سياسة تدبير العبث


في عالم الاقتصاد، كما في عالم الإدارة والسياسة، يتكلم الاختصاصيون اليوم عن “نظام تدبير الجودة” (Systéme de management Qualité)، ويهدف هذا المصطلح إلى وضع أسس محددة لقياس الجودة سواء في المنتوجات أو الخدمات، وتمنح للمؤسسات التي تحترم مقاييس الجودة شواهد تسهل لها ولوج الأسواق العالمية بتنافسية عالية، كما هو الشأن بالنسبة لشهادة الجودة : I.S.O والتي تمنحها المنظمة العالمية للمعيارية (Intenational Standard Organisation) غير أن المتتبع لواقع الأنظمة العربية وصناع قرارها، يتأكد له وبالملموس أن النظام العربي يات ملقحا ضد فيروس التغيير الحضاري الذي تشهده الكثير من الدول التي كانت بالأمس تصنف في خانة الدول النامية، فبدل أن يسعى العقل العربي إلى تدبير الجودة، انخرط بكل حماسته في تدبير العبث على كافة مستوياته : الفنية والفكرية والسياسية.

فعلى المستوى الفني تشهد الساحة العربية تناسل قنوات “هز البطن” وصناعة الوهم بالنسبة لشباب غُرِّرَ بهم في برامج : “ستار أكاديمي” وما شابهها حيث ينعدم الفن وتنتشر الميوعة، نفس الشيء بالنسبة للإدارة العربية حيث تنتشر الرشوة والزبونية وغياب الحس الوطني في اختيار الأطر الكفأة للمناصب الحساسة، أما عن السياسة فحدث ولا حرج، فمن تزوير الانتخابات إلى الانقلابات على الدساتير التي تنص في ديباجتها أن لا يتولى الرئيس لأكثر من ثلاث ولايات.. وحيثما وليت وجهك شطر المشرق العربي أو شطر مغربه يتجلى لك العبث في كل صوره : فلا الفن بقي فنا، ولا السياسة بقيت مجالا للتنافس الشريف، ولا الرياضة أضْحَت رياضة، والغريب وما من شيء غريب أنه كلما اشتدت وطأة القهر الإمبريالي الصهيوني والأمريكي على المنطقة العربية، كلما ازدادت حماسة العبثيين من أنصاف الفنانين والسياسيين والمثقفين الذين ابتلينا بهم في هذا الزمن العربي الرديء، وكأنهم بذلك يجسدون قول الشاعر العربي :

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله     ***     وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>