قولة: “لادِين في السِّياسة” لا تُعفِي من المسؤولية ولا تُنْجي من المُحاسَبة 1


هذه المقولةُ نبْتَةٌ غريبةٌ أُسْتُنْبِتَتْ فِي غيْر تُرْبتها :

المسلمون منذ عرفُوا الدِّين من أول مرّة عرَفوه على أنَّهُ عقيدةٌ وشريعةٌ، أيْ إيمانٌ باطِنيٌّ جَازم بأن الله عز وجل لمْ يَخْلُق الإنسانَ عبَثَا، ولمْ يخْلُق السماواتِ والأرضين لهْواً ولعباً، ولكنّهُ سبحانه خَلَق الأكوانَ مُسخّرةً للإنسان، وخلَقَ الإنسان لعبادَة الله تعالى، ولكنَّهُ لا يسْتطيعُ من تلْقاءِ نفْسِه أن يَعْرف كيف يعْبدُ الله تعالى، فكَانَتِ الشريعةُ منهاجاً وإرشاداً له إلى الكَيْفِيّة الصّحِيحة التي يرْضاها الله تعالى لعبَادَتِه في كُلِّ شأْنٍ من شؤون الحياة، صغيراً كان أم كبِيراً، سِرّاً كان أم عَلَناً، سياسةً وحُكماً وقضاءً أو تأسِيساً للأسر وتربية للأولاد وبراً بالوالدين، سفَراً أو حَضراً، سلماً أو حرْبًا، نوماً أو يقظة، شعارُ المُسْلم في كل ذلك :

> {قُلْ إنّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايْ ومَمَاتِيَ للّهِ ربِّ العَالَمِين لا شَرِيك لَهُ وبِذَلِك أُمِرْتُ وأنَا أوَّلُ المُسْلِمِين}(الأنعام : 165).

> {إنّما كَانَ قوْلَ المومنين إذَا دُعُوا إلى اللّه ورَسُولِه ليَحْكُمَ بَيْنَهُم أن يَقُولُوا سَمِعْنا وأطَعْنا وأُولَئِك هُم المُفْلِحُون ومَنْ يُطِع الله ورسُولَه ويخْشَ اللَّهَ ويَتَّقِهِ فأُولئِك هُمُ الفَائِزُون}(النور : 50).

> {ومَا كَان لمُومِنٍ ولا مُومِنَةٍ إذَا قَضَى اللّهُ ورسُولُه أمْراً أن تكُونَ لَهُم الخِيَرَةُ مِن أمْرِهِم}(الأحزاب : 36).

هذا هو دينُنا الذي ينْطِق به كِتابُنا، وبُعِث به رسُولُنا ليكُون الإنْسانُ عبداً لله تعالى بالاخْتِيار كما هُو عَبْدٌ للّه بالاضْطِرار، ولا سَبِيل لذلك إلاّ :

1) أن يكون باطِنُه مُخْلِصاً لله تعالى، يعْمَلُ كُلّ شيء، ويفكِّر في كُلِّ شيءٍ تقرباً لله تعالى وحْدَه بدون مراعاةٍ لرضَى الناسِ عنه أو سخَطهم عليه، وبدُون خوْفٍ من سلطة فلان أو علاّن، سواءٌ كان فلانٌ شخصاً أو حاكماً أو نظاماً دوليّاً أو غير ذلك.

2) أن تكون أعمالُه وفْق ما شرعَه الله تعالى في كتابه وسنة نبيِّه.

3) أن يعْلَم الإنسانُ تمامَ العِلْم ويقِينَه أن اللّه عزوجل لا تخْفَى عليه خافيةٌ مِنْ سرِّه وعلانِيتِه {ولَقَدْ خلقْنا الانْسانَ ونعْلَمُ ما تُوسْوسُ به نفْسُه ونحْنُ أقْربُ إلَيْه من حَبْلِ الورِيد إذْ يتلقَّى المُتَلَقِّيانِ عن اليَمِين وعن الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِن قوْلٍ إلا لَدَىْه رقِيبٌ عتِيدٌ}(ق : 18).

