الكلمة الافتتاحية لندوة الخطباء والوعاظ


العلامة عبد الحي  عمور

رئيس المجلس العلمي المحلي لفاس

أيها السادة الأفاضل نرحب بكم جميعا في هذا اللقاء العلمي الثقافي الذي يندرج في إطار التواصل بين المجلس وبينكم بصفتكم المؤهلين لنشر الثقافة الشرعية، والكفاءات العلمية المستأمنة على  حفظ الشريعة ونشرها بين جمهور المؤمنين ممن يرتادون المساجد مع السعي لتكثير سوادهم والإقبال على الله تعالى. مما يستوجب مزيدا من تحسين خطابنا الديني وتطويره معرفيا ومنهجيا ويجعله أكثر تأثيرا في حياة الناس.

أيها الإخوة الأفاضل

نعرف جميعا أن من الخصائص والمميزات التي اختص بها الدين الإسلامي أنه أوجب على طائفة من أهله أن تتفقه في الدين وتدرسه وتتعرف على ما تحتاجه الأمة لتبلغه للناس : {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}(التوبة : 122).

وقد اتفقأهل العلم على  وجوب نشر الدين وأحكامه وقيمه وتقريبه إلى العباد وحمايته من كل تحريف أو تشويه، مما يعتبر أمانة في أعناقنا “يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”(كنز العمال)، وقد تولى سلفنا الصالح من علماء هذه الأمة وفقهائها القيام بهذه المهام خير قيام، وكان لعلمهم وثقافتهم وأخلاقهم من التأثير وتصحيح مسار الأمة ما جعلهم موضع إكبار واحترام وتقدير من لدن العامة والخاصة من الناس، ونحن  ولله الحمد على  آثارهم مقتدون وعلى  نهجهم سائرون.

ولكن تأثيرنا كعلماء وفقهاء على اختلاف مواقعنا ومسؤولياتنا -وفي مصارحة مع الذات- أخذ يتراجع قليلا عما كان عليه من قبل عند سلفنا، لأسباب ذاتية وموضوعية، وربما ظنا من بعضنا أننا لن نستطيع أن نقوم الاعوجاج ولا أن نصحح المسار، الأمر الذي يتطلب وقفة تأملية لمراجعة ما نحن عليه، وما أصبح يفرضه تطور العصر وتبدل الأحوال وتقلبات الزمان من تجديد وتطوير بما يحدث التغيير والتأثير ويؤسس لحركة دينية تصحيحية في مواجهة التغريب والاستلاب والانفلات الذي يغشى طائفة من الناس. فهل نحن في حاجة إلى وضع تصور جديد لعملنا الديني يحدد الرؤيا ويرسم المعالم من جديد، وإلى ضرورة وضع استراتيجية جديدة متكاملة تحدد الغايات والمقاصد من خطابنا الوعظي  وتوجيهنا الإرشادي، خاصة ومواعظنا وخطبنا ودروسنا في غالبيتها أحاديث ومواعظ متناثرة لا ينتظمها نسق فكري موحد، ولا تنطلق من رؤيا مشتركة ولا تحدد أهدافا يتعين تحقيقها؟ هل نحن في حاجة إلى اعتماد موضوعات معينة ننطلق منها في نشاطنا الثقافي لاستنهاض الأمة وترسيخ قيمها الدينية وتعميق انتمائها لأمتها الإسلامية ووطنها المغربي؟ هل نحن بحاجة إلى اعتماد إطار منهجي تقني تواصلي يقوم على التقنيات والمهارات التواصلية الحديثة، وأساليب التواصل مع الجمهور والتأثير فيه؟ نحن نعلم اليوم أن المعارف العلمية والمضامين الراقية تبقى قاصرة عن الوصول والتأثير في العقول والقلوب إذا لم يكن صاحبها عارفا بكيفيات التبليغ وآلياته الجديدة. أنا أعرف أن هذا الذي أتحدث عنه ليس أمرا يسيرا، وأن تحقيقه يتطلب تنظيرا وعملا ميدانيا، ولكن في انتظار ذلك، وسعيا إلى ترسيخ المعرفة وتعميقها خاصة لدى فئة عريضة من الوعاظ والخطباء والمرشدين الذين يلتحقون بنا، وأداء لحق رواد المساجد والفضاءات الدينية الأخرى، يجب علينا تقديم فكر ديني جديد وخطاب إسلامي مستنير يستمد نسقه من تراثنا الفقهي التنويري وحقول معارفنا وعلومنا التراثية والمعاصرة تكون منطلقا لما نرومه جميعا بحول الله وعونه.

أيها السادة الكرام

إن مهمتنا أصبحت شاقة وعسيرة لاستنهاض الأمة والاستجابة لتطلعاتها، وهي مهمة تتطلب التسلح بالمعرفة والثقافة الإسلامية، ثقافة تزاوج بين النقل والعقل والقديم والجديد في نطاق الحفاظ على الثوابت والمقدسات والهوية والخصوصيات، وبأساليب جديدة في البحث، ومناهج حديثة في التواصل، وتقنيات ومهارات متطورة في الإقناع والتأثير، مما يعني أن يكون لنا وعاظ ومرشدون وخطباء في مستوى المرحلة وما تتطلبه، ونحن في هذا البلد نتوفر بحمد الله تعالى على نخبة طيبة من هذا النوع تستطيع أن تحمي الدين وتنشر تعاليمه وأحكامه وقيمه، فبارك الله في الجميع وهدانا جميعا إلى الطريق المستقيم، وشكر الله لإخوتنا أعضاء لجنة الأبحاث والدراسات والتكوين على ما سيقدمونه من مداخلات لإثراء الموضوع وإخصابه.

والسلام عليكم ورحمة منه تعالى وبركاته.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>