واجب الاستشارة
إن الاستشارة معناها : طلب النصيحة، وطلب الرأْي الناضج في كل أمْرٍ أسريٍّ يقتضي تشاوراً وتفاهماً هادئاً مُعَلَّلاً ومُقَلّباً على كل الجهات والأَوْجُه التي يمكن أن يؤدِّي إليها، مثل : اختيار الدار كراءً أو شِراءً، وكيفية تأثيثها، وكيفية استضافة الأصهار أو تنظيم الزيارات لهم، وكيفية تربية الأبناء والبنات، وكيفية قضاء العُطل القصيرة والطويلة.
ومِثل : اختيار اللون السياسي المناسب الذي يمكن أن ينصرف إليه الرجل أو يرشح نفسه له، وكذلك اختيار اللون الاجتماعي الذي يمكن للمرأة أن تُبدع فيه، مثل : محاربة الأمية، أو محاربة الأمراض، أو محاربة الفقر، أو محاربة التخلف الفكري.. إلى غير ذلك من الميادين المُبْرِزة لكفاءة الرجل في عمله التجاري، أو الوظيفي، أو السياسي، والمُبرزة لكفاءة المرأة وإسهامها في ترقية أسرتها ومجتمعها.
فاستشارة المرأة بقدْرِ ما هي رفْعٌ لمكانة المرأة معنويّاً وأدبيّاً، بقدْر ما هي إعلاءٌ من شأن رجولة الرجل الواثِق من نفسه، وحقِّ زوجته، والواثق من خط السَّيْر الذي خَطَّهُ مع زوجته وأسرته لأداء الدّور المطلوب أُسريا واجتماعياً وسياسيا، في ظل التكامل والتفاهم الجالِبَيْن لرضا الله عز وجل ورضا النفس وطُمانينتِها.
ويكفي المرأة فخراً وشرفاً أن الرسول استشارها في أخطر الأوقاتِ المُحرجة للمسلمين، في غزوة الحُدَيْبِيّة، حيث استشار أم سَلَمة ونصحتْه رضي الله عنها بالخروج على المسلمين وحَلْق رأسه وذبح هَدْيِه، وآنذاك سيقتدي به المسلمون وبذلك يُحفظون من إثْم العصيان، فكان رأيها خيراً وبركة على المسلمين.
ويكفي الرجل قُدْوةً وأسوة أن يكون الرسول استشار زوجته وعَمِل برأيها ونصيحتها، خصوصاً وأن القرآن في المجال الأسري بالأخص كثيراً ما يحُثُّ الأسر على حلِّ المشاكل : إرضاعاً، وإنفاقاً، وحضانة عن طريق التشاور، قاضيا بذلك على النظرة الجاهلية القديمة للمرأة التي كانت تَعتبِر المرأة من سَقَط المتاع، وسوف يقضي -بإذن الله تعالى- على النظرة الجاهلية الحديثة التي تُنظِّر للمرأة المسترجلة بدون أدوات الرجال، ودون عقول الرجال.
فالاستشارة أفضل وسيلة لرَدْم الهُوّات، وتقريب التلاحم بين مختلف البيئات والأوضاع والثقافات، ومزْج المشاعِر وتعايُش الطموحات، وتوحيد الاهتمامات حتى يصبح الحبُّ الزوجي والأسري محكوماً بالثقة الموثقة بالميثاق الغليظ المربوط في السماء والأرض بين زوجين لا يعرفان : أنَا، وأنت، بل امتزجا جميعا في ضمير >نحْنُ< المُذوِّبة للأثرة والأنانية، وللاختلافات المتنوعة التي لا تزيدها الأيام إلا تناغُما وتجاوُباً.
