قـــوة الأمــة  فـــي صدق رجالها وقوة مشاريعها


لئن كان أبناء الأمة المسلمة قد قضوا قرنين من الزمان في محاولات النهوض بعد السقوط، والصحوة بعد الغفوة، وكان التعثر حظ كثير من تلك الجهود فلم يتحقق من الآمال والوعود الشيء الكثير، فإن الأمة اليوم أصبحت قادرة أكثر من أي وقت مضى على النهوض واستئناف المسير ومواجهة التحديات واستيعاب الأزمات والصدمات بما أصبحت تمتلكه من التجارب الرصينة والمقومات الذاتية والمؤهلات البشرية والعلمية والمادية لاستئناف الانطلاق والسير على هدى وبصيرة، ورؤية للمستقبل عميقة وسديدة، وبدأت تلوح مواكب رجال صادقين ومؤسسات علمية جادة تؤسس لمشاريع البناء والانطلاق من أجل التحرر والانعتاق من أغلال التبعية الجامدة وأوهام الحرية الوافدة.

وكم عانت الأمة من فقد الرجال والرواحل، ومن فقد المشاريع الصحيحة بسبب التيه والضلال بين الشرق والغرب، وكم عانت من نقص الرؤية السليمة والمناهج القويمة فلم تدرك المقصود وبعدت عن المطلوب وأهدرت الطاقات والجهود.

وليس من الأعمال والمشاريع ما يحقق للأمة استرجاع قوتها وفاعليتها مثل الأعمال التي تنطلق من فقه الدين وعلومه الخادمة له فقها عميقا، وترتيب الأولويات عن علم وبصيرة لتحديد واجبات الوقت التي يلزم الإسراع في تنفيدها لأنها تستجيب لضروريات وحاجيات الأمة، والتي يمثل الاهتمام الصادق بها دراسة ومدارسة وتنفيدا، طيا للمسافات واقتصادا في الجهد والطاقات، كما يمثل تحقيقها دفعا لمفاسد خطيرة وجلبا لمصالح كبيرة، وتأسيسا لجيل راشد متين وقوي أمين.

وفي هذا السياق يأتي مشروع “المعجم التاريخي للغة العربية” واحدا من أهم هذه المشاريع الفكرية والمنهجية البانية لفكر الأمة والذي تأخر وتعثر إنجازه لما يقرب من قرن، ولعل الله ادخر لأهل المغرب الفضل في حمل رسالته وتبليغها وتحقيقها، وتمثل ذلك في جهود معهد الدراسات المصطلحية ومؤسسة البحوث والدراسات العلمية(مبدع) اللذين أخذا على عاتقهما التأسيس العلمي الجاد في البحوث والدراسات الشرعية واللغوية، ومن أهم الأعمال التي أنجزت في هذا السياق الندوة الدولية التي نظماها معا أيام 22-23-24 ربيع الثاني1431هـ الموافق ل8-9-10-2010 بمدينة فاس  بتعاون مع جامعة سيدي محمد بن عبد الله وكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومنظمة الايسيسكو، في موضوع “المعجم التاريخي للغة العربية قضاياه النظرية والمنهجية والتطبيقية”.

وفي هذا العدد تنشر جريدة المحجة مقتطفات بارزة من بحوث هذه الندوة الفكرية العلمية الهامة تبين المقاصد والدواعي من إنجاز المعجم التاريخي والثغرات المؤمل منه سدها.

وأخيرا لابد من التأكيد على أن الأمل معقود في كل نهضة ومشروع على الرجال الصادقين لفتح الأوراش الحقيقية والخادمة لقضايا الأمة والداعمة لوجودها وريادتها ، إذ ثبت في تاريخ الأمم والشعوب أن قوة الأمة في قوة مشاريعها ، وقوة مشاريعها في قوة رجالها وصدق نواياهم ، وسداد منهج السير والعمل، وصواب الرؤية والتوجه.والأمل كبير في أن تكون هذه الندوة ومثيلاتها من هذا القبيل والله ولي التوفيق والهدي والرشاد.

 

 

 

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>