الشباب المسلم : الرسـالة والوظيفة، التحديات وسبل العلاج(1)


مقدمة في المراد بالشباب:

1- المراد بالشباب في اصطلاح أهل اللغة :

الشباب في اللغة من شَبَّ وهي لفظة تدل على الفتوة والقوة، والنشاط والحركة، والحسن والارتفاع، والزيادة والنماء، ومنها الشباب والشبان والشبيبة(1).

وعلى هذا الأساس، فالشباب يتضمن معنى القوة والحيوية والرفعة والجمال، وهي جميعها معاني إجابية توحي بعظم الرسالة المنوطة بالشباب المسلم وبجسامة المسؤولية الملقاة على عواتقهم، وتوحي أيضا بالمستقبل المشرق والشهود الحضاري المنشود الذي يتحقق بإذن الله تعالى على أيديهم، فالشباب المسلم الذي امتلأت روحه بروح القرآن، وغذي فكره ببصائر القرآن، واستوى تفكيره وتعبيره وتدبيره بالاهتداء بهدايات القرآن.

2- المراد بالشباب زمنا :

التحديد الزمني لفترة الشباب تحديد تقريبي، إلاأن هذه المرحلة تتميز بخصائص جسمية ونفسية واجتماعية وعقلية عن غيرها من المراحل، وقد حددها مؤتمر وزراء الشباب الأول في جامعة الدول العربية بالقاهرة عام 1969م بأنها تتناول من تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 25 سنة(2).

أولا: أهمية الشــباب وعنـاية الإسلام به:

1- أهمية الشباب :

للشباب أهمية كبرى في الحياة والمجتمع يمكن حصرها فيما يلي:

أ- تعتبر مرحلة الشباب أهم مرحلة في حياة الإنسان، فهي تبدأ من البلوغ، وتمتد إلى الثلاثين تقريبا من العمر، قال النووي: “الشباب جمع شاب، يُجمع على شبان وشبيبة، والشاب عن أصحابنا من بلغ، ولم يجاوز الثلاثين سنة”(3).

ب- يمثل الشباب الثروة الغالية والثمينة للأمة، ولهذا يجب أن توجه نحو الخير والبناء والتعمير، ولا ينبغي أن تهدر أو تستغل في الشر والفساد والهدم….

ج- يمثل القوة الكبرى في المجتمع كما ونوعا، إذا أحسن توجيهه وتربيته من حيث قدراته على العطاء والبذل والتضحية.

فالشباب من هذا المنطلق يمثل قوة إستراتيجية هامة للحاضر والمستقبل، والواجب الديني يقتضي توظيفها في الفضيلة وحماية الدين والأعراض والدماء والأنفس والأموال وكل ما فيه خير البلاد والعباد، وعمارة الأرض بمنهج القرآن، فالشباب منارة الحاضر، وقادة المستقبل، فهم في الحقيقة جيل الغد الفريد، وطلائع المستقبل الواعد، وأمل الأمة المنشود .

ومن هاهنا فإنه بقدر الرعاية به، والعناية بشؤونه تربية وتوجيها وتأطيرا يكون الشهود الحضاري والتقدم العلمي للأمة المسلمة، ويتحدد مصير المجتمع المسلم خاصة والإنسانية عامة في التقدم والخير والنفع والصلاح والأمن والاستقرار والإعمار….

2- عناية الإسلام بالشباب :

ونظرا لهذه الأهمية الكبرى للشباب فقد عني الإسلام به عناية فائقة، واهتم به اهتماما خاصا، يتجلى ذلك في الأمور الآتية:

أ- اهتم به قبل ولادته حيث حث الآباء على حسن اختيار الزوجة الصالحة، وقد وردت عدة توجيهات نبوية في هذا الشأن للآباء، منها قوله صلى الله عليه وسلم : >تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك<(4)، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم محذرا من المظاهر الخلابة: >إياكم وخضراء الدمن قيل وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء<(5).

ب- اعتبره نعمة عظيمة على الوالدين، فالأبناء هبة ربانية للآباء تستحق الحمد والشكر، قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء…}(6)، وقال سبحانه: { المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات والصالحات خير عند ربك ثوابا وخير املا}(7)، وقال عز وجل: {والله جعل لكم من انفسكم أزواجا وجعل لكم من ازواجكم بنين وحفدة، ورزقكم من الطيبات}(النحل: 72).

ج- اعتبره أمانة في عنق الوالدين، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا…}(التحريم : 6).

- إنها أمانة التربية على الإسلام والإيمان والإحسان، ومسؤولية الوقاية من الشر في الدنيا، وعذاب النار في الآخرة للأهل جميعا، وعلى رأسهم الأبناء فلذات أكباد الآباء والأمهات .

