الرباعيات التي تؤكد أوزان التنظيمات والقيادات


قال أحد الزعماء الشيوعيين سياستنا لا تخطئ لأنها علم، وقال لينين زعيمهم الأكبر علينا أن نخرج أخطاءنا إلى الشارع ونغتالها علانية قبل أن تغتالنا، وأعتقد أن المعسكر الاشتراكي سقط جراء عدم تطبيقه هذه المقولة فاغتيل معسكرهم بالفساد المسكوت عنه مثلما اغتيل -مرحليا- المشروع الإسلامي بمثل ذلك الفساد المَسْكُوت عنه الذي يمارس بعض المناضلين وكثير من القياديين الإمعات إزاءه سياسة النعام فيتحدثون عن فساد الأنظمة واستبدادها وغلقها لأبواب الحريات وتكافؤ الفرص ولا يتحدثون البتة عن ما هو أدهى وأمر في الصف الإسلامي بالذات تحت ذريعة : “حتى لا نخرج غسيلنا للناس” فإذا هم غرقى وهلكى في ذلك الغسيل!

مبدأ العلمية في الدعوة والسياسة

يختلف مبدأ العلمية في الدعوة والسياسة عن مبدأ العلمية في العلوم الدقيقة إذ عندما تؤكد الرياضيات أن 1+1 يساوي 2 تؤكد الدعوة والسياسة في بعض الأحيان أن 1+1 يساوي ألفا وأن ألفا زائداً واحداً يساوي صفرا لأن جلب رجلين للصف من وزن العُمْرين كما كان يتمنى رسول الإسلام هما بمثابة 1+1 يساويان ألفا أو يزيدان.

وإضافة رجل فاسد إلى تلك الألف كحبة الطماطم الفاسدة. عندما توضع في الصندوق السليم لا سيما إذا أضيف إليهم ـ ليس ليكون من عامة الناس ـ وإنما ليكون رأسهم وصدرهم سيحول تلك الألف لا محالة إلى أصفار فتذهب ريحهم لأن الكيانات الفاسدة إذا قادت فلا تؤدي في قيادتها إلا إلى الدمار. والداعية أو السياسي المحنك هما من له عينان يعرفان من خلالهما أن هذا يساوي ألفا وأن بعض الآلاف بدون ذلك الواحد، الألْفُ  تساوي أُفًّا، والعبرة بقوله تعالى : {إن إبراهيم كان أمة} بالنسبة إلى الواحد الألف، وقال بالنسبة إلى آلاف الأُفِّ {تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} وقد وصفهم الله بعدم المعقولية لانتفاء منطق العلمية فيهم الدعوية والسياسية {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

معايير التغيير : عقدت منذ شهرين على التقريب ندوة سياسية بسويسرا حضرتها شخصيات جزائرية دعوية وسياسية وثقافية وقال أحدهم وهو أكاديمي بارز حين كان يتحدث عن التغيير إن التغيير يتكون من أربعة أنواع :

1- التغيير بالانتخاب : وهو ما تطمح كل الشعوب المتحضرة إليه عندما تتوفر أجواء الحرية وتكافؤ الفرص والعدالة بين الناس، حيث لا يفرز الصندوق إلا من اختاره الضمير ورشحته الكفاءة وقربه من القلوب التواضع وحمل آمال وآلام الناس.

2- التغيير بالإضراب: وقد يكون أيضا في الشعوب الديمقراطية المتحضرة وهو في نظري من نوعين:

أ- جزئي : وهو الإضراب الذي يهدف للإطاحة بمنتخب مسؤول رئيس بلدية كان أو نائبا في البرلمان أو المجلس البلدي، أو كان غير منتخب كالإداريين من المسؤولين الولاة وغيرهم فتستجيب السلطة لمطلبهم لأنه لا سلطة لوال أو رئيس دائرة أو رئيس أمن ولائي أو نائب أو رئيس بلدية أداروا ظهورهم لشؤون الشعب مسخرين في الوقت نفسه الشعب لخدمة شهواتهم غير مبالين بهموم ومشكلات الناس.

ب-إضراب عام : وهو يهدف للمطالبة بتغيير شامل وعلى رأس ذلك  المسؤول الأول ويكون هذا الإضراب ذا معقولية إذا أدير في جو سلمي بعيدا عن العنف وتحطيم الأملاك بعد استنفاد كل وسائل الحوار والاحتجاج.

3- التغيير بالانقلاب : وهو في نظري لا يحقِّقُ في نسبة 99% منه إذا حدث أجْوَاءَ الديمقراطية والحريات وتقديم الكفاءات، ولو وضعنا بالأرقام أمام القارئ عدد الانقلابات في العالم ومعظمها في العالم الثالث لوجدنا المئات في القرن الماضي وبداية هذا القرن ولكن لا نجد واحدا على مئة من تلك الانقلابات قد وفر أجواء الديمقراطية والعدالة في البلاد.

وهو أيضا على أربعة أنواع :

أ- يقوم به مستبد على مستبد : فلا يؤدي الانقلاب في هذه الحال إلا إلى الاستبداد وما فائدة استبدال الكوليرا بالطاعون؟

ب- يقوم به مستبد على ديمقراطي : وهو يؤدي أيضا إلى الاستبداد وسفك الدماء.

ج- يقوم به ديمقراطي على مستبد : وهو يؤدي إلى سفك الدماء أيضا لأن النافذين المستبدين لا يقبلون بسهولة الإطاحة بهم فضلا عن أن الديمقراطي لا يغير إلا بالشعب بإحدى طريقتين : “الإضراب أو الانتخاب”.

