الهم الجسدي في الأدب النسائي الحداثي (5)


الأدب النسواني إرضاء للغرب

4- الرغبة في إرضاء الغرب لنيل الحظوة لديه

إنه مما لا شك فيه أن كينونة المبدعة المرأة في المجتمع العربي صمام أمان له،

ووسام فخار على صدره، إذ هي الأقدر على التعبير عن حاجيات نصف ذلك المجتمع، والأماكن من حسن تصوير واقع النساء اللواتي تشترك معهن في الهوية والجنس والآمال والتطلعات، وحتى في كل حيثيات الماضي والحاضر والمستقبل…

لكن المشكلة أن الإبداعات الأدبية لدى المبدعات الحداثيات، تلك التي كان من الممكن أن تكون آليات تغيير وإمتاع في نفس الوقت، تنقي الشوائب وتغرس الأصيل، وتلك الصادرة ممن يفترض أنهن يعشن الهم ويكتوين بلهبه، لا تعبر حقيقة عن واقع المجتمع، وبالخصوص عن حاجة المرأة الرئيسية في أن تتمتع بإنسانيتها أولا وأخيرا قبل كل شيء…إنسانية أصيلة تستحقها،ونابعة من كونها من جنس المكرم من طرف الباري عز وجل الذي استخلفها كما الرجل، من أجل إعمار الأرض وفق منهج الحق والصواب.

ثم والإشكالية تتفاقم وتتناسل منها الأبعاد والتداعيات حين تشتهر أولائك المبدعات، إذ يترقين ويرقين درجات السلم الاجتماعي بفضل “ثقافتهن”  وإصداراتهن، ثم وينسين هموم القاعدة الأوسع من عموم النساء، ويصبح همهن الأكبر هوإثارة انتباه السيد الغرب وتلامذته النجباء واستجداء جوائزهم، وذلك عن طريق الكتابة حول المرغوب في الحديث عنه من فضائح وشذوذ في الفكر والسلوك، كتابة تتوخى التصوير والنشر في واضحة الضوء وكذا التطبيع، دونما محاولة لفهم الأسباب، وللبحث عن الحلول.

وحينذاك، أي حين النأي عن الفضاءات الطبيعية -التي تتفاعل وتحيا فيها المرأة بعفوية- يصطنعن الحديث عن عدم الزج بالأخلاق، وينادين بعدم احتساب ما ورد في المضمون من مفاهيم عند تقييم الإبداع كما سلف الذكر، ويتخذن هذه الحجج متاريس يتوقين بها تبعات كل مساءلة حول تأثير ما يكتبن، وحول آثار ما ينشرن من مفاهيم على التوجه القيمي والأخلاقي في المجتمع بشكل عام، تلك المفاهيم الدخيلة المستوردة والتي يجدن أنفسهن مطالبات بتسويقها في إطار السياق الثقافي والفكري المتبع من طرفهن.

الهم الجسدي لدى المرأة…معالجة تصورية إبداعية ممنوحة من القيم الربانية

أ- وبعد محاولة جرد وتتبع الأسباب الداعية إلى احتكار الحديث عن الجسد لجل إبداعات الحداثيات، أعتقد أنه من المطلوب العمل على صياغة معالجة ممكنة معقولة ممتوحة من القيم الربانية، وتؤدي إلى درء الغموض وإلى تسليط الضوء على هذه القضية المهمة المحور، قضية علاقة المرأة بالجسد في واقعنا التقاليدي البعيد عن الدين…

إذ الحديث عن الجسد ليس من قبيل المحرم ولا غير مرغوب فيه كلية…فالحق الجسدي للمرأة كفله الشرع، وأيد ذلك العلم المدعوإلى اعتماد نتائجه من طرف الدين، وليس من المطلوب إلغاؤه وتجاوزه بالكلية من طرف المرأة في إبداعاتها الأدبية، إنما المستهجن هوتكرار طرح هذا الموضوع في الكتابات النسوية، حتى إن القارئ أوالمتلقي ليظن أن ليس للأنثى  انشغال إلا بتضاريس الجسد تستفتيها حول كيفية سد جوعتها…

ثم وحتى لوأن المبدعة لا تعاني فعلا من الحرمان الجسدي ذلك الموضوع المستهلك، وتصوره فقط من أجل تسليط الضوء عليه ونقده، ولكي تساهم في فضح مكنوناته أمام المجتمع من أجل علاجه، فإن في هذا الأمر هدر لطاقاتها الأدبية والفكرية، لأن للمرأة هموما أخرى أهم وأفدح تأثيرا عليها وعلى محيطها من قضية الحرمان من حق الجسد.

