“قسوة الأحاسيس”


أيها الواقفون على عتبات هذا العنوان المعبَّإ بشحنات المرارة والخيبة، أرجوأن لا يذهب تفكير العارفين منكم للوهلة الأولى إلى الشريط الروسي الذي تربع متوجا عن جدارة واستحقاق في الأشهر الأخيرة، على شاشة الفن السابع بمراكش الحمراء،  في إطار مهرجان السينما الدولي السنوي،  الذي يقام بين ظهراني المسلمين الموحدين، سوقا  للعري والعري المضاد، في فضاء لا تفاضل فيه إلا  للأعرى والأبدخ، (إن جاز التعبير)  لباسا ومجوهرات، ورطنا بلغة موليير ولغة شكسبير، وتلك حريرة أخرى تحتاج منا، لا جلد الذات بل الوقوف على تغيير الفن،  وتجاوز النظرة المحدودة الكسيحة تجاه الفن السينمائي تحديدا،  كمصدر فتنة، الشيء الذي أدى إلى اجتياح الماء العكر لأذهان وعقول  وأجسام أجيالنا  المفرغة من جينات المناعة ، حتى غدونا لا نعرف البتة هذه المخلوقات الشوهاء التي نسميها أولادنا والتي خرجت بالطول وبالعرض على أعرافنا وتقاليدنا، دون الحديث عن ديننا  )وتلك الطامة الأفظع (بكل  تحد وصلافة… ولا زال البعض من فقهائنا، وأعني منهم ذوي الميول التكفيرية، يرهنون قطار الأمة المتهالك لفقه الحلال والحرام، المتأول بكل عسف للنصوص الشرعية، ومقاصدها الربانية الحليمة الحكيمة.

وعودة إلى هذا الفيلم الروسي الذي أسال الكثير من مداد المديح لتعرضه لقوى الإفساد داخل المجتمع الروسي وفضحها والتصدي العنيد لذيولها، فقد أثارني العنوان  والمضمون بما يكفي، لأستعيد تفاصيل واقعنا المتواصل الانحدار على مستوى القيم، في حين تظل جل الأفلام المغربية التي تسائل وتشرح هذا الواقع بعيدة كل البعد في مقارباتها للهم المغربي عن الوجدان الديني للمغاربة، إن على مستوى وصف الأعراض أوعلى مستوى  وصف الحلول، علما أن آخر دراسة سوسيولوجية قام بها مجموعة من الباحثين المغاربة ذوي التخصص السوسيولوجي والسياسي كمحمد الطوزي وحسن رشيق، استخلص أصحابها من خلال اشتغالهم على الحقل الديني في حياة المغاربة عمق وتجذر المشاعر الدينية في وجدان المغاربة، في الوقت الذي تظل فيه السينما المغربية في وضعية الحياد التام تجاه هذا الشعور،  أووضعية المناوشة، بجمع الإسلاميين في سلة العدوانية بكل أطيافهم، كما هوشأن السينما المصرية المتخصصة في مجال تشويه الالتزام الديني على يد  مايستروالتمييع للإسلامين : عادل إمام..

ونحن  (في رأينا المتواضع) نعتبر السينما أحد أطواق النجاة، وأنه  أصبح في حكم العاجل الملح الجلوس للتفكير في صيغ تنزيل إبداعاتها، وفق التصور الإسلامي الراشد  سعيا لمحاصرة مـد الإفساد الذي صلب عوده بشكل غير مسبوق حتى ألفينا أنفسنا، نتعاطى مع تجلياته المضللة والمستهترة بالدين  في شبه تطبيع، تتباين فيه مواقف الشرائح الاجتماعية بين سادر في المعصية وهويحسب أنه يحسن صنعا، ومقتصد في الطاعات حائم حول الشبهات، يوشك أن يقع فيها، وأثناء ذلك يتساقط أبناؤنا كالهوام في نار المعاصي التي كلما تفسخت جلودهم بلهيبها، بدلتهم جلودا أخرى.. والمصيبة الأدهى والأمر، أن هذا الطوفان السينمائي المستورد الفجور، أشعل كوامن المواهب السينمائية الإباحية لدى العديد من نسائنا ورجالنا على مستوى الواقع الملموس، وأطلقها من عقال الحياء إلى الرذيلة المطلقة، حيث يحكي أصحاب محلات الانترنيت  عن نساء يجلسن أمام كاميرا الحاسوب، ويبزن فقيدة الإغراء مارلين مونروفي استعراض مفاتنهن أما رجال افتراضيين، بل يعرضن لقطات ساخنة لأجسادهن على زبناء الانترنيت لقاء حوالة مالية دولية يتوصلن بها بين الوصلة الجنسية والوصلة الأخرى..

وقبل أسبوع قرأت مقالا مرعبا بمجلة  ” نجمة ”  التي يديرها الصحفي اللامع رشيد نيني  حول الأفلام الإباحية داخل الأسر المغربية وما تحدثه من دمار شامل داخل هذه الأسر الآمنة، إذ تضطر نساء لا حول لهن ولا قوة إلى تقمص دور مومسات هوليود لإرضاء الرغبات الشاذة لأزواج يتغدون على أفلام الخلاعة، وإلا ” فالباب ألحباب “، لمن ترفض الانخراط في هذا الهيجان البهائمي!!!..

وكل من أمعن تدبرا في اللوحة،  سيتبدى له كيف يتضارب بداخل المسلمين شعوران بينهما برزخ لا يبغيان، شعور ضعف المناعة المكتسبة أمام التيارات الإباحية من جهة،  ومن جهة أخرى، ” قسوة الأحاسيس ”  وبصيغة أخرى، تصلب وتخشب مشاعرنا وأحاسيسنا الدينية والقومية، حتى ليمكن تشبيهنا -دون أي شعور بالظلم- بالحجارة، وإن من الحجارة لما يشقق فيخرج منه الماء،ودليلنا :  ما يحدث من إبادة للشعب الفلسطيني في غزة الماجدة، وسط برودنا الجليدي، لا في غزة فحسب، بل في الكثير من بؤر استخذاء الشعوب العربية والإسلامية عبر المعمور..

ولازال المتنسكون والطهرانيون من المتنطعين كما سماهم الحبيب اللبيب المصطفى عليه السلام يدردشون في  الفنادق المكيفة، الموظبة بتقنيات وأثاث وموسيقى الغرب وأكلات الغرب!!، ويتجادلون حول حرمة مستوردات الغرب ؟!! وعلى رأسها الفن، ولعل عبقرية الاجتهاد تسعفهم فيفتي الراسخون منهم  في التضييق، باللجوء إلى رضاع الفنانين من الفنانات  لتحل الخلوة المنتجة، ولتصبح لنا كما الآخرين، سينما تواجه موجة تسونامي السينمائية الغربية التي تهدد بإحالتنا إلى هنود حمر وأقليات بائدة!!..

وحتى ذلك الحين، أيها القابضون على جمر الإسلام، لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين..

إن كنا مؤمنين، وهنا مكمن العقدة، والله أعلم.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>