خبر عاجل


كنت أتابع برنامجاً تلفزيونياً على إحدى القنوات الفضائية، يعرض ما يعانيه الشعب الفلسطيني يوميا : قتل، جوع، حصار، حواجز – بطالة -خوف -ظلام – أمراض- انعدام الوقود -انعدام الكهرباء -مصانع لا تعمل -مستشفيات متوقفة.. إلى غير ذلك من أنواع الظلم والقهر والإبادة مما لو تعرضت له الجبال الرواسي، لانهدّت عن آخرها، لكنه الشعب الفلسطيني المرابط على أرضه الصامد فيها، المدافع عنها، الصابر على ما يلحقه من ثبات فيها. الباذل لمُهَجِه لكي يعيش كريما فيها، البائع لنفسه طلبا للشهادة في سبيل الله، المحتقر لما في الدنيا رغبة لما عند الله.

كنت أتابع البرنامج، فإذا بخبر عاجل يملأ الشاشة بأكملها، وباللون الأحمر المثير يقول ((دولة أوروبية تعلق حدودها، وتقطع الماء والكهرباء والمحروقات عن جارتها إمارة…)) ولكِبَرِ الخط الذي كُتب به الخبر لم يظهر اسم الإمارة، حتى استحضرت قول من قال ((من شِدَّة الظهور الخفاءُ)).

ذهَب ظني مباشرة إلى أن يكون الأمر يتعلق بإحدى الإمارات المعروفة باستقلالها الذاتي كإمارة ((موناكو(( أو ((أندورة((، كما خطر ببالي أن يكون الأمر يتعلق بدولة ((اللوكسمبورغ)) ، فهي الأخرى كالإمارة أو أقل، وتعتمد على ما يصلها من الدول المجاورة في الكثير من الأشياء ثم قلت في نفسي لعلي لم أقرأ جيداً الخبر العاجل، فقد يكون الأمر يتعلق بغزة، وأن الدولة الأوروبية طلبت من الكيان الصهيوني تشديد الحصار على غزة إذ لا يمكن أن يقع هذا في أوروبا، فالتجويع والحصار والإذلال يقع علينا نحن المسلمين وليس على الشعوب الأوروبية التي كانت وما زالت العالم الأول. وبينما أنَا كذلك إذا بخبر عاجل آ خر يقول : ((الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، والصين و… و.. و.. يستنكرون ما قامت به هذه الدولة ويطالبون بفتح الحدود وإعادة الإمدادات السابقة)) ثم توالت التنديدات على الشكل التالي في صو رة أخبار عاجلة تقول :

((الأمم المتحدة تندد وتطالب…))

((قبل انعقاده مجلس الأمن يندد ويطالب…))

((الجماهير تخرج في عواصم العالم تندد))

((العالم كله يندد…))

بعد أقل من سا عة يأتي خبر عاجل آخر يقول : ((الدولة الأوروبية تفتح حدودها من جديد، وتزود الإمارة باحتياجاتها، وتعتذر إلى سكان الإمارة وإلى العالم)).

عجبت من الخبر ومن سرعة ردود الأفعال، وتساءلت هل أنا في يقظة أم حلم، وإذا بموجز نشرة الأخبار يوقظني يقول المذيع : ((استشهاد ثمانية فلسطينيين في قصف جوي إسرائيلي..)) فانتبهت إلى أني كنت نائما، وأن ما رأيته مجرد حلم.

تساءلت وأنا يقظ، ما الفرق بين الشعب الفلسطيني والشعوب الإسلامية عامة التي تعاني ما تعانيه وبين الشعوب الأوروبية؟

لماذا تقوم القائمة حينما يحدث أمر ما في دول “العالم الأول” ولا يُحرَّكُ سَاكِنٌ حينما يُقَتَّلُ الشعب الفلسطيني ويُجَوَّع ويحاصر؟؟

أليس للشعب الفلسطيني حق الحياة؟؟

أليس له حق اختيار من يمثله في الحكم؟؟

أليس له حق التعبير عن وجهة نظره؟؟

أليس له حق الدفاع عن كرامته؟؟

أليس… أليس…؟؟

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>