نافذة على التراث


 لــولا شـيـوخ ركــع

قال عطاء السلمي: منعنا الغيث فخرجنا نستسقي، فإذا نحن بسعدون المجنون في المقابر، فنظر إلي فقال: يا عطاء! أهذا يوم النشور أو بعثر ما في القبور؟ فقلت: لا، ولكنا منعنا الغيث فخرجنا نستسقي. فقال: يا عطاء: بقلوب أرضية أم بقلوب سماوية؟ فقلت: بل بقلوب سماوية. فقال: هيهات يا عطاء، قل للمتبهرجين لا تتبهرجوا فإن الناقد بصير. ثم رمق السماء بطرفه، وقال: “إلهي وسيدي ومولاي، لا تهلك بلادك بذنوب عبادك، ولكن بالسر المكنون من أسمائك وما وارت الحجب من آلائك، إلا ما سقيتنا ماء غدقاً فراتاً، تحيي به العباد، وتروي به البلاد، يا من هو على كل شيء قدير”.

قال عطاء: فما استتم الكلام حتى أرعدت السماء وأبرقت وجادت بمطر كأفواه القرب، فولى وهو يقول:

أفلح الزاهدون والعابــدونـا       إذ لـمــولاهم أجـاعوا البطونـا

أسهـروا الأعين العليلة حبـاً       فانقضى ليلهـم وهم ساهرونا

شغلتـهــم عبــادة اللـه حـتـى       حسب الناس أن فيهم جنـونا

> إحياء علوم الدين للغزالي

ما كان زياد يقوله للرجل إذا ولاه عملاً

حدثنا محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن يونس، قال: كان زيادٌ إذا ولى رجلاً عملاً قال له: خذ عهدك وسر إلى عملك، واعلم أنك مصروف رأس سنتك، وأنك تصير إلى أربع خلال، فاختر لنفسك، إنا إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلنا بك لضعفك، وسلمتك من معرتنا أمانتك، وإن وجدناك قوياً خائناً استهنا بقوتك، وأحسنا على خيانتك أدبك، وأوجعنا ظهرك، وثقلنا غرمك، وإن جمعت علينا الجرمين جمعنا عليك المضرتين، وإن وجدناك أميناً قويا زدنا في عملك، ورفعنا ذكرك، وكثرنا مالك، وأوطأنا عقبك.

> الجليس الصالح المعافى بن زكرياء

قول الشعراء في الاستعفاف

كان العرب منذ القديم يحترمون الجار، ويعتبرون ذلك من الأخلاق الحميدة، ومن احترامهم للجار تقديرهم للمرأة الجارة، حتى قال شاعرهم الجاهلي عنترة بن شداد:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي      حتى يواري جارتي مثواها

ولما جاء الإسلام، أعلى من مكانة الجار، وحرمة الجارة، تقديرا لمكانتها وقربها من جارها، والنصوص الشرعية الواردة في هذا الباب متعددة، ولذلك ردد الشعراء هذا المعنى الإسلامي العربي كثيرا في أشعارهم، قال بشار بن بشر المجاشعي:

وإني لعفٌ عن فكـــاهة جــارتــي      وإنـيّ لـمـشنــوء إلــيّ اغـتيـابها

إذا غـاب عنها بعلها لم أكــن لها     زءوراً ولـــم تـأنـس إلـيّ كـــلابها

ولــم أك طــلاباً أحــاديث ســرّها      ولا عـــالـماً مـن أيّ حـوكٍ ثيابها

وإن قــــراب البطــن يكفيك ملؤه      ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها

إذا سدّ بابٌ عنك من دون حاجةٍ      فــذرها لأخــرى لـيّــنٍ لــك بــابـها

> عيون الأخبارلابن قتيبة

وأنشد أبو بكر بن الأنبارى رحمه الله لعقيل بن علفة:

ولست بصادرٍ عن بيت جـاري      صدور العير عمره الورود

ولســت بسائل جــــارات بيتي      أغياب رجـــالك أم شهـــود

ولا ألقي لذى الودعات سوطي      لألــــهـيـه وربــتــه أريـــــــد

وفي رواية:

(ولا ألقي لذي الودعات سوطي      ألاعبه وربّته أريد)

أي لا أصدر عن بيت جاري مثل العير الذي قد تغمر، أي لم يرو وفيه حاجة إلى العودة، يقول: فأنا لا آتى بيت جاري هكذا أريد الريبة. وذو الودعات: الصبى، يعني: أنه لا يداعب طفلا مع أمه ابتغاء إثم بالأم نفسها.