واجب الاعتذار
إذا كان الاعتذار من الزوجة للزوج يُعتبر من آكَدِ الواجبات عليها إذا أخطأتْ في حقه خطَأً لا يرْضاه الله تعالى لأنه يُعتَبرُ طاعة لله تعالى وقرباناً، فإن الاعتذار من الزوج للزوجة عن كلمة جارحةٍ، أو جَرْحة غائرة، أو سخرية قاتلة، يعتبر كذلك طاعة لله تعالى وقربانا، ولا يُعتَبر إهانةً وتكرّماً وامتناناً، بل يُعتبر كذلك تكسيراً لغرور الرجولة المزيّفة، وترويضاً للنفس على قبول المراقبة الذاتية، وتقويم أخطائها بدون الإحساس بمُرَكب النقص.
أما أساليب الاعتذار فمتعددة الطرق والأنواع على حسب طبائع الزوجة وحُسْن تقبّلاتها :
< فيمكن أن يتم بالقول الصريح مثل أخطأت في حقك يوم قُلت لك كذا وكذا، أو يوم لمْ أعمل برأيك في كذا وكذا.
< ويمكن أن يتم بالكلام المُشَفّر : مثل >عفا الله عمّا سلف< >أقدّر صبركِ وتحملكِ لي< >أنتِ امرأَةٌ عظِيمةٌ بسَعَةِ صدْرِكِ<…
< ويمكن أن يتم بهدية جميلة، أو هدية رمزيّة تحمِل دلالة عظيمةً من المحبة والتقدير.
< ويمكن أن يتم بخرْجةٍ تفريجية تفويجيّة تتيح الهمس واللّمْسَ والمداعبة والتنكيت في الهواء الطلق.
فإن ذلك كُلَّه يمسح كُلّ ما عَلِق بالنفس من انفعالاتٍ مُدَمِّرة، بشرط أن يتم ذلك سريعا قبل تدخُّلِ عنصرٍ ثالثٍ من القريبات والجارات والصديقات، إذْ هؤلاء سوْف لا يعْمَلْن -في الغالب- على الإطفاءِ لجمرات الغضب والعِتاب، ولكن سوف ينفُخْن في النار الخامدة لزيادة اشتعالها وتأجيجها إلى درجة صُعُوبة رتْق ما انفَتَق، فالله تعالى يقول : {والذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم}(آل عمران) فالآية ملحوظ فيها سُرْعة الإدراك للخطإ، وسُرعة الاستغفار، والزوج الذكيُّ هو الذي يدرك بسرعة زَلْقَتَهُ من خلال احمرار وجه زوجته، أو انحدار عينيْها، أو الوقوف وِقفة مستعجلة، أو المشي مِشيةً متوترة، أو انفلاتِ آنية من أواني المطبخ وتكسُّرها إلى غير ذلك من الحالات التي لا تُخفي تُكدُّر النفسِ واسْوِدَادها.
فالمطلوب في هذا الوقت التوضُّؤ وصلاة ركعتين خاشعتين لتصفية دواخل النفس من العصبية والغرور والتعالي، ثم البدء في العلاج السريع بما يُرى مناسبا في هذه الأوقات الحرجة حتى يتم البسط والمسْح لكل الترسبات السيئة.
إن الاعتذار المناسب في الوقت المناسب يجعل المرأة تنسى كُل العيوب والمساوئ، ويجدد -في نفس الوقت- جذوة الحُبِّ والتحابُب، وجذوة الرحمة والتراحم، وجذوة الثقة والتواثق، وجذوة الإكبار والاعجاب والاحترام والهَيْبة المهيبة.
حـ- واجب التمتيع بالأمومة :
إذا كان من حق الرجل أن يتمتع بحق الأبوة، فإن من حقّ المرأة التمتع بغريزة الأمومة، وعلى ذلك فمن واجب الرّجل ألا يعْزِل عن زوجته بدون إذنها، فالقذف في الرحِمِ -زيادةً على ما لَهُ من لَذَّةٍ خاصّةٍ عند المرأة- هو الطريق الشرعي المناسب لتكوين الولَد، الذي هو حقٌّ أصيل من حقوق المرأة، كما هُو حقٌّ أصيل من حقوق الرّجُل، كما هو حقٌّ أصيل من حقوق الأمة، إذ نجِدُ الكثير من الدُّول -وخصوصا الأوروبية- تشجع النساء على الإنجاب عندما تشعر بالشيخوخة الزاحفة على سكانها، والأمة الإسلامية شرَّفها الله تعالى بقوة كثرة العَدد الكفيلة بَبَعْثِ الرُّعب في الأعداءِ على هزالة التكوين وضعف المستويات المتعدّدة، أمّا لوْ اجتمعت الكثرة مع حُسْن النوعية فذلك شرف الدنيا والدين.