فأنواع متناسلة متعددة من القهر تمارس على المرأة، جور وحيف وطغيان وينزرع الكل شوكا في دهاليز حياة النساء ليردوها أسفل سافلين… متاهة حالكة منتنة وتنتعش فيها الحيرة والضياع…ويساق النساء إلي فضاءاتها عنفا كل آن وحين.

ثم إن الهم الجسدي لدى المرأة ليس هما قائما بذاته منبثقا من نفسه، إنما هوعبارة عن تداعيات كثيرة أشياء أخرى…

فعن طريق الغوص في حميميات النساء، وبواسطة تقصى أغوار أسرارهن الزوجية، يبدوواضحا أن الحواجز بين المرأة وبين التواصل الحميمي المشبع مع الزوج منبعه الإحساس بالظلم الممارس من طرفه تجاهها، سواء أكان ذلك الظلم متعمدا، أوحتى دون نية الإساءة لسيطرة وانحشار التقاليد.

فعدم الإشباع الحاصل لديها ليس مرجعه إلى عدم حضور جسد يقاربها، وإنما لغلالة من الأحاسيس والمشاعر تمنعها من استمراء ذلك القرب.

فبعض حقد دفين يتغلغل تدريجا مع تواتر السلوكيات المهينة لها، حتى تصبح المقاربة عبئا ترزح تحت ثقله وتمقت حدوثه وكينونته، ثم وهي لا تستطيع البوح بالإحساس بالظلم لتواطؤ الكل على تقبله وعلى التعايش معه، لكن ومع مرور الزمن لا بد وأن يبدومنها ما ينبئ عن استثقالها لتلك العلاقات الحميمية، فتنشأ لدى الزوج أحاسيس تجاهها يطبعها التجاهل ويداخلها الاستعلاء، ثم من بعد ذلك:

- فإما يستمر في استغلال الجسد لأنه “مِلكُه”، ولوأنه يعلم بعدم رضا صاحبته، تأكيدا لقوامة يراها له، ويعتقد أنها تكفل له حق التصرف فيها كلها حتى ولوكانت كارهة له.

- وإما يستعيض عن ذلك الجسد غير المتجاوب، غير مستمرئ للعلاقة،، بآخر منقاد يلبي رغباته، سواء في “الحلال” عن طريق التعدد، أوفي الحرام بارتياد المواخير وذلك حسب التوجه، وعلى قدر كَمِّ المبادئ والقيم.

ولذا فإن حل المشكلة ليس بتسليط الضوء على النتيجة وإنما على الأسباب.

إذ النتيجة ما هي إلا حصيلة تراكمات ما، هي الفاعلة الحقيقية في عملية إنتاج مشكل ما.

لكن…أوتروم الحداثيات المكرسات أدبهن للحديث عن الأجساد البحث عن حلول أوحتى التعريف بإشكاليات ما بخصوص هذا الموضوع وحوله؟؟؟

إذ لعله من العبثية بمكان أن يقال بأن الأدب ما هوإلا النقل والتصوير بهدف الإمتاع بالقالب الجميل المنمق لا غير…

ثم…لا بد وأن هذا الطرح -على الأقل تطبيقيا- متجاوز ومرفوض من طرف المبدعات النسوانيات الحداثيات، إذ هن بالرغم من أنهن يحاولن الإقناع نظريا باعتناقهن للمقولة الحداثية “الفن للفن” دون استهداف الفعالية والتغيير، إلا أنهن يُصَرِّحْن أيضا -وعلى الكثير من المنابر- أنهن يَرُمْنَ من وراء إنتاجاتهن الأدبية إلى إسماع صوت النساء، وإلى إظهار واقعهن المطموس والمخنوق بالمسكوت عنه عن طريق تعريته بالكتابة عنه، هووكل ما يحيط به…

د. صالحة الرحوتي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>