الآخرون يتقدمون ونحن نتفرج جامدين


لقد حققت أوربا حلما طالما دعا إلى تحقيقه عقلاؤهم، فبعد الحرب العالمية الأولى وقبل الحرب العالمية الثانية ألف أحد مفكري الألمان كتابا مهما بعنوان “الإسلام قوةُ الغد العالمية”  دعا فيه أوربا إلى ضرورة الوحدة وتكوين دولة واحدة قوية قبل أن يستَيْقظ العالم الإسلامي الذي يملك مقومات دولة عظمى ومن أهم هذه المقومات : الثروات المنجمية والنفطية والمواقع الاستراتجية والثروات الغذائية والموارد البشرية التي يزداد نموها بشكل مذهل وغير ذلك، ولكن أهم هذه العوامل والمقومات : الدين الإسلامي الذي يدعو أمته إلى الوحدة والقوة والحرية والسيادة إلى غير ذلك مما يجعل هذه الأمة قوة الغد العالمية التي تهدد أوربا والعالم لذلك يجب تكوين الدولة الأوربية الموحدة قبل أن يستيقظ هذا العملاق الذي نراه الآن يتململ. وقد كان العالم الإسلامي إذاك يغلي بحركات الجهاد والمقاومة والمطالبة بالاستقلال…

واستقل العالم الإسلامي فحقق بذلك إخراج الاستعمار من بلاده ولكنه لم يُحرِّرْ نفسه من القابلية للاستعمار فأصبح هذا العالم كما وصفه الشاعر العراقي الجواهري في قصيدته العصماء التي ألقاها في بيروت سنة 1952 جاء فيها :

تنهى وتَأمر في البلاد عصابةٌ

يَنْهَى ويأمر فوقها استعمارُ

وهكذا دخل عالمنا الإسلامي في دوّامات الديمقراطيات المشوهة والتنميات المنهوكة والتقدم إلى الوراء والأحزاب السياسية المهرّجة والاعتماد في نهضته على استيراد الأشياء بدل استيراد المناهج والمنظومات الفكرية والعلمية والاعتماد على حضارة الواجهات التجارية بدل روح الحضارة وأصالة الثقافة…

وبعد أكثر من قرن وجدنا أنفسنا أكثر تخلفا وتأخراً في حين نرى أمامنا الصين التي كانت في حضيض التخلف تتقدم تقدما مذهلا وها هي الآن تهدِّد أمريكا وأوربا بغزوها العالم بإنتاجها الغزير والمتنوع وفي أعقابها الهند وقبلهما كوريا الجنوبية وتجيء بعد هؤلاء الفيتنام التي دمرتها فرنسا وأمريكا بأفتك الأسلحة. ومَوقعنا نحن أن نتفرج إلا إذا استثنينا بلدا إسلاميا واحداً وهو ماليزيا التي خرجت من ساحة التخلف ولحقت بالعالم المتقدم وكادت أندونيسيا تدخل عالم التقدم لكن الاستعمار والقابلية للاستعمار أجهزا عليها وعاقا تقدمها ولن ننسى الاضرابات والمظاهرات التي قامت بها أحزاب كانت تُحسب على الإسلام حتى أيام اضطلاع الرجل العظيم حبيبي بإدارة الحكم. ذلك الرجل الذي كان وراء تقدم أندونيسيا أيام حكم سوهارتو.

إن عالمنا الإسلامي يزداد تخلفاً كل يوم رغم الثراء الفاحش لبعض بُلدانه لأنه يأبى أن يتقدم فإن حاول أن يفعل أخطأ الطريق وجانب الصواب.. ومن الملاحظ أن بعض البلدان الإسلامية مهددة بكثير من الأخطار وهي غافلة عما يُحاك لها ويُحاط بها، بل  إن بعض هذه البلاد قد أحيت النعرات الطائفية ظانة أنها بذلك ستسود غافلة أن أعداء الإسلام يتربصون الدوائر بالجميع.. إن النموذج العراقي والنموذج الأفغاني والنموذج الفلسطيني والنموذج السوداني يمكن لها أن تطبق في بلاد أخرى تظن نفسها أنها في مَنجاة من أي أذى وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول : {إن يثْقفوكم يكُـونوا لكم أعداءاً ويبسطوا إليكم أيْدِيهم وألسِنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون}(ممتحنة : 2).

فإلى متى سيبقى هذا العملاق يتفرج  وهو في قيود التخلف والمشاكل الداخلية والإحن الطائفية والخلافات السياسية بين الأشقاء والتفريط في مواهبه وثرواته الكثيرة وأصالته العظيمة ودينه الحق، في حين يتقدم الآخرون الذين عانوا أكثر مما عانينا وكانوا أكثر تخلفا منا فأصبحوا في مقدمة العالم بعدما كانوا في مؤخراته!!

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>