نجيب الكيلاني: قراءة في الشخصية والإنتاج


د. عبد المنعم الوكيلي

ولد الدكتور نجيب الكيلاني في أول حزيران يونيو سنة 1931م بقرية “شرشابة” بالمحافظة الغربية بمصر، وفي السنة الرابعة أدخل لتحفيظ القرآن الكريم، حيث تعلم القراءة والكتابة والحساب وقدرا من الأحاديث النبوية وسيرة الرسول  وقصص الأنبياء والرسل ، التحق بالمدرسة الأولية، ثم انتقل منها إلى مدرسة الإرسالية الأمريكية الابتدائية “سنباط”، وقضى المرحلة الثانوية في مدينة”طنطا” عاصمة المحافظة الغربية، ثم التحق بكلية الطب “جامعة القاهرة” سنة 1951م، وفي السنة الرابعة بالكلية، قدم للمحاكمة في إحدى القضايا السياسية  وحكم عليه بالسجن عشر سنوات، وفي تلك الفترة جمع ديوانه الشعري الأول “أغاني الغرباء” كما كتب روايته الأولى ” الطريق الطويل” التي فازت فيما بعد بجائزة وزارة التربية.

والجدير بالذكر فقد قضى ثلاث سنوات ونصف في السجن، بدأ خلالها في كتابة القصة. ونال أكثر من ثماني جوائز مختلفة مثل جائزة الدولة في الرواية والقصة القصيرة، وجائزة نادي القصة، والميدالية الذهبية المهداة من طه حسين سنة 1959م، وجائزة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب سنة  1960م.

دخل المعتقل مرة ثانية سنة 1960م قضى حوالي سنة ونصف، ثم ذهب للعمل طبيبا في دول الخليج سنة 1968م، ولعل العبارة التراثية التي كانت تقال فيمن عز نظيره (لم أعرف رجلا مثله في معناه) أجدر ما تقال في نجيب الكيلاني، فهو حقا الرجل الذي لا نظير له في معناه. وإلا فما تقول في هذا الطبيب الحاذق الذي لم تمنعه شواغل مهنته، وقيود وظيفته، وسنوات سجنه الرهيبة، أن يتجاوز عالم الطب، فيخلف ذلك الكم الضخم من العطاء المتميز في ميدان الفكر والثقافة والنقد والدراسات الأدبية والترجمة الذاتية، ثم في الأدب الإسلامي الذي كان من أوائل رواده دون منازع في هذا العصر. ويمقاييس الأجيال التي فصلها الناقد الفيلسوف الإسباني “كوليان مارياش” في أحد كتبه، ينسب نجيب الكيلاني زمنيا  إلى الجيل التالي لجيل نجيب محفوظ سنة 1911م وهو جيل  ضم مجموعة كبيرة من الكتاب في حقول الرواية والقصة والمسرحية، ومن بينهم يوسف ادريس، وعبد الرحمان الشرقاوي، وفتحي غانم، ونجيب سرور، ويوسف السباعي وغيرهم، وهذا الجيل يصفه بعض النقاد بأنه جيل الوسط أي الجيل الذي حمل مهمة الانتقال من الرؤية السائدة في جيل نجيب محفوظ إلى رؤية مختلفة أو جديدة سماها بعضهم بالحساسة الجديدة وهي رؤية سردية تشكلت خلال فترة الستينيات من القرن الماضي.

وأحب أن أشير إلى أن نجيب الكيلاني صاحب المهنة النظيفة والنبيلة، والمهنة الإنسانية الراقية مارسها تطبيقا بمعالجة المرضى، ومارسها تنظيرا بالإرشاد والتوجيه، فقد كتب عن الإيدز، وكتب عن الصحة والصوم، وكتب عن المجتمع المريض، وأسلمة الوعي الطبي، والثقافة الصحية،  بحيث حصل على جوائز دولية ووطنية في هذا الباب. وقد  تقلد مجموعة من المناصب الإدارية المتعلقة بمهنته كطبيب، كان أهمها أنه قضى عشر سنوات كاملة مستشارا أول لوزير الصحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، ثم مديرا للتثقيف الصحي بوزارة الصحة، ولما أحيل على المعاش سنة 1992 م عاد إلى مصر بعد غربة تجاوزت ثلاثا وعشرين سنة.

وبشكل سريع أقول، حياة نجيب الكيلاني خارج قلمه هي حياة عادية، لكنه داخل قلمه هي حياة متميزة وصاخبة ومثيرة وقوية، قوامها ثمانون عملا بين إبداع ونقد وكتابة فكرية وكتابة طبية، وداخل القلم نجد حياته منصهرة وذائبة في أمته، فهو في جنس الشعر أرخ  للعالم النقي، وفي  جنس الرواية أرخ للعالم المهني، وفي جنس السيرة الذاتية أرخ لعالمه ومحيطه الثقافي والسياسي العام، وفي جنس النقد الأدبي أرخ لإبداعه ولرحلته الأدبية.

من أهم منجزاته الدعوة إلى قيام أدب إسلامي منذأواخر الخمسينيات من القرن الماضي، في إطار من الإدراك الواعي والفهم المستنير لماهية هذا الأدب ورسالته وأهدافه البناءة دون تعصب أو جمود ، مع الحفاظ على القيم الجمالية والإنسانية الصحيحة، وقد أصد ر في هذا المجال عددا من الكتب النظرية (ثمانية كتب)، وعددا من الإبداعات الفنية التطبيقية في الرواية والقصة والشعر، وشارك بصورة أساسية وفعالة في مؤتمرات الأدب الإسلامي الحديث. كما شارك في العديد من الندوات والمحاضرات حول هذا الموضوع، وقد ترجم الكثير من مؤلفاته إلى لغات أخرى مثل الإنجليزية والإيطالية والروسية وغيرها من اللغات الحية.

قال عنه صاحب جائزة نوبل نجيب محفوظ في مجلة المصور (أكتوبر 1989 م)، (إن نجيب الكيلاني هو منظر الأدب الإسلامي الآن) وأشاد بصدقه وموضوعيته.

وهكذا فقد استطاع الكيلاني بتجربته الناجحة أن يخرج مفهوم الأدب الإسلامي في إطاره العام، أي حصره في دائرة الدعوة والموضوعات التاريخية إلى إطار المعاصرة والتحديث. أي العناية أساسا بقضايا العصر وواقع الحياة، وجعل سمة الإسلام سارية على كل العصور والأزمنة المتصلة بالعالم الإسلامي، مع العناية طبعا بالشكل الفني الذي يضفي على العمل الإبداعي جمالا ورونقا.

تميزت اهتماماته بقضايا الإنسان وواقعه مثل الحرية والعدل والمحبة والتسامح، كما أحاط بتفاصيل ودقائق الحياة في السجون، وأثار من خلال إبداعاته مشاعر المقهورين والمستضعفين ومعاناتهم في أنحاء العالم الإسلامي.

توفي الدكتور نجيب الكيلاني بعد مرض عضال عانى منه أشد المعاناة، يوم 05-03-1995م رحمه الله رحمة واسعة.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>