عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله عز وجل : >العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن ينازعني في واحد منهما فقد عذبته<(رواه مسلم)
فالكبرياء لله والعظمة له وحده. قال القرطبي رحمه الله تعالى : فهي من أوصاف الله تعالى الخاصة به التي لا تنبغي لغيره، فمن تعاطى شيئا منها أذله الله تعالى وصغره وحقره، وأهلكه. كما أظهر الله تعالى من سنته في المتكبرين السابقين واللاحقين. والعزة إذا كانت على الكافرين فهذا غير مذمومة. قال الله تعالى : {أعزة على الكافرين} والكبرياء إذا كانت على المنافقين والمحاربين غير مذموم أيضا وقد وصف الله أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : {أشداء على الكفار}. ولكن الكبر على عباد الله بغير حق هو الذي جاء فيه الوعيد الذي يجعل صاحبه من المعذبين. >فمن ينازعني في واحد منهما فقد عذبته<.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم نوع العذاب الذي يلحق على كبيرة الكبر. فعن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال : “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : >ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر<(متفق عليه). وتقدم شرحه في باب المسلمين قال أبو عبيد : “العقل الفظ الشديد من كل شيء. وقال الخطابي : العتل الغليظ العنيف. و”الجواظ” : قال الخطابي : المختال في مشيته.
وهذه المواصفات لا تجتمع إلا في أهل الكبر والخيلاء وهم سكان الجحيم يوم لقاء رب العالمين، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : >احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة : فيَّ ضعفاء الناس ومساكينهم، فقضى الله بينهما. إنك الجنة رحمتي، أرحم بك من أشاء وإنك النار عذابي، أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها<(رواه مسلم). قيل الضعفاء هنا : إنه الخاضع لله تعالى المذل نفسه له سبحانه وتعالى ضد المتجبر المستكبر. وهؤلاء أصحاب العافية الحسنى، أما المتكبرون في الأرض بغير حق، والمتجبرون على عباد الله بغير سلطان، فمصيرهم جهنم وبيس القرار، ولا يكلمهم الله، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم ولهم سوء الدار، وعاقبتهم الذل والبوار. عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : >ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم : شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر<(رواه مسلم) والعائل : الفقير.
فهؤلاء الثلاثة انتفت في حقهم دواعي المعصية، ومع ذلك تكلفوا ركوبها، فالشيخ طاقته الجنسية ضعيفة ومع هذا تكلف الزنى، والملك في موضع القوة والغلبة والقهر فلا حاجة له بالكذب، إذ الكذاب يكون في موضع الخوف، والضعف، والعائل ليس له ما يتكبر به فالكبر يكون عادة بالمال والثراء، والجاه والمكانة، والفقير لا يملك شيئا من ذلك. قال عياض رحمه الله تعالى : “إن كل واحد واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بعد هامته وعدم ضرورته إليها، وضعف دواعيها عنده.. فلم يبق فعل الفقير، وفعل الشيخ الزاني والإمام الكاذب إلا الضرب من الاستخفاف بحق الله تعالى والله أعلم.