الـعــقـيـدة


هي الأساس الذي يقوم عليه البنيان.. فلو أنه كان مائلاً أو منحرفاً لمال معه البنيان.. ولو أنه أقيم على غير أساس.. أي بعيداً عن العقيدة فكأنه، أقيم على شفا جرف هارٍ قد يتعرض للانهيار في أية لحظة..

إن العقيدة تمنح الإنسان والجماعة مرتكزات وثوابت ذاتية وموضوعية. فأما الموضوعية فأمرها معروف، وأما الذاتية التي تهمّنا في مسألة بناء “الشخصية” الإسلامية الضائعة في هذا العالم، فإن الذي يلمحه المرء في دائرة العقيدة الإسلامية على وجه التحديد، أن كــل مفرداتها تصبّ في هذا الاتجاه : تعزيز الشخصية البشرية، وتأكيدها ومنحها فرصة النموّ والتكامل، وإعانتها على التحقّق بأقصى وتائر الفاعلية والتوازن.

ولن يتسع المجال لاستدعاء الشواهد والمفردات في مقال كهذا، ويكفي أن يرجع المرء إلى كتاب الله تعالى وتعاليم رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم لكي يرى بأم عينيه حشود المعطيات التي تبعث الشخصية السوية السليمة القديرة على ممارسة دورها (الإنساني) في أعلى مستوياته.

وهذه القدرة على بناء الشخصية لا تقف عند حدود الفرد، وإنما تتجاوزه إلى الجماعة.. وإلى الخارج الموضوعي لكي ما تلبث أن تبني عالماً سعيداً متوازناً قديراً على النموّ والتجدّد والإبداع.

إنها أشبه بمعادلات ذات طرفين، أو عملة ذات وجهين، فإن نشوء الحضارات وتناميها لا يتحقق إلاّ بقوّة الشخصية السليمة، وهذه لن تتحرك في الفراغ ولابدّ لها من وسط حضاري تمارس عملها فيه.

إن المرء ليتذكر هاهنا صفات الله جلّ في علاه في المنظور الإسلامي :

إن كل واحدة من هذه الصفات تمارس دوّراً إيجابياً فاعلاً في بناء الشخصية الإسلامية السليمة، ومن خلال مجموع هذه الصفات نجد أنفسنا قبالة شخصيات تتمتع بأقصى وتائر التوازن، والتوحّد، والأمن، والطمأنينة، والفاعلية، والإبداع.

إن الإنسان المسلم وهو يعبد الله سبحانه ويستحضر صفاته، لحظة بلحظة، ودقيقة بدقيقة، إنما يمارس واحدة من أشدّ صيغ التنامي في الشخصية قدرة على الفعل.

وعلى خلاف التصوّرات الضالّة للأديان المحّرفة للحقيقة الإلهية، فإن الألوهية في الإسلام تعكس صفاتها على الخلائق والعالم بأقصى درجات الوضوح، والتماسك، والموضوعية، والإقناع، والتأثير، والتوافق مع المطالب الأساسية للشخصية البشرية.

إن وحدانية الله سبحانه، وتفرّده، وقدرته المطلقة، وحاكميته، وربوبيته، وجبروته، وهيمنته، وجلاله، وكبرياءه، وتعاليه، وعلمه، ورحمته، وعزّته.. الخ.. تمارس، بالنسبة المتاحة للتلقّي من عباده الصالحين، دوراً مدهشاً في بناء الشخصية السليمة وفق صيغة قد تشبه -إذا جاز ذلك- معادلة كيمياوية اختيرت عناصرها ونسبها بعناية فائقة..

إن هذا لم يعط الفرد فحسب في المجتمع الإسلامي قدرته الفريدة على الصعود والتحقق والتوازن، وإنما أعطى الفرصة للمجتمع نفسه على ما يسميه (غارودي) بالتسامي، ذلك الذي مكن هذه الأمة عبر مراحل تألقّها والتزامها من أن تعكس واحدة من أكثر الحالات نقاءً وطهراً وفاعلية في التاريخ البشري.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>