4) أن يعْلَم تمامَ العِلْم أنّهُ مُؤاخَذٌ ومحاسَبٌ على كُلِّ أَعْمالِه ونوايَاهُ، إِنْ خَيْراً فخيْرٌ، وإن شرّاً فشرٌ {فمَنْ يعْمَلْ مِثْقال ذرّةٍ خيْراً يَرَهُ ومَنْ يعْمَلْ مِثْقَال ذَرّةٍ شرّاً يَرَه}(الزلزلة : 9) {ونَضَعُ المَوازِينَ القِسْطَ ليوْم القيَامَة فلا تُظْلَمُ نفْسٌ شَيْئاً وإن كان مِثْقالُ حَبّةٍ مِن خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها وكَفَى بِنا حاسِبين}(الأنبياء : 47).

أمّا الذين قالوا عَلَناً أو مارسُوا ذلك عملاً : >لا دِينَ في السِّياسةِ ولا سِياسةَ في الدِّين< فإنَّهُم قالوا ذلك :

1) ليرُدُّوا على كُلِّ عُلماءِ الأمّة ودُعاتها وجمهورها الذين حاصَروا الحكّام بالمُطَالبَةِ بتَطْبيق الشّريعةِ الإسْلامية ليكمُلَ تدَيُّنهُم وخضوعُهم لله تعالى إيماناً وحُكْما وشريعةً وأخلاقاً، فأرادُوا أن يخْرُجُو من هذا الحصار بجَعْل السّياسةِ خاضعةً للأهْواء ولا دخَل للدين بها ناسين أو متناسين قوْل الله تعالى : {وأنْ احْكُمْ بيْنهُم بِما أنْزَل اللّه ولا تتّبِعْ أهْواءَهُم}(المائدة : 51)، وقول الله تعالى {ومَنْ أحْسَنُ من اللّه حُكْماً لقَوْمٍ يُوقِنُون}(المائدة : 53).

2) ليُمَنُّوا أنْفُسهُم بالأماني الكاذبة التي تُخيِّلُ لهُمْ أنّهُم مُطْلَقُوا اليَد في شعُوبهم، غيْر مُحاسَبينَ ولا مؤاخذين {ليْس بأمانِيِّكم ولا أمانيِّ أهْلِ الكِتابِ مَنْ يعْمَل سُوءاً يجْزَ بِه ولا يجِدْ له من دُونِ اللّه ولِيّاً ولا نَصِيراً}(النساء : 122).

3) لتأثُّرِهِمْ بالتّيّارات الوافدَة على ديار الإسلام من وراءِ البحار، ولبُعْدِهم عن الثّقافة القرآنية، فكثْرةُ مُعاشَرة أهْل الدّنيا من الذِين يُنكرُون وجُودَ الآخرة، ويُنْكِرُون وجُودَ الحِساب، والذِين يَقُولُون -لعُلُوِّهم وطُغْيانِهم وتكبُّرهِم وانْغماسِهم في الأحْلام الورْديّة- : اللّهُ عَزّ وجلّ لنَا وحْدَنا {نحْنُ أبناءُ اللّه وأحِبّاؤُه}(المائدة : 20) والدّنْيا لَنا نتَصَرّف فيها كَما نَشاءُ بدون حِساب {وقَالُوا ليْسَ عَليْنا في الامِّيين سَبيل}(آل عمران : 74) والجنّةُ في الآخرة لهُم {وقَالُوا لنْ يَدْخُلَ الجنَّة إلاّ منْ كان هُوداً أو نَصَارَى}(البقرة : 110).

فكثْرة التّلَقِّي مِن هؤلاءِ، وكثْرةُ الاعْتماد عليهم في الفِكْر والتّوجِيه، وتصْنِيع البِطَانةٍ مِنْهُم… كُلُّ ذلك يُورث الثّقة بهم، ويُنْسِي الثقَةَ بالله تعالى ورسوله والمومنين، ويُغَيِّبُ الإنْسان الغافِلَ تماماً عن الموْتِ وسكْرتِه، والقَبْر وغُمّتِه، والحشْر وفضْحَتِه {وكَذَلِك نُوَلِّي بعْضَ الظّالِمِين بعْضاً بِمَا كَانُوا يكْسِبُون}(الأنعام : 130) {كلاّ بل رّانَ على قُلُوبِهِم ما كَانُوا يكْسِبُون}(المطففين : 14).

حصَادُ هذِهِ الأوْهامِ وهذِهِ الأمانِي :

الحصادُ مُرٌّ على كُلِّ الأصْعِدَة، قال صلى الله عليه وسلم : >ألا كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُم مسْؤولٌ عن رعيّتِه : فالإِمامُ الذي على النّاسِ راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيّته، والرجُل راعٍ على أهل بيْتِه وهو مسؤول عن رعيته، والمرْأةُ راعِيةٌ على أهل بيْتِ زوجها ووَلدِه وهي مسؤولة عنْهم… ألا فكُلُّكُم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيّته<(متفق عليه).

