كلمة السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية د. أحمد التوفيق
ألقاها بالنيابة عنه السيد عبد الواحد بنداود رئيس مديرية التعليم العتيق :
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السيد الرئيس، رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله، أصحاب السادة والمعالي والسعادة والفضيلة.
أيها الأساتذة والعلماء الأجلاء، سيداتي سادتي.
يشرفني أن أتلو على حضراتكم كلمة الأستاذ السيد أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الموجهة إلى ندوتكم حاملا لكم سلام سعادته وأسفه لعدم تمكنه من حضور ندوتكم هذه والتي يرجو لها كامل التوفيق والنجاح.
الحمد لله رب العالمين والصلاة على خاتم النبيئين والمرسلين سيدنا محمد الأمين، عليه أفضل الصلاة والسلام إلى يوم الدين.
أيها السادة الأفاضل، أيتها السيدات الفضليات،
إنما أريد بهذه الكلمة الوجيزة أن أهنئ مؤسسة البحوث والدراسات العلمية على نشاطها متمنيا لندوتها في موضوع المعجم التاريخي للغة العربية كامل النجاح، إن الموضوع المطروح للبحث في هذه الندوة على ما يبدو ثمرة مخاض في التفكير طويل عسير وعربون عزيمة تقتحم المرام الصعب وكيف لا والأمر يتعلق بمجال بحث يستشرف لغة بكاملها حملت تاريخا كثيفا، هو تاريخ أمم متنوعة الثقافات البشرية والمشارب الحضارية.
لقد دخلت اللغة العربية بنزول الوحي بها تاريخها الكوني الذي استوعب كل أخلاق القرآن وهديه وأحكامه بدلالاتها الحقيقية والمجازية ودخلت هذه اللغة طوراً آخر باستيعابها لمتطلبات نقل علوم أجنبية من جهة، وباستجابة لمتطلبات حضارة شعوبها الذاتية من جهة أخرى. ثم طرأت عليها أطوار من التراخي في الخصوصبة والاستيلاد حيث وقع جزء عظيم من معجمها ومعانيها في ما يشبه الإهمال كما تدنى حسن التمييز بين مترادفها ثم حدث ما حدث من لقائها مع الحضارة الحديثة مع كل ما صحب ذلك من التطويع والتشويه. هذا التشويه الذي لا يعاب كله إن كان بعضا من عقابيل طفرة الحياة.
فكيف تتطلع ندوتكم، أو بالأحرى كيف يتطلع مشروعكم إلى استحضار مقتضيات هذا التطور لرصد أزمنة دخول الألفاظ إلى الاستعمال أو دخول المعاني القديمة على المعاني الجديدة؟ وكيف يمكن رصد تواريخ الميلاد لذلك اللفظ أو لذلك المصطلح والمعنى، علما بأن تاريخ اللغة العربية مرتبط في وثيرته بتاريخ أصحابها؟ ومهما يكن تصور العمل الذي تقتحمون أولى عقباته فإن اقتران التاريخ باللغة في إشكاليات هذه النظرية هو مكسب للطرح الفكري في حياتنا الثقافية والدينية المعاصرة لأن إنتاجنا العلمي حول لقاء اللغة بالتاريخ يكاد يكون منعدما بجانب كل ما اشتغل به الناس من غيرنا حول هذا الموضوع وما تدارسوه وما نشروه، ولا سيما في السنوات الخمسين الماضية.
وحيث إن النظر إلى اللغة في بعدها الزماني يفضي إلى النسبية في الفهم والبعد عن القطعيات المنزلات إذا تعلق الأمر باجتهادات البشر، ولو كان الأمر يتعلق بتفسير الوحي أو ما قارب ذلك فإن التركيز على القول بأن اللغة تاريخا هو مقوم تربوي ما أحوجنا إلى استثماره. وحيث إن المشروع موضوع الندوة لابد أن يتحقق بالتدريج فإنني أتصور أنكم ستبدؤون قبل الاشتغال على النصوص بحسب التخصصات العلمية والأنواع الأدبية ستبدؤون بالمعاجم العربية التي وضع معجمها استاذي أحمد إقبال شرقاوي رحمه الله.
إن موضوعكم إلى جانب خشونته وصرامته لا يخلو من طرافة تشبه طرافة اللعب وهكذا فلطالما استهوتنا حتى نحن الهواة من غير المتخصصين المقاربة التاريخية للغة بخصوص كلمات بعينها فعلى سبيل المثال أتذكر أن باحثاً استعمل في أطروحته كلمة “بواخر” للحديث عن السفن في ق 16م فنال بذلك تنبيه لجنة المناقشة كما أذكر أن عدداً من مؤرخي ق 19م المغربي قد ذهبوا إلى القول بأن كلمة “السيبة” التي تطلق على حالة جماعة من الناس ولا سيما في القبائل دخلوا في عصيان مع الدّولة المركزية ذهبوا إلى القول بأنها كلمة من اختراع رواد الغزو الاستعماري من الكتاب للطعن في هذه الدولة المخزنية بكونها ليست ذات سيادة ونفود على عدد من مناطق البلاد، وهذا يعني أن هؤلاء المؤرخين قد زعموا أن المصطلح ولد في سياق محدد في القرن 19، ومعلوم أن الكلمة موجودة بمعانيها المبينة في أقدم المعاجم العربية ولكن التنقيب يظهر أن فقهاء العصر المريني الأخير هم الذين استعملوا كلمة “السائبة” استعمالا لا قدحية فيه، إذ قصدوا الجهات التي لا تنالها الأحكام لشغور ناتج عن قصور يد الحكم المركزي، أو لوجود حاكم جائر.
أتوقف في هذا الاستطراد الذي لم أقصد به سوى إجزاء التحية للندوة في شكل غمزة، غمزة عجلى أغرى بها موضوعكم الفاتن واستصوبتها لَيْلاَهُ التي ستسفر لكم خلال أيام الندوة عن بعض المحاسن وعن كثير من النشوز والعناد، فصبرا جميلاً والسلام عليكم وبركاته.