هذا مـا أَبْـكَى ابـنَ الـمبارك!


تمر الساعات، وتتوالى الأيام، وتتعاقب الأعوام، وأغلبنا في غفلة، لا يندم ولا يتحسر على فائت ذهب من عمره وضاع منه خلسة ولا يستغل ما هو حاضر من وقته وزمانه، ولا يستعد لما هو قادم من أيامه إلى أن تحين ساعة الرحيل كما قدرها الله عز وجل، ف”لكل أجل كتاب”. ولو قرأنا كتاب ربنا، ونظرنا في سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام لأدركنا قيمة كل لحظة يهبها لنا الله تعالى في هذه الحياة، ولأدركنا كم هو جميل ورائع أن نستغلها في طاعة الله، فإنما الدنيا أيام مبادرة، من فاته اليوم شيء لم يدركه غدا”بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم”.

أوليس سيسألنا الله جل وعلا عن أعمارنا فيما أفنيناها وعن أوقاتنا فيما أضعناها؟ فما ذا يكون جوابنا وقد صارت حياة أغلبنا تفاهات وسخافات، وملأ أكثرنا أوقاتهم بالمنكرات والمحرمات، وأضاع كثيرون أعمارهم في الترهات والخزعبلات.

عندما أنظر إلى الآلاف من الناس يعدون  الغادي والرائح وهم جالسون في المقاهي يذبحون أعمارهم، وأنظر إلى آخرين وقد سرقت شاشات التلفزيون أوقاتهم، وأنظر إلى آخرين وقد أخذت منهم الأنترنت زهرة شبابهم وأنظر إلى كثير من أمثال هؤلاء أقول : اللهم لطفك بِعُبَيْدك. اللهم سلم سلم!!

دعنا من هؤلاء، فإن حالهم يثير الشفقة، ويدعو إلى نهضة علمية تربوية تحسيسية عامة شاملة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإصلاح ما يمكن إصلاحه، وهلم  أيها الأخ الفاضل لنتأمل أنا وأنت، ونتدبر سويا حالا من أحوال الإمام الفقيه المحدث الزاهد المجاهد عبد الله بن المبارك، وهو يبكي ويتألم ويتأسف على أوقات سلفت من عمره تقرب فيها إلى الله بطاعات وعبادات كان الأولى به أن يتقرب إلى الله فيها بطاعات أعظم مما فعل، قال القسوي رحمه الله : “كنت مع ابن المبارك في غزاة في ليلة ذات برد ومطر فبكى، فقلت : أتبكي من مثل هذا؟ فقال : إنما أبكي على ليال سلفت ليس فيها مثل هذا من الشدة لنؤجر عليها”(1)

فهيا بنا نجدد العزم، ونغير الوضع، ونستغل أوقاتنا فيما يرضي ربنا، قبل أن تنقضي سويعاتنا، وتنتهي ثوانينا، وقبل أن نفاجأ بأن سحرة العالم الجدد قد سرقوا منا الأعمار.

———-

1- ترتيب المدارك 3/42

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>