بما أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعَل الإمام الذي على الناس هو المسؤول الأول عن الشّعوب المسلِمة فإن عُلماء الإسلام جعَلُوا من صِفاتِه الأولى : العِلْمُ بالدِّين والشريعة، والسّلامةُ من العُيُوب الخِلْقية والخُلُقِيّة، والصلابةُ في إقامةٍ العَدْل والحقّ بين الناس بدون أن تأخُذه في الله لوْمة لائم، وقد وصَف الله عز وجل طالوتَ الذي اصطفاه للحكم فقال فيه {إنّ اللّه اصْطَفَاه علَيْكُم وزَادَهُ بسْطَةً في العِلْمِ والجِسْم}(البقرة : 247).

أما المُهمّة الأولى فهي : حمايةُ بيْضةِ الإسلام، وإقامة العدْل بيْن الرّعيّة، وإحسانُ تدْبير كُلِّ شؤون المسلمين، من أصْغرها إلى أكْبرها، والسّعْيُ لتبْصيرها بواجباتها وحُقوقِها المشروعة فيغير عَنتٍ ولا إرهاق.

> فهَلْ شعوبُنا المسلمة في المُسْتوى المطلوب من حيثُ العلمُ بالدِّين والالتزام بأخلاقه؟!

> وهل شعوبنا في المستوى المطلوبِ من حيث التعبئةُ التامةُ للدفاع عن الدِّين والتضحية بكل شيء في سبيله؟!

> وهل شعوبنا في المستوى المطلوب من حيث الكفاءةُ العلمية والمِهْنية والصناعية والتجارية؟!

> وهل شعوبنا في المستوى المطلوبِ من حيثُ الشُّورى والنصْحُ للمسؤولين بكل حرية وصدقُ وإخلاص؟!

> وهل شعوبنا في المستوى المطلوب من حيث التكافُلُ والتضامُن والتلاحُم في البأساء والضراء؟!

> وهل شعوبنا في المستوى المطلوب من حيثُ الالتحامُ بين القمة والقاعدة؟!

> وهل أئمتُنا وقادةُ شعوبنا في المستوى المطلوب من حيث التعبيرُ عن طموحاتِ الشعوب وآمالها سواءٌ في خطاباتهم أو مُؤْتمراتِهِم أو سياساتهم وتخطيطاتهم واهتماماتهم؟!

إذا كانتْ شعوبُ الدُّنْيا كلها تًسِيرُ إلى الأمام فإن شُعُوبَ الدُّنْيا والدِّين، وشعوب الدّنيا والأخرى تسِيرُ إلى الخلْفِ لأن كبارَها جَهَّلُوها بالدِّين والدّنيا، وجعلوها تعيش تائهة بدون هَدَف واضحٍ تسْعى لتحقيقه، وبدون حماسٍ يدفعُها للاستِماتَةِ في بناءِ حضارةٍ إنسانيةٍ واعية ورشِيدة!!

فهل هناك مرارةٌ أشدُّ من مرَارَةِ العَيْش في ظلاَم الأهداف؟! وظلامِ الجَهْل والكَبْتِ للإرَادَاتِ؟! وظلام الاسترقاق لأرْبَاب الدّينار والدِّرهم؟!

حسابُ الدنيَوِيِّين ليْس كَحِساب المنْتَمين للإسْلام!!!

إن المؤمنين بالحياة الدُّنيوية وعُبّادَها هِي فقط يُسْألون سؤالاً واحداً هو : {ألمْ ياتِكُم نَذِيرٌ}؟! ليبلّغكم بأن ربَّ الدّنيا والدين هو وحْده المستحِقُّ للعبادة؟! فيكون جوابُهم : {بَلَى قدْ جَاءَنا نَذِيرٌ فكَذَّبْنا وقُلْنا : ما نزّلَ اللّه مِنْ شَيْءٍ إنْ انْتُم إلاّ في ضَلاَلٍ كَبِير} ثم يُقِرُّون -مخْزيِّىن مُبَّكّتِين مِن قَلْب أتُونِ العَذَاب- بأنهم كانُوا  غَيْر عاقلين عندما جاءَهُم النّذِيرُ، ولكنّهُم كانُوا سكارَى بحُبِّ الدنيا وزينتِها، ولذلك اسْتحقوا ماهم فيه من العذاب والهوان {وقالُوا : لوْ كُنّا نسْمَعُ أو نعْقِل مَا كُنّا فِي أصْحابِ السّعِير فاعْترفُوا بذنْبِهِم فَسُحْقاً لأَصْحابِ السّعِير}(الملك : 11).