ولهذا الغرض اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم، تربيتهم من قبل الآباء رعاية دينية وولاية شرعية منوطة برعاة الأسرة في قوله صلى الله عليه وسلم : >كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالحاكم راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عن رعيتها….<(8).

- إنها مسؤولية جسيمة، تترتب عليها نتائج خطيرة وعظيمة في الدنيا والآخرة سلبا أو إيجابا، وقد صرح الرسول صلى الله عليه وسلم بما قد يؤول إليه أمر مسؤولية الآباء فقال : >كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه…<(9)، وهذه الرعاية القصد منها تأهيل الأبناء لمرحلة الشباب التي تتميز بخصائص جسمية وعاطفية وفكرية ونفسية حساسة تقتضي التوجيه السليم والصبر الطويل، ولهذا فقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم الآباء والمجتمع بهم خيرا فقال : >أوصيكم بالشباب خيرا<(10).

ثانيا: الشباب والرسالة:

للشباب رسالة عظيمة، ووظيفة كبيرة في الحياة والمجتمع، فعلى المستوى المنهجي لا بد من أن يحدد الشباب الهدف من حياتهم، حتى يفهموا الرسالة الحضارية المنوطة بهم، والدور الريادي الكبير المطلوب منهم في هذه الحياة نحو دينهم وأمتهم وبلادهم ومجتمعهم بصفة خاصة ونحو البشرية بصفة عامة .

وقد حسم القرآن الكريم في تحديد هذا الهدف في قوله تعالى: {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون}(11).

فالوظيفة الكبرى والرسالة العظمى للشباب في الحياة الدنيا هي :

- رسالة العبودية الكاملة لله عز وجل، إنها رسالة الإيمان الحق، الإيمان الذي وصف الله به شباب أهل الكهف :{ إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى.. }12، وهي الرسالة التي خلق الله لأجلها الإنسان حيث قال سبحانه وتعالى : {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون}(13).

فالعبادة هي أشرف وظيفة يقوم بها الشباب في هذه الحياة، فهي تربطهم بربهم وخالقهم ومدبر أمرهم والقيوم على شؤونهم ربطا مباشراً، فتتحقق لهم الهداية الربانية في التفكير والتعبير والتدبير، والعبادة بهذا المعنى تنوير للعقل، وتنمية للفكر، وتزكية للنفس، وتربية للجوارح، وتهذيب للشعور والعواطف والإحساسات، وتقوية للإرادة الصالحة، وتحقيق للعبدية الخالصة لله تعالى. ولهذا كان لها الأثر الكبير في حياة الشباب المسلم تأسيسا وإعدادا وتأهيلا، توجيها وترشيدا وتدريبا.

وأما في الآخرة: فإنها سبيل النجاة من العذاب والفوز بالجنة والاستظلال بظلال الرحمان يوم لا ظل إلا ظله عز وجل، يقول صلى اللهعليه وسلم : >سبعة يظلهم الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله -وذكر منهم- … شاب نشأ في عبادة الله تعالى…<(14).

ويتفرع عن هذه الوظيفة الرسالية الكبرى وظائف أخرى هامة، منها :

أ- وظيفة الشباب في حمل رسالة الدعوة الإسلامية، فهم الفئة الأقدر -أكثر من غيرهم- على حمل الرسالة القرآنية والدعوة الفطرية وتبليغ الإسلام كما نزل أول الأمر غضا طريا إلى الناس كل الناس كما يريد رب الناس ومالك الناس وإله الناس جميعا .

ولهذا فقد اعتمد عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم في نشر الإسلام وحمل رايته والجهاد في سبيل الله تعالى لإقامة دينه والاستخلاف في أرضه وعمارتها بمنهج العمران في القرآن، وكان أكثر صحابته صلى الله عليه وسلم شباباً، فقد روي عنه أنه قال : >حالفني-ناصرني-الشباب وخذلني الشيوخ<.

ب- القيام برسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومقاومة الفساد والانحراف والظلم، ليتحقق بهم مراد الله في الصلاح والإصلاح وعمارة البلاد والأرض بما ينفع الناس ويمكث في الأرض، وإصلاح العباد بما ينفعهم في المعاش والمعاد ويحقق لهم السداد والرشاد.

ج- رسالة الشباب في حمل راية الجهاد ضد الكفار المعتدين، فقد شهد التاريخ منذ عصر الرسالة إلى الآن، بالدور الكبير للشباب في الجهاد في سبيل الله، نصرة للحق وإزهاقا للباطل وقهرا للمفسدين في الأرض والكفرة المعتدين .

