شهر رمضان: شهر القرآن أم شهر الفرجة والمتعة؟


إننا نعيش -حقا- حرب المصطلحات التي تحدث عنها البعض وكتبوا فيها كتابات، فبعد أن كانت تطرق آذانَنا عبارات من قبيل : شهر رمضان شهر التوبة والغفران وشهر القرآن.. أصبحنا الآن نسمع عبارات أخرى غريبة، ليست من رمضان ولا رمضان منها، من قبيل : شهر الفرجة والمتعة، هذه العبارة التي تصُكّ سمعك كلما فتحت التلفاز، حيث أصبح رمضان عند الناس زمانا لتحضير أنواع الأكلات واستعراض الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، وذلك قصد الفرجة والمتعة والضحك، وكأننا فعلنا كل شيء ولم يبق لنا إلا أن نضحك، في حين أن رمضان كما قال الحسن البصري رحمه الله -حين مرّ على قوم يضحكون- : >إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون، أما والله لو كُشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، أي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب، وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك<.

فما أروع هذا الكلام، ولو تأملناه جميعا ماضحك منا أحد ونحن على ما نحن عليه من التكاسل والخمول، والتواكل وعدم اغتنام الفرصة الكبرى (رمضان).

لقد كان السلف الصالح يجعلون من رمضان شهر القرآن بامتياز فكانوا يتبارون في ختمه المرة تلو الأخرى، لأنهم كا نوا يدركون حقيقة أنه شهر القرآن وأن شهر رمضان إنما نال هذا الشرف وهذه المكانة ليس لأن اسمه رمضان، وإنما لأن القرآن أنزل فيه {شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن} فشرف هذا الشهر تابع لشرف الكتاب الذي أنزل فيه.

أما في عصرنا هذا فقد التبس علينا الأمر فأصبحنا لا نميز ولا نعرف هل هذا شهر القرآن أم شهر الفرجة والمتعة ولعب القمار..!! فنجد الإنسان يظل نهاره نائما ويبيت ليله قائما، ويا ليته قائم في المساجد في صلاة التراويح، إنه قائم يقظ يتفرج على التلفاز (أفلام، مسلسلات، مسرحيات، كرة القدم..) أو تجده في المقهى يلعب الأوراق ويحتسي القهوة ويدخن السجائر، ويقبل على كل ذلك بإخلاص ومسؤولية وكأن دوره يكمن في إتقان هذه الأعمال، وبين هذا وذاك يُضَيّع الإنسان صلاته ويقصر في أعماله ويهجر القرآن في شهر القرآن!

ألم يكن حرياً بهؤلاء أن يجعلوا من رمضان فرصة للإقلاع عن هذه العادات الخبيثة، وأن يتصالحوا مع كتاب الله بقراءته وتدبر معانيه والتضرع إلى الله بالدعاء  عساه أن يتوب عليهم وأن يكونوا من الناجين بدل أن يكونوا من الذين قال فيهم جبريل : >بعداً لمن أدرك رمضان ولم يغفر له<، وأن يكونوا من أهل القرآن ومن عتقاء هــذا الشهر بدل أن يكونوا من الذين قـــال الله فيهم : {وقال الرّسول يا ربّ إن قومِيّ اتّخذوا هذا القرآن مهجوراً}(الفرقان : 30).

حميد الفاطمي – العيون الشرقية -

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>