فهؤلاء الدنيويّون يُسْألُون عن أصْل الإيمانِ ثم بعد ذلك يُجازَوْن على كُفرهِم بالآخرة، أما المُنْتَمُون للإسلام الذين يقُولُون : >لا إلَه إلاّ اللّه مُحَمّدٌ رسُولُ اللّه< أي يُقِرُّون بأنه لا معْبُود بحقٍّ إلاّ اللّه تعالى، ولا متْبُوع بحق إلا رسول الله تعالى، فإنّهُم سيَطُول وقُوفُهم وتتنَاسَلُ أسْئِلَتُهُم كُلُّ بحسَب وضْعِه ومسْؤُوليتِه التي تحَمَّلَها في الدّنيا، عن نفسه وأُسْرتِه وأولاده وجيرانه، ووظِيفته، وشبابِه، ومالِه، ومقْدارِ محبّتِه لدين الله تعالى، ومحبّة رسُولِه، وكيف كان اهتمامُه بالدين والدّعوة إليه؟! وعلى قدْر الجواب المشْهُود علَيْه من الجُلُودِ والجوارح يكُون الجزاءُ مع عفْوِ الله تعالى ورحْمته الشامِلَتَيْن لكُل ذَوِي النّوايَا الحسَنة من أصْحَاب الصِّدْق والإخلاص!!!

هذا بالنسبة لكل مُسْلم، أمّا منْ توَلَّى شَيْئاً من أمُورِ المسلمين فهو مسؤول -زيادةً على ما سَبَق- عن شُؤون من توَلَّى أُمُورَهُم، مسْؤولٌ عن الصغيرة والكبيرة من أمورهم، عن تعْلِيمهم دينَهم أولاً ليسْتقيمُوا، وتكون حياتُهم كُلُّها مشْمُولةً بالرّحمة والبركة ومسؤولٌ عن أمْنِهم الرُّوحيٍّ، والغذائي، والسياسيّ، والقضائي، ومسؤولٌ عن تعبئتهم ليكونوا دائماً جُنُودَ الله المُخْلِصِين المُنافحين عن الدّين بالغالي والنفيس، ومسؤولٌ عن الإعلامِ الذي ينبغي أن يكون إعْلاماً مُجنّداً لخِدْمة الرسالة الإسلامية، ومسؤول عن حماية الأوطان والدفاع عنها ضد الغزْو المادّي، والغزْو النّفسي والفكري والإعلامي، ومسؤول عن السّعْي الجادِّ لتوحيد كلمة المسلمين في كل بقاع الدنيا، فإذا قامَ بكل ذلك كان من السّبْعة الذين يُظلُّهم الله في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّه، قال صلى الله عليه وسلم : >سَبْعةٌ يُظِلُّهم الله في ظِلِّه يوم لا ظِلّ إلا ظِلّه : الإمام العادِل…<(متفق عليه).

لأن هذا الإمامَ العَادِل يعْتَبِرُ السِّياسَةً جُزْءاً أساسِيّاً من الدِّين، بل يعْتبرها هي الترجمةَ الصّحيحة لجَوْهر الدين، لأن الدين ما جاءً إلا لإقامة العدْل بين الناس {لَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلَنا بالبَيِّناتِ وأنْزَلْنا معهُم الكِتابَ والمِيزانَ ليَقُوم النّاسُ بالقِسْط}(الحديد : 24) ولوْ لمْ تَكن السياسةُ من صُلْب الدّين ما كان للأئمة العادلين الجزاء الذي تقدّم، والجزاء الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : >إن المُقْسِطين عنداللّه على منابِر من نورٍ، عن يَمِين الرّحْمان عز وجل -وكِلْتا يَدَيْه يَمِينٌ- الذينَ يعْدِلُون في حُكمِهِم وأهْلِيهم وماوَلُوا<(رواه مسلم).

ولما كان للظّلمة والفسَقَة والفَجَرةِ من المسؤولين هذا الجزاء، قال صلى الله عليه وسلم : >مامِنْ عَبْد اسْترْعاه الله رعيّةً فلمْ يُحِطْها بالنّصِيحَة إلاّ لمْ يجد رائحة الجنة< وفي رواية  : >ما مِن والٍ يلي رعيّةَ المسلمين فيموتُ وهو غاشٌّ لهُمْ إلا حرّم الله عليه الجنة<(رواه الشيخان). وقال صلى الله عليه وسلم : >إذن شرّ الرّعاءِ الحُطَمةُ<(رواه مسلم).