- فالرسول صلى الله عليه وسلم عَيَّن على رأس الجيش الإسلامي مرات عدة في السرايا والغزوات قادة شبابا، كسعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد….، وعلى مر التاريخ الإسلامي فقد ثبت الدور العظيم للشباب في الجهاد من ذلك:

- صلاح الدين الأيوبي الذي حرر بيت المقدس من الاحتلال الصليبي.

- قطز القائد الشاب المجاهد، ومحمد الفاتح وغيرهم، وقد فتح الله على أيديهم بلادا كثيرة، وحرر عبادا من الظلم والكفر والفساد، وحقق الأمنوالعدل، ورفع راية الإسلام بفضله ومنه سبحانه وتعالى ثم بجهاد هؤلاء الشباب وبيعهم أموالهم وأنفسهم لله عز وجل.

- وفي التاريخ المعاصر قام الشباب وما زال بدور كبير في تحرير بلاد المسلمين من الاستعمار الأجنبي، وخير نموذج حي يضرب به المثل في هذا الوقت ما يقوم به الشباب المجاهد في فلسطين المحتلة في مواجهة اليهود الغاصبين والصهاينة المحتلين، باذلا في ذلك روحه الغالية في سبيل تحرير القدس الشريف خاصة وتحرير فلسطين عامة، ولعل معركة الفرقان التي قادها شباب المساجد من عباد الرحمان في غزة التي بدأت بالعدوان اليهودي عليهم يوم 27 دجنبر 2008 واستمرت اثنين وعشرين يوما ضد اليهود الصهاينة خير دليل على ذلك .

د- واجب الشباب نحو أمته في البناء والتعمير و التنمية والنهوض الحضاري :

فالشباب هم رواد الأمة وأعمدتها، بهم يتم البناء والتعمير في مختلف الميادين، وعليهم قبل غيرهم تقع مسؤولية التنمية الشاملة للمجتمع، إذ تتعدد وظائفهم وتتنوع مواهبهم وتتفاوت قدراتهم، وبهذا التنوع والتفاوت يتحقق مراد الله تعالى في التكامل بين الوظائف، ويتحقق التآزر والتعاون، وتتوحد الجهود وتتضافر، فيكون منهم العالم المجتهد في العلوم الشرعية، ويكون منهم الرياضي البارع، والفيزيائي المبتكر، والمهندس المخترع، والمعماري الرائد، والقائد العسكري المحنك، والطبيب الجراح وغير ذلك . وبالقيام الجاد بهذه الوظائف والمهام من قبل شباب مؤمن رباني عالم مجاهد تنهض الأمة النهوض الحضاري الذي يؤهلها للقيام بوظيفة الشهود الحضاري المنشود على كل الأمم بإذن الله تعالى.

هـ- رسالته العلمية : فالإسلام دين العلم والشباب لهم رسالة علمية كبيرة، فيجب عليهم طلب العلم بجد واجتهاد في مختلف التخصصات العلمية لسد النقص الحاصل فيها وتحقيق الكفاية، سواء تعلق الأمر بالعلوم الشرعية أو العلوم الإنسانية أو العلوم المادية .

ويجب عليهم تنوير ضمائر الناس بالعلم ونشر الثقافة الإسلامية في الأمة و المجتمع.

إن الشاب المسلم لا ينبغي له إلا أن يكون من طلبة العلم المجدين الحريصين على احتلال المراتب الأولى والدرجات العليا في جميع التخصصات.

——-

1- القاموس المحيط: 1/85 .

2- كتاب الأمة: “مشكلات الشباب الحلول المقترحة والحل الإسلامي” د. عباس محجوب. ص: 22، ط1/ ربيع الأول 1406هـ، مطبعة الدوحة الحديثة قطر.

3- النووي، شرح صحيح مسلم: 9/173.

4- رواه البخاري ومسلم. تربت يداك التصقت بالتراب، والمعنى أن من لم يكن هدفه الدين فقد نزل إلى الدناءة والفقر والذل.

5- أخرجه ابن حجر العسقلاني : تلخيص الاحبير : 3 / 145 برقم : 1481 ؛ وابن الملقن : خلاصة البدر المنير : 2 /179 برقم : 1909 وأشار إلى أنه ضعيف .

6- النساء :1 .   ==  7- الكهف : 46 .

8- البخاري في صحيحه : كتاب الجمعة برقم :844، وكتاب النكاح برقم : 4801 . ومسلم في كتاب الإمارة برقم : 3408 .

9- رواه مسلم في صحيحه .

10- رواه مسلم .

11- الذاريات : 56 .

12- الكهف : 13 .

13- الذاريلت : 56 .

14- رواه البخاري وسلم.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>