ألـم تـركيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة


1 ـ في فترة زمنية لا تتعدى الأسبوع، تأرجح وجداني بين كتابين، رجا كياني، وأورثاني وأنا أنتقل بين صفحاتهما، مشاعر متنافرة، وجعلاني إزاء خليط من التداعيات التي خلفاها بداخلي، أنتقل من أقصى درجات الهبوط والاكتئاب النفسي، مع الكتاب الأول  إلى  الانغمار الرباني مع الكتاب الثاني في فيض من الإشراقات و الأحاسيس العلوية،  أعادتني إلى شلال عنفواني الحركي وحفزتني لمتابعة حفرياتي في الذات والأحداث بكل الإيمان بالفلاح والنصرة للذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.

2 ـ  الكتاب الأول للقاص المغربي ” محمد برادة “،  وهو من آخر إبداعاته الروائية، وقد منحت نفسي لحيظات إمتاع ومؤانسة في مروج القصة والرواية،  إرواء لنهم حميمي لسلطان الحكي، وأعترف أن المتـعة كانت مهيضة وأنا أرافق الكاتب في خيبـته من منظومة فكرية وإيديولوجية، ولدت ثوريـة في ينابيعها، محمومة بـهم كنس قيم وثوابت اعتبرها أصحاب المنظومة بمثابة إعاقة لمشروعهم النهضوي، وهي المنظومة التي أدركها البوار على الطريق، وأفضت بثلة من رموزها إلى رحاب السلطة ومعانقة ما كانوا يعتبرونه مستنقع عفن ورداءة، في حين رمت بثلة أخرى  في جحيم منافي متـعددة، تربعت فيها الحانات وأحضان النساء المضيعات أحد عروش الصدارة، في غمرة إحساس هذه الثلة بالعجز والشلل التام عن التغيير، لتظل الجماهير (كما يحكي النص القصصي)، موكولة إلى بؤسها وانزلاقاتها إلى هاوية العنف والانحراف.

ومن بداية السرد وحتى نهاياته الدرامية الملتبسة، يعاقر محمد برادة خيبات شخوصه واكتشافاتهم الأليمة لـحفـر شاسعة لا تقوى على ردمها الكلمات، كما يستخلص  الكاتب ذلك..

يقول محمد برادة على لسان هؤلاء الحيارى : (…وحماسي تبخر، فتوقفت عن كل نشاط بعد أن اكتشفت التهافت على المصالح والمواقع..)!!.

وإذ وضعت الرواية جانبا عند آخر كلمة، لبثت لهنيهة نهبا لتأثير خليط من المشاعر والتأملات السلبية، ووجدتني أتخلص من شرنقة الرواية، والقناعة التامة بأن ماكان لله دام واتصل وماكان لغير الله انقطع وانفصل،  تنقدح بذهني، وتدفعني  لاسترجاع قوله سبحانه {وإما ينـزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله}.

وبعيدا عن سلطة النص ومجازاته واستعاراته وبعيدا عن بعض القراءات النقدية التي تخلط بكل تعسف بين الكاتب وأبطاله، (ولأني بكل صراحة لم أشق قلب الكاتب لأتبين حجم الحقيقة من الخيال في سرده) فإني أسمح لنفسي بالحديث بشكل عام عن  تجربة التغيير التي وردت بعض من معالمها بالرواية، لأقول كما أعتقد بأن هذه التجربة لم تكن لتعطي ثمارها الطيبة على المستويين السياسي الاجتماعي أو الإبداعي لسبب واحد أجمله في قوله تعالى : { إن الباطل كان زهوقا}.