والحُطمة : الراعي الظّلُومُ الغَشُومُ الذي يُحطِّمُ آمَالَ الناسِ وطموحاتِهم العِلمية، والدّعوية، والسياسية، والاجتهاديّة، والإبداعية، والأخرَويّة، والإصلاحية، فالحُطمة باسْتِبْدادِه الخانِق يخْنقُ أنفاسَ كُلّ حركة تَغْييريّة تسْتهْدفُ تجْدِيد الحياة، وتجديدَ النشاط، و تجديد الطموحاتِ المختلِفة، إذ يزْرَعُ اليأسَ والقنوطَ في كل جوانِب الحياة على سَعَة رحْبَتِها، مع أن اليأس في الإسلام حَرام {إنّهُ لا ييْأَسُ من رَوْحِ اللّه إلا القوْم الكافِرُون}(يوسف : 87).

فالذين يتذرّعُون بمقولة >لادين في السياسة< ليوهِمُوا أنفسهم أنهم مبرَّأُون من المساءلة والحساب هم واهِمُون، بلْ إن الله عز وجل سيسألهم عن الطريقة التي وصَلوا بها للمسؤولية : هلْ هي شرعيّة أم غير شرعية؟! وسيسألهم عن أسْباب تخلُّفِ شعوبهم في أي ميدان من الميادين البانية للحضارة  الراقية؟! وسيسألهم عن الاجتماعات الدّوْرية سواء في إطار الأقاليم، أو إطار العُروبة، أو إطار الإسلام، أو إطار الإعلام، أو  إطار الداخلية والقضاء، أو إطار العلم، أو إطار السياحة.. ماذا كانت نتيجة تلك الاجتماعات؟! هل كنتم مخلصين في عَقْدها أم مُجرّد متاجرين مُمَوِّهين غاشِّين؟! وكم أنفقتم فيها من أموالالشّعُوب وثرواتها؟! هلْ كُنْتُم تُقَدِّرُون مِقدار التحْطيم لآمال الشعوب حينما تخْرُجون من اجتمَاعاتِكم صِفْر اليَدَيْن من النتائج المثمرة؟! هلْ تعرفُون مِقدار الخسارة التي سبّبْتُمُوها لشعوبكم من كثرة النزاعات والتقسيمات والتناحرات بِسَبب الاستبداد المتسلط على رقاب الشعوب؟!

أسئلة لا عدّ لها ولا حصْر استَحْضرها أبو بكر رضي الله عنه فقال : >والّه لوْ منَعُونِي عِقالاً كانوا يُؤدُّونَه لرسول الله لقاتلتُهم عليه< واستحضرها عمر رضي الله عنه فقال : >واللّه لو زلَقَتْ دابَّةٌ في العراق لظَننتُ أن الله سيحاسِبُني عليها< ونبهنا إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال : >لا يُومِن من باتَ شبْعانَ وجارُه جَوْعان -وهو يعلمُ-< فكيف يُومِن من باتَ متخماً وشعْبُه جوعان؟! وكيف يومن من بات آمناً وشعبُه خائف؟! وكيف يومن من حسابُه بالملايير وحساب شعبه بالملاليم؟! إن هؤلاء الواهمين يخدعُون أنفسهم وهُم يظُنُّون أنهم يخدعون الله تعالى الذي له بين كُلِّ أيمانهم وشمائلهِم قَعِيد {ولقَدْ خَلَقْنا الانسانَ ونعْلمُ وما تُوَسْوِسُ بِه نفْسُه ونحْنُ أقرَبُ إِلَيْه من حبْلِ الورِيد إذْ يتَلَقّى المُتَلَقِّيان عن اليمين وعن الشّمال قعيد ما يلْفِظُ من قوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عتِيد}(ق : 18).

فماذا يقالُ لهؤلاء المتسيِّسين بدون دين؟! يقال لهم ما قال تعالى {فَذَرْهُمْ يخُوضُوا ويَلْعَبُوا حتّى يُلاقُوا يوْمَهُم الذِي يُوعَدُون}(المعارج : 42).


اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

One thought on “قولة: “لادِين في السِّياسة” لا تُعفِي من المسؤولية ولا تُنْجي من المُحاسَبة