استعمالات اللغة العربية الجديدة إلى أين؟


10-  الاستعمالات الخاطئة تفقد اللغة قيمتها التعبيرية :
تغليب التأنيث على التذكير في الحياة العامة

استوجب اقتراح هذا العنوان لهذه الحلقة ما لا حظناه، ويلاحظه كل منتبه من غلبة تأنيث الأسماء والصفات في الحياة العامة في بلادنا. مع العلم أن الاستعمال اللغوي المنسجم مع قواعد اللغة العربية وربما غيرها من لغات الانسان يعطي الأسبقية للمذكر ثم يأتي التأنيث عندما نريد التفريق بين الجنسين. حتى لا تختلط المفاهيم. والكلمات المؤنثة دون أن يكون ثمة داع لتأنيثها في تقديرنا هي :1- الساكنة بدل السكان. 2- الظرفية بدل الظرف. 3- العاملة بدل العمال. 4- الإنتاجية بدل الإنتاج. 5- التنافسية بدل التنافس. 6- الإشكالية بدل الإشكال. 7- العائدية بدل العائد. والأمر يتعلق في هذا المثال الأخير بالضمير الرابط بين طرفي الجملة في قواعد اللغة العربية.

ويبدو من خلال هذه الكلمات أن كل مرافق الحياة مؤنثة، حيث لم يعد ثمة مجال للتذكير، وهذا ما يفهم من استعمال هذه الكلمات في مجالات معينة من مجالات الحياة. فعندما يعتبر كل السكان في منطقة ما ساكنة. والظرف الزماني الذي يعيشون فيه (ظرفية)، وكل المنتجين منهم في مجال الاقتصاد (عاملة)، والإبداع في مجال التخطيط الاقتصادي أوغيره (تنافسية) وما يترتب عن الحيوية والنشاط من العراقيل التي تستوجب التباري في هذا المجال أو ذاك (تنافسية). فإن هذه الأوصاف تكفي للحكم على اقتراب الحياة العامة من التأنيث، إن لم تكن مؤنثة فعلا. ولا ينبغي أن يفهم من هذا الكلام أن لنا موقفا ما من جنس المؤنث، وقد خلقه الله ليؤدي دورا متميزا في هذه الحياة حيث قال : {خلق الذكر والانثى إن سعيكم لشتى}(الليل : 4). وإنما قصدنا أن تحترم قواعد اللغة حتى لا يقع الخلط في المفاهيم،ويتم التواصل بالشكل المطلوب، ذلك أن الملاحظ أن هذه الكلمات المؤنَّثة المؤنِّثة (بفتح النون المشددة في الأولى وكسرها في الثانية) تنقسم إلى قسمين :

أولهما : يحمل علامة التأنيث فقط وهو كلمتا (الساكنة) و(العاملة).

وثانيهما : أضيفت إليه ياء قبل التاء وهو (الظرفية) و(الإنتاجية)، و(التنافسية)، و(الإشكالية)، و(العائدية). وعليه فالخطأ المحتمل -على حد زعمنا- بسيط في المجموعة الأولى وما يشابهها، لأن الأمر يتعلق بإضافة تاء التأنيث فقط للفظ المذكر ليصير مؤنثا. أما المجموعة الثانية فإن الإضافة لأسمائها ثنائية، لأنها أضيفت في أواخرها ياء قبل التاء، وتسمى الياء في مثل هذه الكلمات ياء النسب. وعليه يكون الخطأ المحتمل مركبا من مفهومين اثنين هما : النسبة أولا، ثم التأنيث ثانيا. وكلا الأمرين ينبغي أن يعرض على  القواعد الضابطة لمثل هذا النوع من الزيادات لأجل معرفة دواعيها التي أوجبتها لأجل التعبير بها عن مفاهيم معينة، وإلا اعتبرت تحريفا لقواعد اللغة، وقلبا للمفاهيم، وعبثا بمقوم من أهم مقومات الانتماء الحضاري الذي هو اللغة !

يقول ابن مالك في تعريف النسب :

ياء كياء الكرسي زادوا للنسب

وكل ما تليه كسره وجب

يقول ابن عقيل في شرح هذا البيت من ألفية ابن مالك.

“إذا أريد إضافة شيء إلى بلد، أو قبيلة، أو نحو ذلك  جعل آخره ياء مشددة مكسور ما قبلها. فيقال في النسب إلى (دمشق) : دمشقي، وإلى (تميم) تميمي، وإلى (أحمد) أحمدي، (شرح  ابن عقيل على ألفية ابن مالك 3/201).

ولو جردنا الكلمات التي أضيفت إليها الياء المذكورة أعلاه فإنها ستصير (ظرفي) و(إنتاجي)، و(التنافسي)، و(الإشكالي)…إلخ. مثل  (دمشقى، وتميمي، وأحمدي)

والسؤال هل الكلمات التي أضيفت إليها الياء فيما نحن بصدد مناقشته مضافة إلى شيء. أو بعبارة أخرى هل تحمل دلالة النسبة؟ وهل تتحقق فيها أركان النسب. فلو افترضنا أننا وصفنا إنسابا بـ (رجل مغربي) فإن المسألة عند التحليل تقتضي ما يمكن أن نسميه أركان النسب وهي : المنسوب إليه وهو المغرب، والمنسوب  : وهو الرجل المذكور وأداة النسب وهي الياء. ثم شيء آخر معنوي سمح بإجراء هذه النسبة وهي سكناه بالمغرب أو مولده فيه، أو حمله لجنسيته. والسؤال مرة ثانية هل يمكن أن تتوفر هذه الأركان في الكلمات التي نحن بصدد مناقشتها، تأملها. هداني الله وإياك إلى الصواب!

ويترتب عن إضافة هذه الياء إلى  آخر الاسم المنسوب إليه أمور منها :

- أن هذا الاسم يحمل معنى الصفة لأننا إذا قلنا هذا رجل مغربي، فقد وصفناه بهذه النسبة.

- يعتبر الاسم الذي أضيفت إليه ياء النسب اسما مركبا فهو مؤول بالمشتق أي في حكمه لتضمنه معناه، لأن معناه المنسوب إلى كذا، بشرط أن تكون الياء المشددة زائدة (في آخره) لإفادة النسب وقت الكلام…”(النحو الوافي 4/176 بتصرف).

والسؤال مرة ثالثة، هل ثمة شيء منسوب في هذه الأسماء (الظرفية، والإنتاجية، والتنافسية) وهل لهذه الأسماء خاصية تركيبية ليصح أن يقال إنها مؤولة بالمشتق؟؟؟!

-يتبع-

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>