفظه ملائكتي مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حالها”.

…حقيقة دقيقة جدا هي أن الله لو خلق الإنسان قويا لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه، خلقه ضعيفا ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره، هي حكمة بالغة، بل إن هذا الخوف والهلع الذي ركب في أصل خلق الإنسان هو لصالحه تماما كنقطة ضعيفة في سير التيار الكهربائي في الآلة تسمى اليوم بـ”الفيوز” هذه النقطة الضعيفة لصالح الآلة، لو جاء تيار شديد، هذه الوصلة الضعيفة تسيح فينقطع التيار ونصون بها هذه الآلة. إذن خصائص الإنسان أنه هلوع وأنه عجول وأنه ضعيف.

منميات الأمن ومقوياته

التوحيد يطرد الخوف من نفس الإنسان قال تعالى  : {فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين}(الشعراء : 213) يعني أحد أكبر أسبابالعذاب أن تدعو مع الله إلها آخر…فالتوحيد يطرد الخوف من قلب الإنسان، المؤمن حينما يتصل بالله عز وجل يرى أن الأمر كله بيده، هو الرافع هو الخافض، هو المعز هو المذل، هو المعطي هو المانع، هو الذي يعطي ما يتمناه الإنسان، هو الذي يصرف السوء عن الإنسان، هذه المعاني التوحيدية تطرد الخوف من نفس الإنسان، وحاجة الإنسان إلى الأمن حاجة ثابتة.

…لو قرأنا قوله تعالى : {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا}(فصلت :29) آية رائعة قد لا ننتبه لدقة معانيها “ألا تخافوا” يعني في المستقبل “ولا تحزنوا” على الماضي، فكأن هذه الآية غطت الماضي والمستقبل.

هناك آية أخرى {فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}(البقرة :37) لو جمعنا الآيتين، الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه،ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت. يعني اللهعز وجل حينما يقول {أقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر}(العنكبوت : 45) قال بعضهم: ذكر الله أكبر ما في الصلاة، لكن بعض العلماء يقول: ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية تجاهه، لكنه إن ذكرك منحك نعمة الأمن، أكبر عطاء إلهي أن تتمتع بالأمن، وفرق دقيق بين السلامة والأمن، السلامة ألا يحصل مكروه، لكن الأمن ألا تتوقع هذا المكروه، حالة ينعم بها المؤمن، وفي نفس المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، ثمن الأمن أن تؤمن بالله الإيمان الذي يحملك على طاعته، وألا تظلم مخلوقا، عندئذ تتميز وتنفرد بهذه النعمة التي عزت على معظم الناس ألا وهي نعمة الأمن. وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى…

لخبير الجمال الدعوي الدكتور محمد راتب النابلسي

> أعده للنشر ذ. عبد المجيد بالبصير

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>