3 ـ فعلى المستوى السياسي، استعانتهذه التجربة بمخزون فكري لمنظومات أثبتت نسبيتها بل فشلها في محاضنها. وللإنصاف مرة أخرى فليس العيب في الاستعانة بعصارة الفكر الإنساني، وقد خلقنا سبحانه وتعالى وجعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف، إنما العيب في تغييب الصانع الأكبر والخالق الأوحد من هذه المنظومات الجاحدة، فحق في قول المنظرين لها قوله تعالى : {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين}!! بل نظم الكثير من هؤلاء  حربا شاملة على الفكر الديني في كل تجلياته ومصادره الربانية باعتباره تكريسا للخرافة والانغلاق، وبالنتيجة فما كان لهذه التجربة وإن توسلت بكل النوايا الحسنة و العادلة في ” إغناء الفقراء وإفقار الأغنياء” وبسط أسس المساواة والكرامة الإنسانية أن تصمد وتثمر في مجتمع متجذر التدين والمشاعر الدينية. ولأن الشيء بالشيئ يذكر فقد قرأت مؤخرا تصريحا إعلاميا لأحد بقايا هذه التجربة قال فيه بالفم الملآنبأن القرءان (هكذا)!!والديانات على العموم تجاوزها الواقع !!!!!! فكيف لنخب بهذه الذهنيات الديناصورية أن تحقق التغيير في الأنفس والآفاق وهي تعادي خالقها وولي وجودها وخالق جماهيرها التي تريد هي أن تعتقها من فطرتها وكنـزها الوحيد:  إيمانها، وترمي بها من عسف ديكتاتوريات جلية  إلى عسف  دكتاتوريات خفية (وسبحانه في صبره على الخلائق، إحسانه إليها نازل وجحودها إليه صاعد)!

4 ـ على المستوى الأدبي ألقت التجربة السياسية بسجالاتها وإخفاقاتها الحتمية ورؤاها البعيدة عن سياج الدين بظلالها على الكتابات الإبداعية ومؤلفاتها الأكثر رواجا وشهرة، فرغم توسل هذه الأخيرة كما قلنا بالقضايا الجماهيرية، لم تستطع التخلص من خلفيات المنظومة المنظرة للتجارب الثورية في العالم العربي الإسلامي  في بعدها المعادي للدين، وشخصيا ما قرأت من رواية أو أقصوصة أو شعر لأكبر المبدعين،  إلا صادفت في شخوص كتاباتهم، سكارى ومعربدين ورواد حانات وخمارات من العيار الثقيل وهواة تجميع للنساء في مخادعهم سواء كن مثقفات ثوريات أ ونساء عاديات، وكل الصيغ البلاغية والأكثر تشذيبا وشاعرية، جاهزة لإهالة كل القداسة على كبائر يستعينون بها كما تروي النصوص، أفيونا يضمدون به خساراتهم الإيديولوجية مستجيرين كما يقول المثل العربي بالرمضاء من النار..

يقول حسونة المصباحي الكاتب التونسي في روايته : ( الآخـرون) في استعارة لأبيات أدونيس من طرف أحد شخوصه  :

من أنا يا أصدقائي؟ أيها الراؤون والمستضعفون / ليتني أقدرأن أخرج من جلدي لأعرف من كنت ولا من سأكون / إنني أبحث عن اسم وعن شيء أسميه / زمن أعمى وتاريخ معمى / زمن طمي وتاريخ حطام / والذي يملك مملوك فسبحانك ياهذا الظلام / !!!!.

ولأن الحديث يطول في هذا المقام نتساءل فقط كيف يمكن لإنتاجات أدبية بهذه الطاقة والشحنة المتهالكة مع كل خيبة على سلخالجلد وتدمير الذات،  أن تصنع للعبيد من الجماهير ذوات محررة وفاعلة في الواقع، وهل تحتاج المومس المضيعة الكرامة على سبيل الذكر، إلى من يسف بقايا بقاياها أم لمن يخرجها من عتمة الوأد إلى أنوار الكرامة الخ الخ..

وفي حلقة قادمة سألج بكم أحبتي أطايب كتابة أخرى مع الكتاب الثاني، كتابة تقدمية فعلا  صنـعت شعبـا راشدا ونصرا كاسحا وقلوبا حيـة، وسبحان الله العظيم في جحودنا {إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون}.

ذة.فوزية حجبي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>