د- يقوم به ديمقراطي على ديمقراطي : وهو عمل استبدادي يناقض الديمقراطية ويؤدي إلى سفك الدماء، ولأن الديمقراطي الحقيقي لا ينقلب على أخيه، وليس هناك من علمية دقيقة تحليلية أكثر وضوحا من هذا التحليل.

4- التغيير بالحراب : وهو حمل السلاح وقلما أدى مثل هذا التغيير إلى خير، بل أعتقد أنه لا يؤدي في ظل المتغيرات الحالية والتطورات الاجتماعية والسياسية والثقافية إلا إلى مزيد من سفك الدماء والاستبداد.

مناقشة : هذه هي الحالات الأربع التي تحدث عنها أستاذي وقائدي في وقت سابق حول التغيير في منتدى سويسرا، فرأيت أنه من الواجب علي أن أذكِّره بنسْيَانِه الحَجَر الأساس في التغيير الذي يكون على رأس الأحوال الأربع التي ذكرها، وإن كنت ارفض الأخيرة منها، وهو التغيير بالحراب، إلا في حال التغيير ضد المستعمر، وهو مشروع فيه السلاح وكل أنواع المقاومة.

وأنا أمثل في تذكير أستاذي هدهد سليمان عليه السلام عندما لا حظ غيابه ورفع البطاقة الحمراء التي لا تؤدي به إلا إلى اثنين الذبح أو العذاب الشديد إن لم يقدم عذرا حول ذلك الغياب، فقال الهدهد الصغير لسليمان {أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين}

وأعتقد أنه لو كان في جماعة سليمان عليه السلام واحدا من أولئك الذين ينتسبون زورا إلى الثقافة والعلمية والكتابة ممن لا يعجبهم أن ينتقد الصغارُ من أمثالي الكبارَ  لقال لسليمان عليه السلام : “إن هذا الهدهد تطاول على حضرتك أمام الآلاف من حوارييك ومقربيك وزعم أنه يعلم مالا تعلم فاقتله أو أنْفِه من الأرض أو اقطعْ لسانَه واسْمِلْ عينيه”.

أمثال هذا هم الذين سماهم الزميل سعيد جابر الخير “فقهاء السلطان” ليس بالمعنى اللغوي للفقه وإنما التراثي الذي اثبت أن هذا النوع من المحسوبين على العلمية وفي الوقت نفسه يمثلون أصحاب الحظوة والحاشية السلطانية هم الذين يبيحون دماء المخالفين تحت ذريعة معارضة السلطان “الذي بايعته الأمة بحد السيف أو بالرغيف” أو تحت ذريعة الخروج عن جماعة المسلمين.

سيدنا سليمان \ لا يوجد في صفه هذا النوع من خدم الاستبداد ومروجيه باسم الثقافة أو الدين، وبالها من ديمقراطية حًرِيٌّ بالغرب الذي تطاول اليوم على الإسلام جراء جهل ممثليه بالحريات أن ينهل منها ويتخذ قول سليمان عليه السلام قاعدة قانونية في محاسبة الصحافيين والكتاب عما يصدرونه من أخبار وأحكام.

إذ قال سليمان للهدهد {سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبينْ}، أي أنه عليه السلام عمل بالقاعدة القانونية التي تقول حاليا : “كل متهم بريء حتى تثبت إدانته” ولذلك سبق حُسْن الظن بالهدهد وأن ما قاله قد يكون حقا وصدقا فقال : {قال سننظر أصدقت}، ولو قال : “سننظر أكذبت أم كنت من الصادقين” لكان عليه أن يضعه في الحبس الاحتياطي، لأنه أساء به الظن وجعله محل تهمة، ثم يقوم بنفسه، أو يكلف ذا ثقة بتحقيق قد يقصر أويطول، فإذا ثبتت براءته لزمه التعويض وإعادة الاعتبار.

هكذا يقول الإسلام، وهو ما لا تفعله الكثير من الدول التي تتشدق بالديمقراطية اليوم.

فضلا عن هذا فنحن في الإسلام لا ينبغي أن نسبِّق سوء الظن ونحبس الناس، أليس في حسن الظن منهم مندوحة تكفينا كفالة كرامة الناس وحرياتهم إذا كنا مسؤولين؟ وها هو سليمان يطبق هذا المبدأ بالذات فيكلف الهدهد الذي  ادعى علميته بشيء لا يعلمه سليمان، يكلفه بالتحقيق في صدقية ما ادعاه ولم يكلف غيره من الجن والطيور فقال له، وهو منتهى حسن الظن بهذا الهدهد، وحب الخير له، والسلامة من العقاب إذا كان كاذبا حيث يطلب اللجوء السياسي لو كان حقا كاذبا عندما يسمح له بمغادرة التراب الوطني، وليقل وهو خارج الوطن ما يشاء.

فهل هناك تسامح أكبر من هذا التسامح في الإسلام؟ قال له :{اذهب بكتابي هذا فالقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون}.

والدولة الديمقراطية العادلة تُعْرَفُ بخطاب رؤسائها ومسؤوليها على عكس الدولة الاستبدادية الجائرة، فقد قالت ملكة سبأ وهي تتلقى الكتاب من الهدهد {إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}، ليس في الكتاب باسم صاحب الجلالة أو صاحب الفخامة والمعالي وإنما هو{بسم الله الرحمن الرحيم}، تواضع لله وتواضع لعباد الله وأمْرٌ بالتواضع لمن ندعوه وشعبه إلى الإسلام {ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين}.

> البصائر ع 431

بقلم : الأستاذ الصادق سلايمية

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>