على أي حال فليس من حقِّ الرجل أن يحرم زوجته الولود من الولادة بدعوى ضيق ذات اليَدِ، فالله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر.
واجب التأديب المؤدب
هذا الواجب اكتسبه بحكم القوامة التي جعلها الله عز وجل حَقّاً من حقوقه الأساسية في الحياة الزوجية تكليفاً لا تشريفا، وإثقالاً وتطويقاً بالمسؤوليات بحكم أن الله تعالى خلقه مُؤهَّلاً لها، حتى تتمتع شريكة حياته بالفراغ من هَمِّ لُقمة العيش والكساء والرعاية الصحية والحمائيةلتتفرغ للحمل والإرضاع وتربية الأجيال التي لا يقدر عليها الرجال، ولن يقدروا ليبقى ذلك كله وسام شرف يُنقش على صدْر المرأة الودود الولود.
والمرأة المستقيمة الفطرة لا تنفر من هذه القوامة ولا تُنكرها، بل عندما ترتبط بالزواج مع رجل ترتبط على أساس أن الرجل هو المسؤول ماديا ومعنويا عن الأسرة، وأن المرأة أول رعايا هذه الأسرة التي يجب أن تخضع لقائدها حتى تؤدي هذه الأسرة وظائفها بامتياز.
والقوامة الحق هي التي تكون مُطْلقةً اليد -في حدود الشرع والعُرف الفطري- في التصرف رعايةً وتشجيعاً وتوجيهاً وتأديباً لمن زاغ عن الجادة زوغاناً يسير في اتجاه إغراق مركب الأسرة في أوحال الفساد والاعوجاج المُضل، فهنا لابُدّ من التدخُّل بما يناسب من التأديبات والتوجيهات الصارمة، والمواعظ البليغة لحماية الأسرة، قبل الوصول إلى استعمال سلاح الهجران والمقاطعة، في حدود النطاق السري الثنائي -بينالزوجين- حتى يؤدِّي تجريب هذا النوع من التأديب وظيفته، ولا يتحوّل إلى فضيحة وقضية تلوكها ألسُن الحموات والأصهار والجارات.
فإذا لم ينفع هذا التأديب الرقيق المُهذب يُمكن أن يجرب التأديبُ الخشن بالضرب لمن يعْلم الزوج أن زوجته ذات طبع حِماري يمكن أن تقاد بشيء من العُنْف، فإذا عَلِم أن ذلك أنفع فهو أحْسَن -فقط- من فضِّ الشركة الأسرية بتطليق الشريك، وإذا كان يعلم أن المرأة يمكن أن تزداد عناداً وتحديا فالأحسن الانتقال إلى آخر الدواء، وآخره الكَيُّ، لأن المقصود من التأديب هو تقويمُ المسار، وليس الانتقام والتصارع والتغالُب.
وهذا النوع من التأديب يجب أن تكون المرأة مومنة مقتنعة بأن هذا من جملة حقوق القوامة أعطاه الله تعالى للرجال في مقابل الغُرم الذي يتحملونه حتى تستقيم الأسر، وليس محاباة للرجال على حساب النساء، بل ذلك لحفظ مصلحتهن، والمرأة التي لا تومن بهذا الحق، ولاتومن بواجب الطاعة عليها للزوج -في طاعة الله تعالى ورضاه- هذه المرأة ليست صالحة لتكوين أسرة صالحة منسجمة، وسوف نزيد هذه القضية توضيحا عند التعرض للنشوز، حتى لا تسقط المرأة المومنة في فخ العِصيان لله تعالى والكفران بكتابه.
ذ.المفضل فلواتي