> أمالي القالي      أمالي المرتضي

لــو  أقـسـم على اللـه لأبـره

قال ابن المبارك: قدمت المدينة في عام شديد القحط، فخرج الناس يستسقون فخرجت معهم إذ أقبل غلام أسود، عليه قطعتا خيش قد اتزر بإحداهما وألقى الأخرى على عاتقه، فجلس إلى جنبي فسمعته يقول: “إلهي أخلقت الوجوه عندك كثرة الذنوب ومساوي الأعمال، وقد حبست عنا غيث السماء لتؤدب عبادك بذلك، فأسألك يا حليماً ذا أناة يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل أن تسقيهم الساعة، الساعة…” فلم يزل يقول: الساعة، الساعة، حتى اكتست السماء بالغمام وأقبل المطر من كل جانب.

قال ابن المبارك: فجئت إلى الفضيل فقال ما لي أراك كئيباً؟ فقلت أمر سبقنا إليه غيرنا فتولاه دوننا وقصصت عليه القصة فصاح الفضيل وخر مغشياً عليه.

>إحياء علوم الدين للغزالي

الإعاقة لا تمنع من العمل

قال ابن الجوزي في الشذور: قال ثابت بن سنان المؤرخ: رأيت في بغداد (سنة 297)امرأة بلا ذراعين ولا عضدين، ولها كفان بأصابع معلقات في رأس كتفيها لا تعمل بهما شيئاً، وكانت تعمل أعمال اليدين برجليها، ورأيتها تغزل برجليها وتمد الطاقة وتسويها

> شذرات الذهب للحنبلي.

من مراسيم الاستقبال عند الخلفاء العباسيين

وفيها (أي سنة 503) قدم رسول ملك الروم يطلب الهدنة، فاحتفل المقتدر بجلوسه له. قال الصولي وغيره: أقاموا الجيش بالسلاح من باب الشماسية، وكان مائة وستين ألفاً، ثم الغلمان، وكانوا سبعة آلاف، وكانت الحجاب سبعمائة، وعلقت ستور الديباج فكانت ثمانية وثلاثين ألف ستر، ومن البسط وغيرها ما يذهب بالبصر حسناً، ومما كان في الدار مائة سبع مسلسلة، ثم أدخل الرسول دار الشجرة، وفيها بركة فيها شجرة لها أغصان عليها طيور مذهبة، وورقها ألوان مختلفة، وكل طائر يصفر لوناً بحركات مصنوعة، ثم أدخل إلى داره المسماة بالفردوس، وفيها من الفرش والآلات ما لا يقوم.

من شعر الإمام أحمد بن حنبل

قال ابن أبي يعلى في طبقاته: قال ثعلب: كنت أحب أن أرى أحمد بن حنبل، فصرت إليه، فلما دخلت عليه قال لي: فيم تنظر؟ فقلت: في النحو والعربية، فأنشدني أبو عبد الله أحمد بن حنبل:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل      خلوت ولكن قــل علي رقـيب

ولا تحسبن الله يغفــل مـا مضـى      ولا أن ما يخفى عليه يغـيب

لهـونا على الأيـام حتى تتابـعـت      ذنــوب على آثــارهـن ذنــوب

فيا ليـت أن اللـه يغفـر مـا مضـى      ويــأذن في توباتنا فـنـتـوب

> شذرات الذهب للحنبلي

مــن غــرائــب الـتـصـحـيـف

قدم على مدينة فاس، شيخنا أبو عبد الله محمد بن يحيى الباهلي -عرف بابن المسفر-. رسولا من صاحب بجاية. وزاره الطلبة، فكان مما حدثهم، أنهم كانوا على زمان ناصر الدين، يستشكلون كلاماً وقع في تفسير سورة الفاتحة من كتب فخر الدين، واستشكله الشيخ معهم. وهذا نصه: “ثبت في بعض العلوم العقلية، أن المركب مثل البسيط في الجنس، والبسيط مثل المركب في الفصل، وأن الجنس أقوى من الفصل”. فأخبروا بذلك الشيخ أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن أحمد الآبلى التلمساني- وهو رحلة الوقت في القيام على الفنون العقلية، وإدراكه وصحة نظره – لما رجعوا إليه، فتأمله ثم قال، هذا كلام مصحف، وأصله: “أن المركب قبل البسيط في الحس، و البسيط قبل المركب في العقل، وإن الحس أقوى من العقل”، فأخبروا ابن المسفر، فلج: فقال لهم الشيخ، التمسوا النسخ، فوجدوا في لفظ بعضها كما قال الشيخ.

>  الإحاطة في أخبار غرناطة…لسان الدين لابن الخطيب

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>